ستون عاماً من الرياضة في ألمانيا
١٨ مايو ٢٠٠٩أعلن الإذاعي هيربرت تسيمرمان بتعليقاته الانفعالية انتصار ألمانيا في نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1954 بالقول: "فرصة للمجر. لقد أخذوا الكرة، وصلت إلى يوشيك، لقد انتهت! انتهت! انتهت! انتهت! لقد انتهت المباراة! ألمانيا بطلة العالم...!" وبهذا أصبحت هذه اللقطات المصورة باللونين الأبيض والأسود لهذه المباراة شهادة على لحظة حاسمة في تاريخ الرياضة الألمانية.
وجاء فوز ألمانيا غير المتوقع بلقب هذه البطولة والذي أطلق عليه "معجزة بيرن" كأفضل رد اعتبار لها عقب الحرب العالمية الثانية معلنة اندماجها من جديد في المجتمع العالمي. ودخل قائد المنتخب الألماني آنذاك فريتس فالتر صالة المشاهير، بالإضافة إلى المدرب زيب هيربيرغر والملقب بالرجل العجوز "دير ألتيه"، الذي أثبت حنكته وحسن تخطيطه. وتلا هؤلاء فرانز بيكنباور الملقب بـ"القيصر"، والذي قاد منتخب ألمانيا الغربية لاحقاً للفوز ببطولة كأس العالم كقائد للفريق عام 1974 وكمدرب عام 1990. ودفع فوز ألمانيا بكأس العالم 1990، قبل توحيد البلاد بقليل ، "القيصر" بيكنباور إلى التنبؤ بأن منتخب بلاده "سيصبح فريقا لا يقهر لسنوات عدة"، لكنه ما لبث ان عاد وأعترف بأن تنبئوه كان متهوراً.
الانتصارات الألمانية بعد الوحدة
ولم يؤد اندماج الشرق مع الغرب في ألمانيا إلى مضاعفة قوة المنتخب الألماني، بل تداعى رصيد ألمانيا من الانجازات الكروية سريعاً. كما عانت الرياضة الألمانية من تبعات تعاطي المنشطات بشكل نظامي. ومع ترأس بيكنباور للجنة المنظمة لكأس العالم أحرز انتصاراً كبيراً آخراً لألمانيا عندما تمكنت بلاده من الفوز بحق تنظيم بطولة كأس العالم 2006 في ألمانيا، وذلك بعد 32 عاماً من استضافة البطولة بألمانيا الغربية في بلد قسمته الحرب الباردة آنذاك إلى شرقي وغربي.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها الألمان بحرية ودون خجل عن مشاعرهم الوطنية برفعهم علم ألمانيا في كل مكان. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كان الشعور السائد بين الكثيرين من الألمان هو عدم الارتياح تجاه الإعلان صراحة عن مشاعرهم الوطنية. وعلقت صحيفة "تايمز" البريطانية على خروج مئات الآلاف إلى بوابة براندنبورغ في برلين محتفلين بهذه المناسبة آنذاك بأن ألمانيا أصبحت "دولة طبيعية" من جديد. كما كتبت أيضاً: "منذ عهد الرايخ الثالث لم تشهد ألمانيا مثل هذه التظاهرة الكبيرة للكبرياء الوطني، مع عدم وجود مجال للمقارنة بين التدخل النازي لتنظيم هذه التظاهرات آنذاك وبين التظاهرات الطبيعية حالياً".
النصر أعاد الاعتزاز بالقومية إلى الشعب الألماني
وكما فعلت "معجزة بيرن" عام 1954، فقد قدمت بطولة كأس العالم 2006 لألمانيا فرصة لاكتشاف نفسها من جديد. وقال الرئيس الألماني هورست كولر خلال البطولة: "يقدم الألمان أنفسهم مع بلدهم وألوان العلم الوطني. أعتقد أنه أمر رائع. وأعتقد أنه رائع أيضاً أنني لم أعد الشخص الوحيد الذي يضع علم ألمانيا على سيارته."
مآسي الرياضة الألمانية
وإذا كانت بطولة كأس العالم 2006 من المحطات الإيجابية في تاريخ ألمانيا فإن دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ عام 1972، التي كانت فرصة أخرى لإظهار وجه الصداقة والترحيب الألماني، كانت واحدة من أسوأ الدورات في التاريخ الأولمبي. حيث قتل فيها 11 لاعباً من البعثة الإسرائيلية نتيجة اعتداء جماعة "أيلول الأسود" الفلسطينية عليهم. وكان هذا الحدث وصمة على جبين هذه الدورة.
بعد هذا الحادث أوقفت المنافسات الأولمبية، ولكن إفيري برواندادج رئيس اللجنة الأولمبية آنذاك اتخذ قراراً مثيراً للجدل بضرورة استئناف المسابقات الأولمبية. وصحيح أن هذه الهجمات كانت بعداً جديداً تماماً، لكن الرياضة بشكل عام اعتادت على أن يتم استغلالها بل والإًساءة إليها لصالح الاعتبارات السياسية. وأبرز دليل على ذلك هو الوضع في ألمانيا الشرقية الشيوعية، التي كانت تشكل قوة هائلة في دورات الألعاب الأولمبية.
أبطال الرياضة الحديثة
شهدت ألمانيا العديد من اللحظات الرياضية الرائعة والأبطال الرياضيين في التاريخ الحديث أيضاً. فقد رفع كل من شتيفي جراف وبوريس بيكر اسم ألمانيا عالياً في سماء التنس في أواخر الثمانينات وفي تسعينات القرن الماضي. كما حقق مايكل شوماخر نجاحاً مماثلاً في سباقات السيارات فورمولا 1. وفي ألمانيا الشرقية تمتعت بطلة وملكة التزلج على الجليد كاتارينا فيت بشعبية عريضة في الشطرين الشرقي والغربي.
الرياضة وسيلة للحلول السياسية
على الرغم من التنافس الذي هيمن على العلاقة بين الألمانيتين قبل التوحيد، فقد شارك منتخبا كلتا الدولتين كفريق واحد تحت علم واحد في الدورات الأولمبية، التي جرت فيما بين عامي 1956 و1964.
وترى المؤرخة أوتا بالبيير أن القيادة في ألمانيا الشرقية سرعان ما أدركت أنها تستطيع أن تتملص من العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها عن طريق توطيد العلاقات الثقافية. وتعلق باليير التي ألفت كتاب "الحرب الباردة على مضمار سيندر. الرياضة الألمانية – الألمانية في الفترة 1950 و1972، تاريخ سياسي" قائلة: "كانت الرياضة هي الوسيلة المثالية لتحقيق ذلك." وتضيف بالقول: "استطاعت ألمانيا الشرقية أن تثبت جدارتها عن طريق عدد الميداليات التي تفوز بها وتمثلت كرامتها في رفع علمها وعزف سلامها الوطني في مراسم الاحتفالات بالفوز."
يُذكر أن ألمانيا الشرقية حصدت 409 ميدالية مقابل 204 ميدالية لألمانيا الغربية في الدورات الأولمبية الصيفية فيما بين عامي 1968 و1988، بالرغم مقاطعتها لأولمبياد 1984. لكن يبقى هذا المجد ملطخاً لأن الحكومة الشرقية كانت ترعى برنامج المنشطات، كما استغلت العديد من اللاعبين اليافعين الأبرياء.
(هـ. س./ د ب أ)
تحرير: عماد م. غانم