زعيم يضبط نبض العراق .. من هو السيد علي السيستاني؟
٦ مارس ٢٠٢١ولد في عام 1931 في مدينة مشهد بإيران، إلا أنه يعيش منذ 70 عاما، أي منذ عام 1951 في العراق بمدينة النجف. السيد علي السيستاني هو أبرز العلماء المجتهدين الشيعة في العراق، وزعيم الحوزة العلمية في النجف وهي المدرسة الدينية التي تُدرس فيها علوم الفقه والشريعة. ولأنه أبرز المجتهدين في المذهب الشيعي الإثني عشري فإنه يحمل لقب آية الله العظمى.
منذ عشرين عاما بدأ السيد السيستاني بالظهور بقوة على الساحة العراقية، أي حتى قبل سقوط نظام صدام حسين، إلا أنه امتلك تأثيرا سياسيا أقوى بعد عام 2003 بسبب ثقله الديني والثقافي في وعي العراقيين. ومنذ عام 1979 وحتى سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، عانى الشيعة من هذا النظام، رغم أنهم يمثلون أكثر من 60 بالمئة من الشعب العراقي. هذا التأثير السياسي لم يبحث عنه السيستاني بنفسه، بل إن صعوبة الوضع والفراغ السياسي في العراق جعلوه مضطرا إلى التدخل، بالنصيحة حينا وبالتوبيخ حينا آخر عن طريق ممثليه، ليصبح الفاعل السياسي الأبرز في الساحة العراقية، بسبب الاحترام الذي يمتلكه بين فئات الشعب العراقي.
هذا التأثير لم يكن ظاهرا بقوة خلال حكم صدام حسين "تحت تلك الظروف لم يُظهر السيستاني أي مواقف سياسية"، يقول الباحث السياسي وفي العلوم الإسلامية إيكارت فوريتس، مدير قسم دراسات الشرق الأوسط في معهد GIGA بمدينة هامبورغ، في لقاء مع DW. ويضيف أيضا: "هذا يشير أيضا إلى طبيعة تربية الأسرة التي جاء منها، فهو ولد في أسرة محافظة شيعية تقليدية هادئة، تبتعد عن النشاط السياسي". واستمر السيستاني في الحفاظ على هذا النهج في العراق خلال فترة حكم صدام حسين، حيث كان تقريبا يقبع في الإقامة المنزلية، وكان عليه تحمل مسؤوليته تجاه الحوزة العلمية وتجاه كل طلاب العلوم الدينية وغيرهم ممن كانوا يدرسون عنده. وقد تمت ملاحقةأو قتل الكثير من هؤلاء الطلبة، خلال حكم صدام حسين.
مفهوم ديني محافظ
يمثل السيستاني التيار المحافظ في الإسلام الشيعي. وعلى موقع مكتبه يطرح عليه الكثير من مقلديه أسئلة دينيةويجيب عليها باختصار معهود حسب طبيعة السؤال. بعض الأسئلة تخص مشاكل مرتبطة بالعولمة وآثارها على الناس، مثلا الانتقال للعيش في بلدان ذات غالبية غير مسلمة. فبالنسبة له مثلا فإن السفر إلى هذه البلدان غير ممنوع مادام يخدم الإسلام والمسلمين بشرط "أن تحافظ الأسرة على دينها". السيستاني من حيث المبدأ منفتح على قضايا العالم، بشرط عدم الحياد عن الدين. وبسبب "احترام منهجه للحوار وتبادل الأفكار والتسامح تعيش النجف مرحلة مهمة من التسامح هي الأفضل منذ تأسيس الحوزة العلمية فيها"، حسبما كتب الباحثان السياسيان عباس كاظم وباربرا سلافين في عام 2020 في دراسة لمركز "Atlantic Council" . وفي عام 2005 أصدر السيستاني فتوى بحكم قتل المثليين جنسيا، إلا أنه عاد وتراجع عنها في عام 2011.
فتوى الجهاد الكفائي
يميل السيستاني إلى اتخاذ مواقف معتدلة، "سياسيا يظهر السيستاني معتدلا وواقعيا" يقول إيكارت فوريتس "وعلى هذا السلوك بالتحديد تعتمد سلطته وسمعته". كان أول اختبار للتعامل السياسي في أوقات صعبة واجهه السيستاني في شهر آب/ أغسطس عام 2004، حين دخلت ميليشيا "جيش المهدي" التابعة لمقتدى الصدر في حرب شوارع مع القوات الأميركية بمدينة النجف. وحين تحصن أفراد من "جيش المهدي" في مرقد الإمام علي، منحت القوات العراقية قوات مقتدى الصدر مهلة للخروج من المرقد، فقطع السيستاني رحلته العلاجية في لندن وعاد إلى النجف وتوصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بخروج القوات الأميركية والعسكرية من النجف مقابل الخروج من المرقد والإبقاء على قوات أمنية عراقية تدير أمن المدينة، السيستاني وبسبب سقوط عدد كبير من المقاتلين سواء من الجيش العراقي أو ميليشيا "جيش المهدي" وحقنا للدماء أعلن أن القتال ضد الأميركيين غير ضروري، وبدلا من ذلك يمكن العمل معهم، "بهذا قدم السيستاني مساهمة كبيرة في منع تصاعد العنف في العراق"، يوضح إيكارت فوريتس. وأكسبه "هذا الموقف سمعة كبيرة ليس فقط في العراق، بل أيضا في الولايات المتحدة". وبالفعل، رُشح السيستاني مرتين لجائزة نوبل للسلام في عام 2005 و2014. وفي عام 2014 أصدر السيستاني فتوى الجهاد الكفائي بعد اجتياح تنظيم داعش الإرهابي مدينة الموصل ومناطق مختلفة من غرب العراق، حينها أعلن أن على "المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح الدفاع عن أرضهم وشعبهم ومناطقهم المقدسة"، حسبما ما أعلن الشيخ مهدي الكربلائي ممثل السيستاني في كربلاء.
الموقف تجاه إيران
البطش الذي ظهر عليه تنظيم داعش في العراق وسوريا والمعادي للشيعة خصوصا، دفع طهران إلى القلق وتقديم الدعم للعراق. ومن أجل المحافظة على تأثير أكبر في البلد المجاور دعمت إيران ميليشيات شيعية موالية لها بعض قادتها "مدنيون" ممثلون في البرلمان العراقي. ومع تصاعد التأثير الإيراني في العراق أخذ السيستاني مواقف مبتعدة عن إيران. إذ وبسبب فتواه للجهاد الكفائي تأسس "الحشد الشعبي" الذي دعمه السيستاني لتحرير أراضي عراقية، وابتعد السيستاني خلال الأعوام التالية من الميليشيات التي تقع تحت التأثير الإيراني. ففي عام 2020 انسحبت بطلب منه، مجموعات قاتلت تنظيم داعش وشاركت في تحرير أراضي عراقية من الحشد الشعبي، وهي "رسالة واضحة تظهر عدم رضاه عن المجموعات الموالية لإيران"، حسبما كتبت مواقع متخصصة منها موقع "المونيتور" الإخباري حينها. هذا الموقف دفع ميليشيات إلى تهديد أنصار السيستاني إذا لم يتوقفوا عن المزيد من "الانقسام" في الحشد الشعبي.
ضد الفساد والسلاح غير المرخص
لكن رجل الدين والزعيم الروحي والديني للشيعة لم يتأثر بهذه التهديدات. ففي أيلول/ سبتمبر من عام 2020 أعلن السيستاني دعمه لرئيس الوزراء العراقي المكلف حينها مصطفى الكاظمي، الذي يحرص على إبقاء العراق مستقلا قدر الإمكان من التأثير الإيراني. وانطلاقا من مواقفهما يمكن وصفالسيستاني والكاظمي بأنهما وطنيان عراقيان. ويحرص السيستاني على إيصال مطالبه عبر ممثليه في صلوات الجمعة، وهي مطالب تتعلق بتنفيذ القانون والحرب على الفساد ومصادرة الأسلحة غير المرخصة.
كما أدان السيستاني، ومن دون ذكر أسماء، كل المحاولات الرامية إلى تقسيم العراق إلى مناطق نفوذ مختلفة، وهو موقف واضح ضد المليشيا الموالية لإيران في العراق. بالإضافة إلى دعوته إلى إجراء تحقيقات في القمع الدمويالذي طال التظاهرات في خريف عام 2019 في بغداد ومحافظات عراقية أخرى، حين خرج آلاف الشباب العراقيين العابرين للطوائف ضد الفساد، والحكومة والتأثيرات الخارجية على العراق. وتشير أصابع الاتهام إلى عناصر في ميليشيات موالية لإيران، في التسبب بمقتل أو اختطاف كثير من المتظاهرين.
18 عاما مرت على الغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، ومازال العراق يعاني من عدم الاستقرار الأمني والسياسي. وقد قدم السيستاني خلال هذه المدة مساهمة كبيرة في إبقاء البلاد على المسار الصحيح والحفاظ على العراق قدر الإمكان. واليوم يبلغ السيستاني من العمر 90 عاماً، وربما لن يكون قادرا في يوم من الأيام على الاستمرار في مهامه، حينها سيفتقد العراق ليس إلى سلطة دينية وروحية لها ثقلها فحسب، بل إلى سلطة سياسية كبيرة.
كريستين كنيب/ ع.خ