رهاب المثلية الجنسية في ألمانيا.. ما زال الطريق طويلا!
٢٩ سبتمبر ٢٠٢٠أثارت تصريحات المرشح لرئاسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي، حزب المستشارة ميركل، فريدريش ميرتس في مقابلة له قبل أيام قليلة مع صحيفة "بيلد تسايتونغ" الألمانية الدهشة في ألمانيا وداخل حزبه أيضاً.
فعندما سُئل ميرتس عما إذا كان لديه أي تحفظات في حالة فوز مرشح مثلي الجنس بمنصب المستشار الألماني، في بادئ الأمر، أجاب ميرتس بالنفي، غير أنه أوضح بعد ذلك قائلاً: "مسألة الميول الجنسية لا تعني الرأي العام. طالما أن ذلك لا يخرج عن الإطار القانوني وطالما أن ذلك لا يؤثر على الأطفال. لأن في هذه النقطة، يكون بالنسبة لي قد تم الاقتراب والوصول إلى الخطوط الحمراء وهنا يصبح الموضوع غير قابل للنقاش العام ".
تصريح ميرتس، طرح التساؤل لدى عدد من المنتقدين له، عن سبب ربط الرئيس الأسبق للكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الديمقراطي في البرلمان الألماني حماية الأطفال والانتهاكات المحتملة ضدهم بالمثليين؟ سؤال لم يسبق أن شغل وزير الصحة الألماني، ينس شبان، والذي هو مثلي الجنس أيضاً.
تجريم المثلية الجنسية حتى عام 1969
تاريخ التمييز ضد المثليين واضطهادهم في ألمانيا يعود إلى حقبة ما بعد الحرب. حتى بعد تقبلهم من قبل جزء كبير من المجتمع آنذاك، ظل المثليون جنسياً عرضة للمحاكمة حتى عام 1969 بموجب قانون ورثته ألمانيا الغربية من عصر الإمبراطورية الرومانية وتم تشديده خلال فترة حكم النظام النازي. الفقرة 175 من القانون الجنائي كانت تنص على أن "الرجل الذي يمارس علاقة جنسية مع رجل آخر يعاقب بالسجن".
في عام 1957، أعلنت المحكمة الدستورية الاتحادية أن هذا الفقرة القانونية متماشية مع القانون الأساسي، الدستور الألماني. كما تبنت جمهورية ألمانيا الديمقراطية القانون الذي يعود إلى الحقبة النازية.
أولى المكاسب
جلبت الحركة الطلابية عام1968 وظهور الحركات الاجتماعية المدافعة عن المثليين في المجتمع، أولى المكاسب نحو المساواة بين المثليين في المجتمع الغربي. ولعبت الحركات المدافعة عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان الدور الأساسي في هذا المجال. من أبرز محطات هذا النضال كانت حملة أغسطس/ آب عام 1992 حينما قدم حوالي250 من الأزواج من نفس الجنس طلباً للزواج لدى دائرة الأحوال الشخصية.
غير أن قرار الاعتراف الرسمي بالشركاء المثليين في ألمانيا لم يأت حتى فبراير/ شباط عام 2001، في عهد المستشار الألماني الاشتراكي الديمقراطي آنذاك، غيرهارد شرودر. هذا القرار منح الأزواج المثليين مكانة متساوية على الأقل بموجب القانون الألماني وكانت حالات الاقتران المثلي تسجل رسمياً منذ ذلك الحين تحت اسم "شراكة حياتية" فحسب، وليس "زواجاً".
قانون "الزواج للجميع"
وفي خطوة تاريخية عام 2017، صادق البرلمان الألماني على قانون "الزواج للجميع"، ووفقاً لهذا القانون، سمحت السلطات الألمانية بعقد زواج المثليين والمثليات - بل وتبني الأطفال إن أرادوا. حتى وقت قريب، ظل النواب المحافظون معارضين لهذا القانون، وصوت 522 من أصل 309 نواب من حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي أو الاتحاد الاجتماعي المسيحي ضد القانون بعد ذلك. في الفترة التي سبقت الانتخابات، ناشدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن يكون لكل عضو برلماني حرية اتخاذ القرار عند التصويت.
سياسيون أعلنوا عن مثليتهم
هذه القرارات القانونية عززتها التصريحات العلنية للسياسيين الذين دعموا المثلية الجنسية. في عام 2001، أعلن السياسي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وعمدة برلين السابق، كلاوس فوفرايت في مؤتمر للحزب في نهاية خطابه: "أنا مثلي، وهذا أمر جيد أيضاً!" في وقت لاحق أوضح أن ما صرح به، والذي بدا مألوفا، جاء لأنه كان يعلم أن الصحافة الصفراء كانت تعد تقارير عن مثليته الجنسية.
في العام نفسه، تم انتخاب السياسي من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أولي فون بويست، أول عمدة لهامبورغ، ولم يخف مثليته الجنسية أيضاً. كما ساهم وزير الخارجية الألماني الراحل غيدو فيسترفيله بشكل كبير في التقبل العام للمثلية من خلال الكشف عن ميوله الجنسية وعيش حياته في العلن.
الاضطهاد مستمر!
من خلال النقاش العام والدراسات الاستقصائية، يتبين أنه قد تم تحقيق الكثير فيما يتعلق بالمساواة بين المثليين في ألمانيا. الأمر الذي يجعل تصريح السياسي الألماني فريدريش ميرتس يبدو وكأنه يعود إلى حقبة ماضية. لكن لا تزال هناك تحفظات على المثليين في كثير من المجالات.
وأظهرت دراسة حديثة أجراها المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) وجامعة بيليفيلد أن 30 في المائة من الأشخاص المثليين جنسياً مازالوا عرضة للتمييز في حياتهم المهنية، وأكثر من 40 في المائة بين الأشخاص المتحولين. وهو ما يدفع بما يقرب من ثلث الأشخاص المثليين في ألمانيا إلى إخفاء ميولهم الجنسية عن زملائهم في العمل.
في المقابل هناك مبادرات مهمة مثل تلك التي اتخذتها وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب-كارنباور، التي تعتزم إصدار قانون يتم بموجبه تعويض الجنود المثليين الذين تعرضوا للتمييز داخل الجيش الألماني بين عامي 1955و2000، حين كان المثليون في الجيش الألماني يتعرضون للعقاب.
ينس توراو/ إ.م