رمضان في الضفة الغربية: صيام وإنفاق وسهر
١٦ أغسطس ٢٠١٠حبال التزيين تحمل مئات المصابيح الكهربائية المتعددة الألوان، تربط بين أعمدة الكهرباء وشبابيك البيوت لتضيء شارع الناطور في مدينة البيرة المجاورة لرام الله. إعلان بالضوء عن حلول شهر رمضان في الأراضي الفلسطينية، فالأهالي تنادوا واشتركوا في دفع تكاليف تزيين حيهم، كما يحصل في العديد من الأحياء التي ارتفعت أيضاً على شرفاتهم، أسلاك الزينة المصنوعة على شكل رموز إسلامية كمسجد أو مئذنة تارة أو قبة تارة أخرى. هذا في الليل، أما في النهار فالحرارة اللاهبة تلقي بثقلها على الصائمين، وتتراجع الحركة بصورة لافتة خاصة في ساعات الظهر، ويتجمع أصحاب المتاجر لتبادل الحديث، فيما يغيب الزبائن في مثل هذا الوقت.
زهد أم بذخ؟
افتراضاً، يتمثل الهدف من الصيام هو حرمان النفس من المتع الجسدية طيلة ساعات النهار، تقرباً إلى الله، ومشاركة للفقراء في مشاعر الحرمان. لكن المتصفح للسلع المعروضة في المتاجر والاهم الإقبال عليها في الصباح وقبل الإفطار بساعتين يقف على حقيقة أن العديد من الصائمين، يتهافتون على شراء كل ما يثير شهيتهم من أصناف الطعام.
عن هذا يقول احمد سالم، في الخامسة والعشرين من العمر، وهو يتسوق من متجر للأغذية في رام الله: "من حق الصائم أن يتمتع عند الإفطار بكل ما يشتهيه، فأنا أصوم خمس عشرة ساعة وأريد أن أرى المائدة عامرة بكل أصناف الطعام".
أم سمير، كما عرفت نفسها، تنتظر دورها عند بائع الدجاج، تؤكد أن شهر رمضان يستنزف كل ما لديها:" زوجي موظف ودخله محدود، لكننا لا نستطيع حرمان أبنائنا الأربعة مما يشتهون فنشتري اللحوم والدجاج والخضار والحلويات، والمشكلة أن الأسعار ارتفعت مع بداية الشهر، وخاصة اللحوم والدواجن ولكن ما باليد حيلة".
أما التاجر قاسم السعيد فيقول عن مشكلة ارتفاع الأسعار: "طلبت منا الحكومة إشهار الأسعار، وعدم رفعها، القضية ليست بأيدنا، فكل شيء مستورد من إسرائيل أو الخارج، ويبقى لدينا هامش قليل للربح. ولا شك أن الاستهلاك يرتفع في هذا الشهر، وهو ما يحرك السوق بصورة جيدة، ويدفع البعض إلى رفع الأسعار فالطلب عالي".
وما يزيد من استنزاف الميزانية الدعوات المتبادلة بين الأقارب والأصدقاء، فإن كانت في مطعم فهي للأغنياء فقط، وإن كانت في البيوت فهناك تسابق على الأصناف التي تقدم على الموائد.
حقوق المستهلك
وفي ظل مشكلة الأسعار أخذت جمعيات صغيرة تشكلت حديثاً تنشط في رصد ارتفاع الأسعار ورفع تقارير إلى الجهات الحكومية المختصة، ومن هذه الجمعيات جمعية حماية المستهلك في الضفة الغربية. لكنها لم تتمكن حتى الآن، كما يقول الناشط حسن إبراهيم في حوار مع دويتشه فيله، من كسب قضية واحدة.
ويضيف إبراهيم قائلاً: "في بعض المتاجر وجدنا سلعاً منتهية الصلاحية، وتبين لنا أن فارق الأسعار كبير جداً بين متجر وآخر. والأخطر من ذلك ربما هو أن موزعي المواد الغذائية سريعة التلف كمنتجات الألبان يضعونها في الصباح الباكر أمام المتاجر، وقد تمر ساعة أو أكثر قبل أن يفتح المتجر أبوابه. لذلك تتعرض هذه المواد للتلف نتيجة تعرضها لأشعة الشمس، لكن التاجر يضعها في الثلاجة ويعرضها للبيع".
ظواهر سلوكية
تنشط الحركة في ساعات ما بعد الظهر، موظفون عائدون من عملهم، ومواطنون يتدفقون إلى الأسواق لشراء ما تشتهيه الأنفس على مائدة الإفطار، ومتسكعون وأطفال. تتزايد الحركة بصورة مضاعفة، وتغص مراكز المدن بالسيارات وسط تذمر من الازدحام، يصل حد الشتم والسباب. فالكل يريد أن يمر قبل غيره ما يزيد من الأزمة، ورغم محاولات رجال الشرطة تنظيم المرور إلا أن كل متسوق يسعى إلى إيقاف سيارته أمام المحل المقصود، سواء كان ذلك قانونياً أم لا.
وفي الشوارع الأخرى، خارج المركز، تبدو السيارات وكأنها في رالي سباق، سرعة فوق العادة، وتجاوز وخرق لإشارات المرور، وبالطبع حوادث، وحسب بيانات الشرطة فقد تضاعف عدد الحوادث أربع مرات خلال اليومين الأولين من شهر رمضان.
حالة من الفرح
لكن بعد الإفطار بدقائق ينتشر الأطفال في الشوارع، ويبدؤون باللعب وإطلاق الألعاب النارية لتلون الفضاء، فيما تغض المقاهي بالساهرين في أجواء احتفالية، يغمرها دخان النراجيل. وفي الأحياء الميسورة، يتدفق الشباب والشابات إلى " الكافيه" ونادراً ما تجد كرسياً فارغاً عند مائدة. وتمتد السهرات إلى ما بعد منتصف الليل وأحياناً حتى السحور، مشروبات وشطائر وبالطبع نراجيل تختلط قرقرتها بأصوات السامرين.
الكاتب: عبد الكريم سمارة/ رام الله
مراجعة: عماد مبارك غانم