رغم مناورات روسيا.. الغرب وإيران نحو إحياء الاتفاق النووي!
٢١ مارس ٢٠٢٢على الرغم من مناورات روسيا المعرقلة في مفاوضات فيينا الهادفة لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، في إطار "خطة العمل الشاملة المشتركة"، كانت هناك إشارات متكررة الأسبوع الماضي على أن الاتفاق قد يكون وشيكاً. وكانت روسيا قد طالبت بضمان تجارتها الحرة مع إيران كشرط لاستمرار مشاركتها في المفاوضات، بمجرد أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها على إيران- وذلك كجزء من الحل التفاوضي في فيينا.
لكن، ونظراً لأن روسيا تخضع لعقوبات اقتصادية وتجارية غربية، والتي يُرجح أن يتم تمديدها أكثر من تخفيفها، بسبب هجماتها المستمرة على أوكرانيا، فقد تم رفض طلب موسكو وتوقفت المفاوضات بسبب "عوامل خارجية"، كما أعلن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على تويتر.
هل حصلت روسيا على "ضمانات"؟
وبسبب ذلك، سافر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى موسكو الثلاثاء الماضي (15 مارس/ آذار). وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو: "لن تكون هناك على الإطلاق صلة بين التطورات في أوكرانيا ومحادثات فيينا". بدوره أشار لافروف إلى أن موسكو لا تريد فرض أي شروط جديدة، وقال: "تلقينا ضمانات مكتوبة. وهي واردة في نص الاتفاق بشأن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة"، وأضاف: "يمكن للشركات (الروسية) والمتخصصين (الروس) المشاركة في جميع المشاريع والأنشطة المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة".
من جهته أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن واشنطن لن تفرض "بالطبع" عقوبات على مشاركة روسيا في المشاريع المتعلقة بالمجال النووي كجزء من الاتفاق النووي الذي يتم إحياؤه، وأضاف: "لكن فيما عدا ذلك، لم نقدم لروسيا أي ضمانات ولا يمكننا (تقديمها) ولن نفعل ذلك".
وهذا الأسبوع ظهر بوضوح مدى اهتمام كل من الدول الغربية وإيران بالتوصل إلى نتيجة ناجحة للمحادثات، وذلك من خلال الإفراج عن الصحفية الإيرانية البريطانية نازنين زغاري-راتكليف، التي كانت إيران قد حكمت عليها بالسجن لعدة سنوات بتهمة التجسس، بالإضافة إلى مواطن إيراني بريطاني آخر، وتمكن الاثنان من مغادرة البلاد. وفضلاً عن ذلك، أفادت وكالة رويترز للأنباء أن الولايات المتحدة تدرس إزالة اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة "الإرهاب" بعد أن كانت إدارة ترامب قد أضافته إلى القائمة في عام 2019.
الغرب وإيران يريدان اتفاقاً قريباً
وترغب الأطراف المجتمعة في مفاوضات فيينا في إتمام الاتفاق النووي قريباً لأسباب مختلفة. فإيران تريد إتمام الاتفاق لأن "خطة العمل الشاملة المشتركة" تتمتع بوضع يضمنه مجلس الأمن الدولي حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2025 فحسب، كما يقول ديفيد جاليلفاند، الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات "أورينت ماترز"، (Orient Matters)، مشيراً إلى أن إيران تخشى أن يخلف رئيس جمهوري بايدن في البيت الأبيض، ما قد يجعل الولايات المتحدة تنسحب من الاتفاق مرة أخرى. ويوضح جاليلفاند: "بعبارة أخرى، نحن نتطلع إلى ما يزيد قليلاً عن عامين على أي حال. وأي تأخير إضافي في المفاوضات يعني لإيران المزيد من الوقت الذي تكون فيه غير قادرة على التجارة أو تصدير النفط أو الوصول إلى الأصول الأجنبية".
أما بالنسبة للغرب، فإن المحادثات النووية تدور في المقام الأول حول غاية سياسية، كما كتب خبير الشؤون السياسية في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" إسفانديار باتمانغليج الذي أضاف: "إن اتفاقاً ناجحاً للمفاوضات النووية من شأنه أن يرسل إشارة قوية بأن مصالح إيران طويلة المدى تكمن في سياسة خارجية متوازنة، لا سيما في ظل التحولات الزلزالية في النظام العالمي". ويشير باتمانغليج إلى أن اختيار القوى الأخرى في الشرق الأوسط أيضاً سياسة خارجية "متوازنة" تجاه الأزمة الأوكرانية، يخلق الآن فرصاً جديدة لمعالجة مسألة المخاوف الأمنية طويلة الأمد من قبل جميع الأطراف، على حد تعبيره.
ويوافقه في الرأي جليلفاند الذي يرى أن الغرب يريد قبل كل شيء منع سباق التسلح النووي، معتبراً أن الدول الغربية مهتمة بشكل هامشي فقط بالعلاقات التجارية مع إيران. ويوضح جليلفاند: "الحجة القائلة بأن احتياطيات النفط والغاز الإيرانية يمكن أن تحل محل النفط والغاز الروسيين في أوروبا هي حجة قصيرة النظر. فقبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية في عام 2018، سجلت إيران متوسط إنتاج نفطي بلغ 3.8 مليون برميل يومياً. في حين أن روسيا كان لديها أكثر، من حيث الصادرات فقط، إذ وصلت إلى أكثر من خمسة ملايين برميل. وبالتالي فإن قدرة إيران على تعويض النفط الروسي في السوق العالمية ضئيلة".
أما فيما يتعلق بصادرات الغاز، فالخيارات هنا أيضاً محدودة، بحسب جليلفاند، مبرراً ذلك بعدم وجود خط أنابيب غاز من إيران إلى أوروبا. كما لا تمتلك إيران أي محطات لتصدير الغاز المسال أيضاً، وبالتالي لا يمكنها تصدير الغاز المسال إلى أوروبا على المدى القصير أو المتوسط، كما يرى جليلفاند، الذي يضيف: "وبعبارة أخرى، فإن إعادة إحياء الاتفاق (النووي) لن يفعل الكثير لجعل أوروبا مستقلة عن النفط والغاز الروسيين".
إمكانية محدودة للتعاون الروسي الإيراني
ولا تزال هناك تكهنات حول دوافع موسكو من تأخير مفاوضات فيينا عبر المطالبة بتعاون تجاري وتكنولوجي غير مقيد مع إيران. فإن كان الدافع هو محاولة تخفيف العقوبات الغربية على موسكو، فإن تلك المحاولة "باءت بالفشل"، كما يقول على واعظ من مجموعة الأزمات الدولية.
ووفقاً للرابطة الاتحادية الألمانية للشركات الصغيرة والمتوسطة، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران 2.22 مليار دولار أمريكي في عام 2020، بزيادة قدرها 40 في المائة عن العام السابق. ومع ذلك، فإن هذه التجارة تقتصر أساساً على المنتجات الزراعية والبلاستيكية والمواد الكيميائية. وتزود روسيا إيران بمنتجات بسيطة نسبياً.
ويقول ديفيد جليلفاند: "في المجالات المهمة حقاً لإيران - قطاعي الأسلحة والطاقة - كانت روسيا حتى الآن حذرة للغاية"، ويضيف: "في مجال الطاقة، روسيا ليست مهتمة بخلق منافس من خلال تزويد إيران بالتقنيات التي من شأنها أن تمكن البلاد من استغلال احتياطياتها الهائلة من النفط والغاز بشكل كامل"، ويختم: "ولهذا السبب فإنه بالنسبة لمدى عمق العلاقات التجارية بين روسيا وإيران، ستكون هناك حدود في المستقبل أيضاً".
كيرستن كنيب/م.ع.ح