رغم كارثة الفيضانات.. ساسة ألمانيا منقسمون حول حماية المناخ
١٧ يوليو ٢٠٢١حين ضربت العاصفة وسيول الفيضانات ولايتي شمال الراين وستفاليا وراينلاند بفالس في ألمانيا مخلفة دماراً هائلاً خلال اليومين الماضيين، سارع كبار الساسة الألمان لإظهار تعاطفهم للمتضررين بالولايتين من جراء هذه الكارثة. فقد ألغى رئيس وزراء ولاية شمال الرين ويستفاليا ورئيس الحزب المسيحي الديمقراطي المنتمية إليه المستشارة أنغيلا ميركل وبطبيعة الحال مرشح الحزب لمنصب المستشارية في انتخابات الخريف المقبل، آرمين لاشيت، جميع المواعيد المهمة وسافر لتفقد المناطق المتضررة من الفيضانات. كما حذا حذوه أولاف شولتس، وزير المالية والمرشح عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لخلافة ميركل أيضاً.
استغلال الساسة للمحن!
أنالينا بيربوك مرشحة حزب الخضر للمنافسة على منصب المستشارية في ألمانيا، هي الأخرى قطعت إجازتها. حماية البيئة هو شعار حملتها الإنتخابية، لكن يبدو أنها تعي تماماً أن ممارسة السياسية الحزبية لا وقت لها خلال أيام المحن. لهذا استغنت عنها في تصريحها الصحفي أمام وسائل إعلام ألمانية قائلة: "مواساتي وعزائي للذين يشعرون بالحزن على فقدان أحبائهم، وللذين يجهدون في البحث عن المفقودين وعلاج المصابين. يبذل عمال الإنقاذ كل ما في وسعهم، ويخاطرون بحياتهم. هذا عمل رائع".
لكن بالعودة إلى التاريخ وبالتحديد إلى عام 2002، يبدو أن المحنة قد تعود بالنفع على الساسة أيضاً، فخلال الفيضانات العارمة التي ضربت مناطق نهر الالبه في شرق ألمانيا، سارع المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى تفقد المناطق المتضررة وأثبت أن سلوك السياسيين في مثل هذه الكوارث قد يشكل نقطة فاصلة في مشوارهم السياسي. في حين تردد منافس شرودر من حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي آنذاك إدموند شتويبر في الإقدام على الخطوة نفسها وخسر نقاطًا مهمة في الحملة الانتخابية، كما يراها محللون للمشهد السياسي الألماني.
التفاعل بإنفعال مع الأسئلة!
اضطر آرمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية شمال الرين ويستفاليا ورئيس الحزب المسيحي الديمقراطي، إلى تحمل سيل من الإنتقادات خلال الأيام القليلة الماضية. على الرغم من أن حزبه يؤكد على أهمية حماية المناخ في برنامجه الانتخابي، إلا أن هناك انتقادات منذ فترة طويلة جراء التأخر في التخلي تدريجياً عن الفحم كمصدر للطاقة بدافع مراعاة العمال في منجم الفحم، وهو ما تراه الحكومة الألمانية الحالية ممكناً عام 2028 على أبعد تقدير.
لكن دعاة حماية البيئة يعتبرونه متأخراً بالنسبة لأهداف حماية المناخ. في الواقع فقد لاشيت صبره مساء أمس الخميس في لقاء تلفزيوني مع إذاعة غرب ألمانيا WDR عندما سألته المذيعة عن التخلص من الفحم، وأجابها بهذه الجملة: "آسف، لأنه في يوم مثل هذا اليوم، المرء لا يغير السياسة". جملة قد تبقى لصيقة به لفترة طويلة.
تحقيق هدف"الحياد الكربوني" بحلول 2045
قامت ألمانيا والإتحاد الأوروبي بالكثير من الخطوات في مجال حماية المناخ، أهمها تحسين أهدافهما المناخية. إذ تسعى ألمانيا إلى تحقيق هدف "الحياد الكربوني" بحلول 2045. لكن عندما يتعلق الأمر بالتدابير الملموسة، فإن خطط الأحزاب تختلف. التحالف الحاكم في ألمانيا حالياً والمكون من الاتحاد المسيحي والحزب الإشتراكي الديمقراطي، ملتزمان بالتخلص التدريجي من الفحم حتى 2038، فيما يطالب حزب الخضر بمدة أقل وهي بحلول 2030. كما أن سعر ثاني أكسيد الكربون البالغ 25 يورو للطن الواحد، والذي تم فرضه منذ بداية العام، يسعى الحزبان الحاكمان إلى زيادته بشكل طفيف، بينما يصر حزب الخضر على إعتماد سعر 60 يورو بحلول 2023، الأمر الذي أثار انتقادات شديدة للأحزاب الألمانية خلال الحملة الإنتخابية، خاصة من قبل ممثلي القطاع الاقتصادي.
حزب يرفض معاهدة باريس للمناخ
تلتزم جميع الأحزاب في البرلمان الألماني "البوندستاغ"، باستثناء حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، بمطلب اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، التي تنص على أن ارتفاع درجة الحرارة بفعل الاحتباس الحراري العالمي يجب ألا يزيد عن 1.5 درجة. وفي هذا السياق قالت عضوة حزب البديل في البرلمان كارستن هيلزه، وهي المسؤولة عن سياسات المناخ في الحزب، في تصريح لصحيفة "فيلت": "الفيضانات ظاهرة طبيعية". وأضافت أن الانبعاثات من صنع الإنسان لكنها لا تلعب دوراً في حدوثها، ولا حتى في الكارثة الحالية.
إجماع على رأي خبراء المناخ
رأي يتبناه حزب "البديل من أجل ألمانيا" بمفرده على الأقل، فلا أحد في الأحزاب الراسخة ينكر أن البشر هم المسؤولون عن تغير المناخ وأن الأحداث المناخية المتطرفة مثل هذه هي جزء منه. ارتفاع درجات الحرارة على مدى فترات طويلة في الصيف، دون تسجيل انخفاض كبير لها حتى خلال الليل، وأمطار غزيرة ومتكررة. وتخظى هذه السيناريوهات والنتائج التي يتوصل لها خبراء المناخ في منطقة وسط أوروبا، بإجماع جميع الساسة تقريباً.
الحكومة تضمن مساعدات عاجلة
فيما يتعلق بحجم المساعدات المحددة للمتضررين من الكارثة، تضع حكومة ميركل نصب عينها المبالغ التي تم دفعها في عام 2013 بعد فيضانات مناطق نهري الإلبه والدانوب، وكانت قد تجاوزت 8 مليارات يورو. بدوره يأمل وزير الداخلية هورست زيهوفر في أن تتخذ الحكومة قراراً يوم الأربعاء القادم. من جهته قال لاشيت مساء أمس للتلفزيون الألماني الثاني (ZDF) إنه يتعين الآن إعادة تشغيل الطرق والجسور والبنية التحتية بسرعة. المطلوب هو "جهد وطني للقضاء على أسوأ الأمور بسرعة".
الحاجة إلى مليارات من المساعدات
بعد الفيضانات في نهر الأودر والإلبه والدانوب والراين بين عامي 1997 و2013، كان هناك ثمة توجه لإعادة للتفكير في الأنهار الرئيسية نفسها. تم إنشاء سهول للفيضانات، ولم يعد البناء في المناطق المجاورة مباشرة للأنهار بهذه السهولة، كما تم تعزيز السدود. ولكن مع الفيضان الحالي، فاضت الأنهار الصغيرة على ضفافها وتحولت إلى أنهار عملاقة جارفة. إضافة إلى ذلك، من الصعب هدم المباني القريبة من الأنهار في العديد من المدن الصغيرة. ويمنع صب الأراضي بالإسمنت والخرسانة بشكل متزايد الجريان الطبيعي للمياه. في عام 2017 قررت الحكومة الحالية خفض مقدار الاستغلال اليومي للأراضي في ألمانيا ليصبح بمقدار 30 هكتاراً بحلول عام 2030.
في الوقت الحالي فإن هذا الاستغلال لا يزال عند 52 هكتاراً وهو ما يعادل مساحة حوالي 72 ملعباً لكرة القدم. تعبيد الطرق وبناء المنازل كل يوم هو المسؤول الرئيسي عن ذلك. كما أن تغيراً لهذا النمط لا يلوح في الأفق. عندما يتعلق الأمر بالحماية من الفيضانات، يتعين على جميع الأحزاب مراجعة نفسها وإعادة التفكير في سياساتها وقراراتها وخططها.
ينس توماس ثوراو/ إ.م