كيف يمكن لأفريقيا أن تؤمن غذاءها بنفسها؟
١٧ يونيو ٢٠٢٢
تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا لم تتوقف عند حدود أوروبا، بل وطالت أفريقيا أيضا، التي تأثرت بإمدادات الحبوب والمحاصيل الزراعية الأخرى التي كانت تأتيها من روسيا وأوكرانيا، وقد أظهر ذلك بشكل جلي إلى أي مدى لا تزال القارة السمراء تعتمد على الاستيراد لتأمين غذائها.
في هذا الصدد تقول ساره مغابو-بونو، الخبيرة الاقتصادية لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة (IFAD) إن "نزاع أوكرانيا، لكن جائحة كورونا أيضا، أظهرت أن أنظمتنا الغذائية لا تعمل من أجل الناس الأكثر فقرا".
وقد ازدادت الأعباء المالية للأسر بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، تقول الخبيرة الاقتصادية مغابو-بونو لـ DW. إذ أن 60 – 70 بالمائة من دخل هذه الأسر ينفق على الغذاء، والنتيجة: "الأسرة المكونة من 5 أو 6 أفراد يتعين عليها أن توازن ما تستطيع أن تؤمنه، وربما تلجأ إلى مواد أقل تغذية وأرخص".
"سلة غذاء" أفريقيا!
العديد من الدول الأفريقية لديها الإمكانية لتصبح بلدانا مصدرة للمواد الغذائية، تقول مغابو-بونو. وتعد زامبيا وملاوي وجمهورية كونغو الديمقراطية من تلك البلدان. وهذا يعني أنه فقط توفر الأراضي والمساحات الصالحة للزراعة، يكفي لزيادة إنتاجها، لأكثر مما تحتاجه سوقها المحلية. لكن مع ذلك فإن صورة "سلة الغذاء" لا تنطبق عليها تماما، إذ أن الظروف في أفريقيا غير مثالية لإنتاج القمح والحبوب الأخرى لإنتاج الخبز.
لكن هنا أنواع من الحبوب مثل الدخن والذرة البيضاء والعديد من أنواع الفاكهة والخضار، تتم زراعتها بكثرة، وفي مناطق أخرى توفر تربية الماشية الفرصة لإنتاج اللحوم ومشتقات الحليب بكميات كبيرة.
لكن قبل ذلك يجب تجاوز عقبات عديدة، ومنها أن بعض أساليب الزراعة المتبعة مثل القطع والحرق، قد أنهكت التربة. بالإضافة إلى الدمار المتزايد، حيث أن خزانات المياه وخاصة في جنوب القارة الأفريقية يجب حمايتها لتصبح الزراعة ممكنة من جديد، توضح الخبيرة الاقتصادية مغابو-بونو. بالإضافة إلى ذلك يجب استغلال الفرص لتحسين المحصول وزيادته، والإمكانيات متوفرة ومتعددة من أجل ذلك. وفي هذا السياق يقول الخبراء، إن هناك حاجة للاستثمارات المحلية ونقل المعرفة، بدءا من الري بالتنقيط واستخدام الأسمدة.
تحديات التصدير للأسواق الإقليمية!
عندما يحين موعد الحصاد، تأتي التحديات التالية: يجب توفر الأيدي العاملة، وهذا ليس بالأمر السهل دائما. حيث أنه وخاصة الشباب يهاجرون من القرى إلى المدن وإلى الخارج بحثا عن فرصة عمل. والتحدي الثاني، هو الوصول إلى الزبائن. كاماسا فليكس ماولي، مدير شركة زراعية غانية زبائنها في أوروبا، أما منتجاتها فهي متنوعة بدء من الدرنيات المحبوبة في المنطقة مثل البطاطا الحلوة واليام والمنيهوت إلى الطماطم والفليفلة حتى الأعشاب مثل الريحان والنعناع.
لكن طرق النقل في أفريقيا سيئة، ويوضح ذلك كاماسا قائلا "حين أسافر من غانا إلى السودان أحتاج 13 – 14 ساعة" ويضيف لـ DW "لكن عندما أريد السفر إلى أوروبا أحتاج لست ساعات". إنه يريد أن يزود المنطقة بمنتجاته، لكن "ربما يكون مفاجئا أن التصدير إلى الدول المجاورة قد يكون أكثر تكلفة من التصدير إلى أوروبا!".
كما أن التجار مثل كاماسا قاموا بحملات قبل بضع سنوات للتوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة في أفريقيا، ولكن حتى الآن كان تأثيرها ضئيلا. وليس المشكلة في التعريفات الجمركية فقط، وإنما الحاجة إلى توسيع البنية التحتية بشكل كبير جدا، لكي لا تفسد المنتجات في طريقها إلى الأسواق الإقليمية. وهنا يأمل كاماسا في تدفق الاستثمارات ومزيد من الدعم من الاتحاد الأفريقي والدول الأعضاء فيه.
الوصول إلى التجار والابتكارات النقنية
هناك الحاجة لعمل الكثير، حتى تصبح منتجات أفريقيا الزراعية قادرة على المنافسة، يقول خبير الغذاء العالمي لدى منظمة مكافحة الجوع الألمانية، فرانسيسكو ماري. إذ يجب تعزيز صمود المزارعين الصغار أولا، فعوامل كثيرة مثل التقلبات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة، تجعل التعويل على الزراعة على نطاق واسع، أمرا محفوفا بالمخاطر. وأمر آخر يقلق ماري ويعبر عن ذلك لـ DW بقوله "سنكون سعداء، إذا سمح العالم لأفريقيا بأن تؤمن غذاءها بنفسها، إذ يمكن الاستفادة من التنوع الكبير للمنتجات الزراعية ويمكن أن يلبي المنتجون الأفارقة حاجة الأسواق المحلية".
لكن بدل ذلك، فإن المنافسة قوية من قبل المنتجات الزراعية الأوروبية، المدعومة غالبا، والتي دفعت السوق الأفريقية للتبعية لعقود طويلة. على سبيل المثال التركيز على القمح المستورد بدل الحبوب المزروعة محليا.
ومن المهم حسب خبير الغذاء العالمي، فرانسيسكو ماري، توفير إمدادات أفضل للطاقة والوصول إلى الابتكارات التقنية التي يمكن للمزارعين الأفارقة من خلالها الوصول إلى التجار ومزادات المواد الغذائية.
وحيثما تتدخل الحكومات، يكون النجاح ظاهرا، كما في كينيا، حيث الرسوم الجمركية العالية على الحليب المجفف المستورد، جعلت الحليب المنتج ملحيا قادرا على المنافسة، تقول الخبيرة الاقتصادية الدولية، مغابو-بونو
فيليب سناندر/ عارف جابو