رشا حلوة: لماذا يُرفض حق المساواة في الميراث؟
١٤ مارس ٢٠١٨من القضايا التي طُرحت بقوة مؤخرًا، ومع حلول يوم المرأة العالميّ، هو حقّ المساواة في الميراث بين الرّجل والمرأة، فكانت قد بدأت الحملة من تونس، وامتدت إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ، حيث اعتمدت منظمة العفو الدوليّة على خلق إطار لصّورة البروفايل الفرديّة يضمّ جملة "المساواة في الميراث، حق وليس مزيّة"، وكلمة "مزيّة" تعني "ميزة" في الدّارجة التونسيّة. هذا بالإضافة إلى تدوينات نُشرت عبر فيسبوك وتويتر حول هذه القضية، أضيف إليها هاشتاغ (وسم) #المساواة_في_الميراث، وكانت قد امتدت الحملة إلى مصر أيضًا.
طرح قضيّة المساواة في الميراث في تونس ليس جديدًا، كما في بعض الدّول، كالمغرب على سبيل المثال، وبنفس الوقت، لم تقتصر الحملة في تونس على الإنترنت فقط، فبدعوة من منظمات نسويّة، خرجت النساء يوم السبت، العاشر من آذار/ مارس إلى مظاهرة أمام البرلمان للمطالبة بالمساواة في الميراث، وتأتي هذه المطالبة كجزء من قضايا عديدة ناضلت وما زالت تناضل من أجلها النساء في تونس والبلاد العربيّة، المتعلّقة بحقوقهن والعدالة الاجتماعيّة.
يبدأ الجدل إزاء الميراث في حال عدم وجود وصيّة تفيد بتوزيع ميراث الشخص المتوفي، وبالتالي، تنصّ القوانين على أن للرجل الحصّة الأكبر، حيث تعتمد هذه القوانين على الشريعة الإسلاميّة، ومنها يمتد الادعاء المطروح من قبل المناهضين لحق المساواة في الميراث.
وضمن ردود عديدة على ذلك، خاصّة في تونس حيث الجدل الحاضر اليوم، كتب الناشط السياسيّ والحقوقيّ التونسيّ سامي بن غازي عبر صفحته: "القرآن كنصّ دينيّ يجب أن يُقرأ في إطار صيرورته التاريخيّة لا من خارجها، وبالتالي فإنّ ثبوت القرآن وصلوحيتَه الأبديّة راجعة إلى المقاصد التي يحملها لا للأحكام النصّيّة الواردة فيه"، ويختتم تدوينته قائلًا: "إنّ الاحتكام للرأي الغالب والسّائد حول هذه المسائل واعتماده كحجة لعدم تغيير النظام القانونيّ المُعتَمد هو من قبيل الشعبويّة السياسيّة والفقهيّة، فالمجتمعات عامّة والمشرقيّة خاصّة هي مجتمعات محافظة، بمعنى أنّها تخاف التغيير وتخشاه، وهنا يبرز الدّور الطلائعيّ للمثقّف وللسياسي وللمُشرّع، فجلُّ النصوص القانونيّة التي نَتَباهى بها اليوم والتي كنّا سبّاقين فيها لاقت معارضة شعبيّة كبيرة عند إقرارها، كقانون منع الرقّ أو قانون منع تعدد الزوجات"، بالطبع، في حديث سامي عن قانون منع تعدد الزّوجات، فهو يقصد تونس.
بالضرورة، وكرفض لتحقيق المساواة بين الرّجل والمرأة في قضايا عديدة؛ فرديّة واجتماعيّة، تقع مناهضة المساواة في الميراث ضمن نفس الأسباب التي تعتمدها المنظومات المجتمعيّة الأبويّة، وهي الرغبة في الحفاظ على السلطة والسيطرة، فتأتي مسألة المساواة في الميراث ببُعدٍ إضافيّ، إلّا وهو الاقتصاديّ، حيث أن الثّروة المتبقيّة بعد وفاة شخص ما، لا تقتصر على الأموال، إذ تضمّ أيضًا أملاك وأراضي وعقارات، وحصول النساء على نسب متساوٍ منها، من خلال التوريث، يهدد المبنى الأبويّ للمجتمعات، مما تساهم المساواة في الميراث إلى استقلاليّة اقتصاديّة للنساء، تؤثر على مجرى حياتهن الفرديّة والعلاقات الأسريّة وقراراتها وما إلى ذلك.
حول تأثير المساواة في الميراث بين الرّجل والمرأة على مكانة المرأة الفرديّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، تقول الناشطة والصّحافيّة التونسيّة، هندة الشّناوي: "نسبة الفقر الموجودة في تونس هي بأغلبيتها من النساء، وأغلبية الثروات في البلاد ملكًا للرجال، لو تحققت المساواة في الميراث، سوف تنقلب كل موازين القوى في تونس، والعلاقات داخل الأسرة ومكانة المرأة والعدالة الاجتماعيّة، ومن منظور نسويّ، هذه قضيّة مهمّة جدًا لكل الطبقات الاجتماعيّة، ولوّ طُبق القانون، سوف نعيش في تونس بديلة خلال السنوات القادمة".
ما زال قمع المرأة يأخذ تفسيرات وحجج عديدة لتطبيقه، قمعها الذي يبدأ من منعها عن ممارسة تفاصيل حياتيّة والقرار بشأنها، صغيرة كانت أو كبيرة، مثل الحرية في اختيار شريك الحياة، إلى حرياتها الفرديّة للتعبير عن النفس ويواصل إلى تشريعات قانونيّة، وفي غالبيتها تكون الحجج المرفقة "غير قابلة للنقاش"، وفقًا للسلطة الذكوريّة للمجتمعات، بذريعة العادات والتقاليد وما إلى ذلك، وفيما يتعلّق بحق المساواة في الميراث، تقول فداء همامي من تونس: "يأتي رفض قانون المساواة من الأبويّة التي تحمي امتيازاتها باستخدام الدين كذريعة من المفترض بأنها غير قابلة للنقاش. إنّ نسبة النساء المالكات للعقارات في تونس هي 12%، وفقط 14% يملكن الأراضي، عدم المساواة في الميراث بين النساء والرجال يقلل من شأن وصولهن إلى الملكيّة، مما يؤثر على استقلاليتهن ويزيد من ضعفهن ويجعلهن أكثر عرضة للاعتماد ماليًا على رجال الأسرة".
امتدت الحملة حول الحق بالمساواة بين الميراث، على الأقل على مستوى النقاش وعبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، إلى بلاد عربيّة عديدة، فالناشطة السودانيّة ولاء صلاح قد انضمت إلى الحملة، وفي حديث معها عن واقع السّودان إزاء هذه القضيّة، قالت: "هنالك حراك نسويّ عامّ مناهض لقوانين الشّريعة في السّودان وتفسيرات القانون السّوداني الضيّقة لما يمكن أن تتسع له الشّريعة حتّى، من ضمن هذه القوانين هو قانون الأحوال الشخصيّة للمسلمين والذي يميّز ضد النساء في قضايا الولاية والطلّاق وغيرها".
تناضل النساء عند جبهات عديدة، ويناضل النسويّون والنسويّات من أجل قضايا متنوعة المتعلّقة بالمساواة والعدالة الاجتماعيّة، على مستويات مختلفة، منها المجتمعيّ والقانونيّ، هذا كلّه بالإضافة إلى قضايا سياسيّة، اجتماعيّة وثقافيّة عديدة تشغلهن يوميًا وتؤثر على حياتهن، بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن الأهم، وما تقوله النساء ويتجسّد ذلك بأساليب متنوعة، منها المظاهرات كمسيرة بيروت مؤخرًا، هي أنّ لا من أولويّات وتوقيت للنضال، لأن من يشير إلى مسألة التوقيت، خاصّة في قضايا حقوق النساء، رافع شعار: "هذا مش وقته!"، هو صاحب توقيت ذكوريّ، والمساواة بين الجنسيْن، لا تلائم مصالحه.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.