رحلة لاجئين في قطار من بودابست إلى ميونيخ
٩ سبتمبر ٢٠١٥"سبق وأن ذكرت في الاسبوع الماضي أنه يسرني أن تصبح ألمانيا بلدا، يربطه العديد من الناس خارج ألمانيا بآمال جديدة. وهذا الأمر له قيمة كبيرة جدا بالنظر إلى تاريخنا". هذا ما قالته المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل خلال ندوة صحفية مطلع هذا الأسبوع، عبرت فيها بكلمات مؤثرة عن موقفها بشأن تدفق اللاجئين على ألمانيا.
في نفس اليوم الذي توجهت فيه المستشارة بهذه الكلمات للصحافة المحلية والدولية في برلين، كان اللاجئ السوري مصطفى يقف في مطعم القطار القادم من بودابست إلى ميونيخ. وبعد نظرة سريعة على قائمة الطعام، ظهرت على مصطفى علامات الدهشة والتعجب بشكل أكبر من شعور الأمل الذي يتطلع إليه في ألمانيا. فقد بدء يعدد بأصابعه "واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية ... تسعة!". مصطفى الذي كان يعمل في السابق كشرطي في العاصمة السورية دمشق لا يصدق أن عليه دفع 9 يورو مقابل أربعة شرائح دجاج والقليل من الخس. علاوة على ذلك، كان من الصعب عليه استيعاب ذلك من خلال التفاهم بلغة الإشارة. فهو لا يعلم أن تلك الأسعار المرتفعة عادية في قطارات المسافات الطويلة. مرحبا بك في أوروبا إذن!
بسبب الأسعار الغالية للوجبات اضطر مصطفى وصديقه أحمد - طالب من مدينة دير الزور في شرق سوريا – لطلب وجبة صغيرة خاصة بالأطفال، إضافة إلى كيس صغير من الحلوى وقارورة بيرة، تقاسمها الإثنين. إعجاب مصطفى بالحلوى الألمانية جعله يدعو بعض ركاب القطار لتذوقها أيضا.
فصل اللاجئين عن ركاب آخرين في القطار
في الوقت الذي تستمر فيه رحلة القطار التي تستغرق نحو سبع ساعات ونصف عبر التلال الخضراء جبال الألب، يحاول العديد من السوريين والأفغان والعراقيين جمع بعض المال لشراء الوجبات والمشروبات الغالية الثمن. هذا في حين يحاول بعض الموظفين في القطار والركاب الآخرين مساعدتهم في فهم ما تتضمنه القوائم والعروض الخاصة بالطعام.
قبل ذلك، في محطة بودابست كيليتي، كانت الشرطة الهنغارية قد فصلت اللاجئين عن غيرهم من المسافرين وقدمت لهم أماكن إخرى في القطار. كان عدد اللاجئين حوالي 200 لاجئ، وتم تخصيص العربات الثلاث الأخيرة لهم. هناك كان يصيح أحد الحراس "لا تذهبوا هناك، فتك العربات تعج بالمهاجرين". وأما المسافرون الذين حجزوا مقاعد في العربات الخاصة باللاجئين فقد تم نقلهم إلى عربات الدرجة الأولى.
قبل بداية الرحلة تستمر أيضا الإجراءات الأمنية داخل القطار أيضا، حيث يقوم رجل شرطة هنغاري ونمساوي وآخر ألماني بمراقبة الوثائق الشخصية المكتوبة جزئيا باللغة العربية، مطوية وممزقة في بعض الأحيان. ولكن يبدو أن عددا قليلا فقط من اللاجئين يحمل معه وثائق إثبات الهوية، بما في ذلك أغلبية الأطفال على متن القطار. هل يجب إنزالهم من القطار الآن؟ يصيح أحد الموظفين. في حين يرد عليه رجل الشرطة النمساوي أن "القواعد المعروفة تم تجاوزها إلى حد ما". بعدها يبدء رجال الأمن في الضحك عند مراقبة جواز سفر امرأة، يبدو أنه مزور بشكل سيء جدا. وبصوت عال يصرخ الشرطي الهنغاري في وجه اللاجئة: "كم دفعت مقابل ذلك؟". ولكنها لم تفهم السؤال.
رحلة اللاجئين لم تنته في ميونيخ
أغلبية اللاجئين على متن القطار لا يتكلمون الألمانية أو الإنجليزية. الشاب العراقي علي يعيش في فيينا وجاء إلى بودابست لمساعدة ابن عمه، وفيقول بالانجليزية:" لقد اتصل بي ابن عمي هاتفيا وقال لي إنه منذ تسعة أيام في بودابست ولم يتبقى لديه مال ولم يذق الطعام منذ يومين، وهو مادفعني للسفر في اليوم التالي إلى بودابست." ويضيف علي:" كان ابن عمي مع ثلاثة أو أربعة أصدقاء. اشتريت الطعام لهم جميعا، ولكني لم أستطع تقديم الكثير لهم، فأنا عاطل عن العمل في الوقت الحالي."
أم علي وإخوته يعيشون في فيينا. وعن سبب هجرته يقول علي:" فقدت والدي وأخي في الحرب عام 2007. ولهذا السبب جئت إلى أوروبا". ويضيف أن لم شمل الأسرة استغرق وقتا طويلا. وأما ابن عمه فلم يستطع ركوب هذا القطار. ويأمل علي في أن يتمكن من ركوب القطار الموالي. ويعبر علي عن امتنانه للتبرعات التي قدمها الناس في فيينا للاجئين في الأيام الأخيرة ويقول:"هذا شيء عظيم، ويساعد كثيرا. شكرا جزيلا"
بعد رحلة طويلة عبر جبال الألب والتوقف في فيينا ولينز وسالزبورغ يدخل القطار ليلا إلى محطة ميونيخ المركزية. وغادر المواطنون الذين صفقوا ووزعوا هدايا على الوافدين الجدد، محطة القطار. وبدل أجواء الترحيب وقف رجال الشرطة في زيهم الأزرق القاتم بانتظار فتح أبواب العربات الثلاث وسط إجراءات أمنية صارمة، حيث تم قطع العبور إلى وسط المدينة. إضافة إلى ذلك فصلت الشرطة الاجئين عن المسافرين الآخرين وصاحبتهم إلى قطار آخر. فبمقتضى التعليمات لا يسمح لهم بالبقاء في العاصمة البافارية، حسب أحد المسؤولين الذي أوضح أن"ميونيخ قد امتلأت"، وبذلك تستمر رحلة اللاجئين باتجاه مدن وولايات ألمانية أخرى.