"دقيق لا يصلح حتى للعلف".. ما حقيقة مكوّنات الخبز في المغرب؟
١ أبريل ٢٠٢١جدل بين الأوساط المهنية العاملة في مجال المخابز والمطاحن في المغرب، بعد تصريحات مسؤول قال فيها إن الدقيق المستخدم في البلد "لا يصلح حتى لعلف البهائم". القضية تعود لما صرح به الكاتب العام للفيدرالية المغربية لأرباب المخابز والحلويات، محمد القيري، لموقع هسبريس المحلي، بأن منتج المطاحن المغربية سيئ، وأنه يستخدم في بلدان أخرى في تغذية الدجاج والمواشي.
القيري ذهب أبعد من ذلك وتحدث عن "جريمة مكتملة بسبب مكونات الخبز المغربي" و"تهديد كبير لصحة الحوامل"، مرجعا وفيات الأطفال والأجنة إلى "نقص الحديد والفيتامين A وبعض المكملات الغذائية والأملاح المعدنية في الخبز".
ردود الفعل جاءت أولا من هيئة مشابهة، هي الجامعة الوطنية للمخابز والحلويات، التي صرّح رئيسها حسين عزاز لموقع القناة الثانية المغربية أن إنتاج الدقيق يمر في ظروف جد جيدة، وأن من خرج بالتصريح "يريد التشويش على المشتغلين بالقطاع"، متحدثا عن أن هناك "مواكبة صارمة من الدولة في هذا الصدد"، وأن تصريح القيري "خطير وغير مسؤول وجاء في ظروف غير بريئة".
وزيران سابقان يدعمان كلام القيري
غير أن محمد القيري كان قد استشهد بمرجعين في كلامه، الأول تصريح لوزير سابق، هو الراحل محمد الوفا، الذي كان يشغل منصب الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، بكون المطاحن تروج دقيقا "فاسدا ورديئاً". وبالعودة إلى أرشيف هذه الوزارة، يتبين أن الأمر يتعلّق ببلاغ صدر عام 2015 يخصّ ضبط دقيق تدعمه الدولة ماديا، لا يتوفر على معايير الجودة لدى سبعة مطاحن كبرى عبر جهات متعددة في المغرب.
وليس محمد الوفا لوحده، فلحسن الداودي، خلفه في المنصب، صرح بدوره في البرلمان أن بعض المطاحن تقدم دقيقا فاسدا للمغاربة، وأن القطاع يعرف "الغش" ، خصوصا أنه يتوصل بمبالغ مالية كبيرة من دعم الدولة.
وتدعم الدولة المغربية أسعار الدقيق للمستهلكين بما وصل عام 2019 إلى 1350 مليون درهم ( ما يعادل أكثر من 135 مليون يورو). وتعتبر هذه المبالغ التي تدخل في ما يعرف بـ"صندوق المقاصة" من التكاليف التي تثقل مالية البلد وهددت في وقت سابق بإفلاس هذا الصندوق، ما جعل الحكومة المغربية تفكر في إلغاء الدعم الموجه للغذاء وتغيره بدعم مباشر للفقراء.
تقارير المجلس الأعلى للحسابات
والمرجع الثاني الذي استشهد به القيري هو تقرير المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة عمومية خاصة بالافتحاص)، الذي أشار إلى "مخالفات متكررة تخص احترام معايير تقوية الأغذية عالية الاستهلاك".
وعودة إلى تقارير هذه المؤسسة، فقد أصدرت فعلا عام 2018 تقريرا حول المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وهو مكتب يُعنى بالمراقبة الصحية والإرشادات العامة في الاستهلاك. وجاء في التقرير أن هذا المكتب رصد كيف أن مواصفات منتجات القمح الطري والقمح الصلب اللذان تتم تقويتهما بالحديد لا تتطابق وبنسب عالية مع الخصائص المنصوص عليها قانونيا.
اقرأ كذلك: السكر والخبز الأبيض وراء إصابة النساء بالأرق
وأشار التقرير إلى أن "المطاحن الصناعية غير قادرة على ضبط هذه العملية، وأن المكتب رصد عدم احترام النسب الدنيا من الحديد". وأكد التقرير أن "نقص الحديد وفيتامين A ومادة اليود في الملح من الأسباب غير المباشرة لوفيات الرضع"، كما "يعتبر نقص الحديد بالنسبة للبالغين السبب الرئيسي لفقر الدم، كما يمكن لهذا النقص أن يؤدي إلى مضاعفات أثناء الحمل وإلى وفيات عند الحوامل".
المنتج الأصلي بدوره في دائرة الشك
وسبق للجامعة المغربية لحقوق المستهلك، وهي جمعية تنشط بقوة في هذا المجال، أن ذكرت بداية هذا العام في بلاغ صحفي أن إنتاج مادة الخبز "لا يخضع لمراقبة صارمة من طرف السلطات للوقوف على مدى احترام الجودة والسلامة"، وأشارت إلى " زيادة الخميرة الكيميائية، والماء المشبع بالكلور، وإزالة الألياف الغذائية، فضلا عن مضاعفة القدر المفروض في مادة الملح، وإضافة السكر، تكون سبباً مباشراً وغير مباشر لإصابة المستهلكين بعدة أمراض كسرطان القولون وزيادة الوزن".
ولا يتعلق الأمر فقط بالمنتج النهائي، بل حتى بنوعية القمح المستخدم، إذ تقول الجمعية إن المنتج "مغير جينيا مقارنة مع القمح العادي الأصيل، بسبب المردودية الهائلة التي يمنحها للفاعلين الاقتصاديين"، كما أن هذا القمح "يخضع في جميع مراحله الإنتاجية والتصنيعية إلى عدد كبير ومختلف من المبيدات، وبالتالي يكون مشبعا بهذه المواد المسرطنة، إذا لم يخضع لمراقبة صارمة، وهي المراقبة المنعدمة تقريبا، خاصة على مستوى المطاحن، ونقط بيع القمح والدقيق والمخابز".
ولم تشهد أسعار الخبز بشكل عام ارتفاعا في المغرب منذ سنوات طويلة، ويبقى ثمن الرغيف العادي (1.2 درهم) رخيصا مقارنة مع دول عديدة لها نفس الدخل، وهو ما يرفضه مهنيو القطاع الذين طالبوا أكثر من مرة بضرورة رفع تدريجي لثمن هذا المنتج. غير أن السلطات تتردد كثيرا نظرا لكون الخبز أكثر المواد الاستهلاكية حضورا في الأكل اليومي للمغاربة ونظرا لأن الأمر قد تنتج عنه توترات اجتماعية خصوصا في ظرفية حساسة كما يحدث حاليا مع جائحة كورونا.
إسماعيل عزام