اتساع نطاق ظاهرة اليميني المتطرف
١٠ نوفمبر ٢٠٠٦
لا يختلف اثنان على أن ظاهرة التطرف اليميني والعداء للأجانب في ألمانيا تتصدر أولويات اهتمامات الخبراء والباحثين في العلوم الاجتماعية. وفي حين يراقب المختصون بقلق شديد تنامي هذه الظاهرة في المجتمع الألماني ووصول أحد أعند الأحزاب اليمينية المتطرفة وهو الحزب القومي الألماني "NPD" إلى برلمانات بعض الولايات الألمانية الشرقية، تمطرنا وسائل الإعلام والمؤسسات المختصة بتقارير ودراسات عن خطورة هذه الظاهرة وضرورة محاربتها. والآن، أصدرت مؤسسة "فريدريش إيبرت" القريبة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي دراسة كشفت من خلالها عن حقائق جديدة تدعو إلى التفكير الجاد في ظاهرة يجب على المسؤولين في ألمانيا التصدي لها ومحاربتها بكافة السبل المتوفرة. ووصل المشرفون على الدراسة التي حصل موقعنا على نسخة منها إلى نتيجة مقلقة وهي أن ظاهرة العداء للأجانب وللسامية وكذلك العداء للديمقراطية "موجودة في جميع شرائح المجتمع الألماني." وقال الخبيران المشرفان على الدراسة وهما إلمر بريلر وأوليفر ديكر من جامعة لايبزيغ، قالا في مؤتمر صحفي عقد في العاصمة الألمانية وقدما فيه نتائج الدارسة إن الفكر اليميني المتطرف "موجود في جميع الشرائح الاجتماعية وفي جميع الولايات الألمانية، سواء الشرقية منها أو الغربية."
التطرف اليميني ليس خصوصية شرقية
عندما يدور الحديث عن ظاهرة التطرف اليميني في ألمانيا، فإن المراقب يتولد لديه انطباع بأن العداء للأجانب له خصوصية شرقية بحته، فالنقاش المتعلق بظاهرة العنصرية في الدوري الألماني "بونديسليغا" والذي ما زال حاضرا منذ عدة أسابيع في وسائل الإعلام الألمانية، يركز على مباريات بين فرق شرقية من الدرجة الثانية أو الثالثة، كما أن الجنوح للتطرف غالبا ما يسجل في ولايات ألمانية شرقية. ولكن الدراسة المذكورة تقلب الأمور رأسا على عقب وتؤكد أن هذه الظاهرة منتشرة في الولايات الألمانية الغربية أكثر من انتشارها في الولايات الشرقية. وفي هذا الخصوص، قال إلمر بريهر، أحد المشرفيْن على الدراسة في المؤتمر الصحفي، إنه يجب على المهتمين "نسيان التصور السائد والقائم على أن التطرف اليميني هو ظاهرة ألمانية شرقية." ففي أحد أجزاء الدراسة، يقول الباحثان إن انتشار الفكر اليميني المتطرف في ولاية بافاريا الغربية "لا يقل شأنا عن انتشاره في أقاليم ألمانية شرقية نائية." وفي لغة الأرقام، تقول الدراسة إن الفكر اليميني المتطرف متأصل بنسبة 9،1 بالمئة بين سكان الولايات الألمانية الغربية، فيما لا تتعدى هذه النسبة 6،6 بالمئة في الولايات الألمانية الشرقية.
وينتشر في وسط المجتمع
ولا تكتفي الدراسة بتقديم حقائق جديدة عن الامتداد الجغرافي لهذه الظاهرة، بل أنها تقول أيضا إن الفكر اليميني المتطرف منتشر، ليس كما اعتقدنا سابقا على هامش المجتمع، بل في وسطه. وفي هذا الشأن، قال أوليفر ديكر إن الناس "اعتقدوا سابقا أن التطرف اليميني هو ظاهرة تنتشر بين شرائح اجتماعية هامشية، ولكن الدراسة تثبت العكس وتؤكد أنها موجودة في جميع شرائح المجتمع." ومن بين الأسئلة التي وجهتها الدراسة إلى الأشخاص الذين شملهم البحث هو: هل تتمنى قائدا يحكم ألمانيا بقبضة حديدية؟ وعلى هذا السؤال أعطى 15 بالمئة من الألمان إجابة إيجابية. كما أجاب 26 بالمئة منهم بنعم على السؤال التالي: هل تؤيد أن يحكم ألمانيا حزب واحد؟ وعلى سؤال يتعلق بتفوق الألمان على الشعوب الأخرى، أجاب 7 بالمئة من الأشخاص الذين شملهم البحث بنعم. وعن ظاهرة العداء للسامية، يقول 16 بالمئة من سكان الولايات الألمانية الغربية إن اليهود يلجأون إلى "حيل خبيثة" من أجل الوصول إلى أهدافهم. وفي الولايات الألمانية الشرقية، لا تتجاوز هذه النسبة 6 بالمئة. أما السؤال الثاني في هذا الخصوص، فهو: هل تعتقد أن اليهود غرباء ولا مكان لهم في المجتمع الألماني؟ وعلى هذا السؤال، يجيب 16 بالمئة من سكان الولايات الألمانية الغربية بنعم، فيما تبلغ هذه النسبة 9 بالمئة في الولايات الشرقية.
لكل ظاهرة أسبابها
يلاحظ القائمون على الدراسة أن الفرق بين الولايات الشرقية من جهة والغربية من جهة أخرى يتجلى عندما يدور الحديث عن أسباب قدوم الأجانب إلى ألمانيا. وفي هذا الخصوص، يقول 44 بالمئة من الألمان الشرقيين إن الأجانب يأتون إلى ألمانيا من أجل استغلال الخدمات التي تقدمها الحكومة الألمانية، فيما يشاطرهم هذا الرأي 35 بالمئة من سكان الولايات الألمانية الغربية. وعن الأسباب التي تؤدي إلى تأصل الفكر اليميني المتطرف، تبيّن الدراسة أن البطالة عن العمل ليست السبب الوحيد في انتشار هذه الظاهرة. وقال المشرفان عليها إن التربية في بيت الوالدين ومحطات تطور كل شخصية على حدة تشكل أيضا أسبابا مقنعة في انتشار الفكر اليميني المتطرف.