خبير ألماني لـDW: النزاع في شرق المتوسط أكبر من موارد الغاز
١١ أغسطس ٢٠٢٠منذ أسابيع والوضع يزداد تأزما وخطورة في بحر إيجه، حتى أن مصادر متطابقة تحدثت عن تدخل للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حال دون حصول نزاع مسلح بين اليونان وتركيا. والسبب هو عزم أنقرة القيام بأعمال التنقيب عن الغاز في منطقة بحرية تعلن اليونان سيطرتها عليها. وكتعليل للتحرك التركي أعلنت أنقرة أن هذه المنطقة، وحسب اتفاقية مبرمة مع حكومة الوفاق الليبية في طرابلس، باتت منطقة نفوذ تركية. وأرسلت اليونان مثل تركيا سفنا حربية إلى المنطقة. ويبدو أن الانفراج الذي حصل بفضل تدخل المستشارة ميركل كان لوقت وجيز فقط. ففي الأسبوع الماضي وقعت اليونان ومصر على اتفاقية تحددان بموجبها مناطقهما الاقتصادية في شرق البحر المتوسط حيث تعلن تركيا أن مياهها الإقليمية تمتد إلى هناك وتهدد أنقرة باستخدام الوسائل العسكرية.
وحول الوضع في شرق البحر المتوسط وأبعاد وتداعيات النزاع التركي اليوناني ودخول مصر طرفا فيه أجرت دويتشه فيله (DW) مقابلة مع خبير الشرق الأوسط، شتيفان رول، من العهد الألماني للسياسة الدولية والأمن (SWP) في برلين.
DW: استمرت المفاوضات بين اليونان ومصر حول تقسيم المناطق الاقتصادية في البحر المتوسط حوالي 15 عاما، والآن سارت الأمور بسرعة، إذ قام وزيرا الخارجية في الدولتين بتوقيع اتفاقية بينهما في القاهرة في الأسبوع الماضي. فلماذا هذا الاستعجال؟
شتيفان رول: الاتفاقية المبرمة الآن لها علاقة مباشرة مع اتفاقية المناطق الاقتصادية التي وقعتها تركيا وحكومة الوفاق الليبية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. فاليونان ومصر رأتا في تلك الاتفاقية تهديدا واضحا لمصالحهما. لا أعرف إلى أي مدى تم التفاوض بين أثينا والقاهرة حول الاتفاقية الجديدة، لكن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بسد الأبواب أمام تركيا.
بالفعل الاتفاقية اليونانية المصرية ليست إلا اتفاقية مؤقتة. فالتوزيع الحالي للمناطق الاقتصادية لا يولي الاعتبار للمناطق البحرية شرقي الجزر اليونانية رودوس إلى جزيرة كاسالوريزو. وهذه المفاوضات ماتزال مستمرة. ما هو السبب في ذلك؟
الأمر يتعلق بالأساس بإرسال إشارة سريعة جدا في اتجاه أنقرة بأنه لا يمكن قبول أن ترسم تركيا من جديد الحدود البحرية. وهذا قد يفسر أيضا لماذا تم التوقيع الآن على الاتفاقية وسيستمر التفاوض على التفاصيل.
ليس فقط بين اليونان وتركيا بل أيضا بين مصر وتركيا توجد توترات. فحول ماذا يدور النزاع هل حول موارد الغاز؟
بالطبع يتعلق الأمر أولا بموارد الغاز. بالنسبة إلى مصر يكون من المهم احتواؤها. فاستراتيجية الطاقة المصرية تهدف للقيام بصادرات غاز بحجم كبير. لكن في النهاية النزاع المصري مع تركيا أكبر من ذلك بكثير، إنه يعود إلى الانقلاب العسكري في 2013 في مصر الذي كان موجها ضد حكم الإخوان المسلمين حينها. فالقاهرة تتهم تركيا بدعم الإخوان المسلمين، وهو صحيح إلى حد كبير. فالكثير من كوادر الإخوان المسلمين يعيشون في المنفى في تركيا. والقيادة المصرية تشعر بالتهديد من طرف تركيا وتتهمها بالتخطيط للانقلاب المضاد.
من جهة أخرى أخذ النزاع المصري التركي القائم دينامية جديدة من خلال الاتفاقية التركية الليبية حول المناطق الاقتصادية وكذلك التدخل التركي في ليبيا. وبالنسبة إلى القاهرة خلق هذا الأمر وضعا جديدا وهو أن تكون تركيا نشطة في ليبيا حيث أرسلت مرتزقة يقاتلون إلى جانب حكومة الوفاق في طرابلس ضد الجنرال حفتر الذي تدعمه مصر. فالتدخل التركي في الحديقة الخلفية لمصر، أي ليبيا، يعتبر تهديدا مباشرا في نظر القاهرة.
ما هي المواقف التي تمثلها الدول العربية الأخرى بخصوص توزيع المناطق الاقتصادية في شرق البحر المتوسط؟
مادامت غير متاخمة لها فالأمر سيان بالنسبة إليها، هي تنظر للنزاع من بعده الأشمل. فقطر مثلا تقف بوضوح إلى جانب أنقرة. وتركيا لها وجود عسكري في البلاد كما أن قطر تدعم الإخوان المسلمين. والدول المساندة لمصر، في مقدمتها السعودية ودولة الإمارات، تنظر بتوجس للدور التركي ولها مواقف نقدية واضحة تجاه أنقرة. ودول شمال أفريقيا لها موقف حيادي ولا تتخذ موقفا مباشرا وتحاول في النهاية ربط علاقات جيدة مع كلا الطرفين.
المناطق الاقتصادية التي اتفقت عليها مصر واليونان تتطابق جزئيا مع المناطق الاقتصادية التي تطالب بها تركيا والحكومة الليبية. فهل هذا يؤدي حتما إلى نزاع مسلح؟
لا أتصور أن يقود ذلك إلى نزاع مسلح. لا تركيا ولا اليونان وبالأحرى مصر، كلها ليست مهتمة بمواجهة مباشرة علما أن النتيجة غير معروفة. وحتى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو غير مهتمين البتة بأن تحصل مواجهة بين اليونان وتركيا. لقد حصلت في الماضي لحظات تصعيد تم احتواؤها، وحاليا هي عبارة عن تهديدات. لكن لا نعرف أبدا ماذا يحصل في المنطقة. فقد تصدر طلقات نارية وتتحول هذه الحادثة إلى دينامية خاصة. لكن لا أحد مهتم بجدية بذلك.
كرد فعل على التدخل التركي في ليبيا أعطى البرلمان المصري الضوء الأخضر للرئيس عبد الفتاح السيسي لإرسال قوات مصرية إلى ليبيا. ألا يجب أخذ هذا بجدية؟
بلى، يجب أخذ ذلك بجدية. يمكن لي تصور أن تتدخل مصر في نزاع ليبيا وتنشر وحدات ما وراء الحدود. لكن الأمر سيتعلق بالحفاظ على خطوط جبهات قائمة. فلا يتعلق الأمر باستراتيجية توسعية. ليس هناك نية للتقدم حتى طرابلس والمخاطرة بمواجهة مباشرة مع تركيا. فمصر تعتزم دعم حلفائها وقوات الجنرال حفتر.
من بوسعه التوسط في الخلاف حول حقوق المناطق البحرية؟ الولايات المتحدة الأمريكية مثلا؟
الولايات المتحدة الأمريكية لم تقرر بعد إلى أي جانب ستقف بخصوص النزاعات في شرق البحر المتوسط: في نزاع ليبيا إلى جانب تركيا وضد مصر وروسيا أو العكس؟ علاوة على ذلك هناك تطور جديد. فعلاقة الولايات المتحدة مع مصر لم تعد كما كانت عليه في السابق، إذ حصلت فيه مؤخرا بعض الشروخ. فمصر لها سلوك في الكثير من المستويات يشبه سلوك تركيا. فالقاهرة مثل أنقرة اشترت ضد إرادة الولايات المتحدة أنظمة صواريخ دفاعية روسية. فكل واحد يلعب لعبته ولا يتقيد ببنى التحالف التقليدية.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي غير مؤهل للتوسط بما أنه لا يملك موقفا موحدا تجاه تركيا. ففرنسا مثلا أخذت موقفا واضحا ضد تركيا. فهل بإمكان ألمانيا اتخاذ موقف الوسيط؟ وهل هذا مقبول لجميع الفرقاء؟
مقبول نعم، لأن الألمان ليس لهم مصالح خاصة هناك. السؤال هو هل تملك ألمانيا ما يكفي من النفوذ لتحصيل نتائج في هذه المنطقة؟. هنا لدي شكوك. فلو أخذنا عملية برلين التي أطلقتها ألمانيا لحل النزاع في ليبيا، فماذا حدث في النهاية؟ ما حصل هو أن ألمانيا لم تكن قادرة على التأثير على أطراف النزاع حتى تلتزم بالاتفاقية. ألمانيا ليس لها القوة المطلوبة، وهي قادرة الآن فقط لوقت وجيز على تقديم المساعدة، مثل المكالمة الهاتفية للمستشارة ميركل مع الرئيس التركي أردوغان قبل أسابيع قليلة، تلك المكالمة التي ساهمت في تفادي حصول مواجهة مسلحة بين سفن حربية تركية ويونانية في بحر إيجه.
فيما يخص النزاع حول موارد الغاز في شرق البحر المتوسط تتحلى إسرائيل بشكل مفاجئ بالهدوء. وقد أبرمت اتفاقية مع قبرص ويبدو أن هناك تفاهما مع لبنان ومصر حول ملكية المناطق البحرية. علاوة على ذلك لا تدع أنقرة أي مناسبة لتوجيه سهام النقد لتل أبيب، فلماذا تنأى إسرائيل بنفسها عن الخلاف الحالي؟
إسرائيل تجد نفسها في وضع صعب، فالعلاقة مع مصر تطورت فعلا، لكن على مستوى الحكومة وجهاز الاستخبارات والمؤسسة العسكرية فقط، أما مع السكان فالأمر يختلف. وعلى المدى البعيد ليس من الواضح إلى أين تتجه مصر. وحتى اقتناء القاهرة لمقاتلات روسية قبل أسابيع لا يروق لإسرائيل. الدولة المهمة أكثر بالنسبة لإسرائيل في المنطقة هي تركيا التي لها ما تقدمه اقتصاديا وهي مهمة أكثر بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي. وفي الحقيقة ليس لإسرائيل اهتمام بأن تتدهور العلاقة مع تركيا، وإسرائيل لها حاليا مشاكل سياسية داخلية أكبر تجعل من النزاع المحتدم في شرق البحر المتوسط قضية جانبية.
أجرى المقابلة بناغيوتيس كوبارانيس