خبير ألماني: داعش يريد أن يقود طوفان الإرهاب
٢٠ نوفمبر ٢٠١٥في هذا الحوار يكشف الباحث الألماني كريستوف رويتر عن دلالات الهجمات الإرهابية على باريس في الوقت الراهن، واستراتيجيات تنظيم "الدولة الإسلامية" لزرع الرعب في أوروبا وسوريا والعراق.
قمت بدراسة شاملة حول بنية ما يسمى ب "الدولة إسلامية"، كما ألفت كتابا عن هذه المنظمة الإرهابية. فهل كان علينا توقع حدوث هجمات باريس وأيضا وجود تهديد إرهابي لألمانيا؟
صحيح أننا افترضنا أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لديه القدرة على القيام بتلك الهجمات، كما أن هناك شكوك في وجود خلايا نائمة يمكن أن تنفذ هجمات إرهابية، لكن الهجمات الإرهابية يحيطها دائما الإلتباس، وتأثيرها يكون هائلا حتى ولو تمت بجهد قليل. ولكن هناك أيضا أعمال انتقامية وردود فعل مضادة. لكن التنظيم الإرهابي يمكن أن يرد على ذلك بشكل قوي. فـ"الدولة الإسلامية" أنفقت ولفترة طويلة أموالا كثيرة ولاسيما على المستوى العسكري، حيث هاجم القرى والبلدات في العراق وسوريا واستعمل الغازات السامة. ورغم أن التنظيم لم يقم بضربات مباشرة هنا في أوروبا إلا أنه من الواضح أن الحسابات تغيرت الآن وهو شكَّل مفاجأة. ولا تكمن المفاجأة في كون التنظيم لا يقدر على القيام بهجمات إرهابية، بل في كونه فعل ذلك الآن.
فما هو السبب الذي دفع الآن بتنظيم "الدولة الإسلامية" إلى تنفيذ هجمات في أوروبا تحديدا؟
هناك مؤشر حول الجدوى المفترضة: وجود جواز سفر،واحد فقط، كان يحمله معه أحد الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم، ويتعلق الأمر بجواز سفر سوري مزور يحمل الختم اليوناني من جزيرة ليروس. والهدف من الأمر هو التمويه، وكأنَّ أحد الإرهابيين لاجئا سوريا لإشاعة شبهات عامة ضد اللاجئين السوريين الذين جاؤوا في الأشهر الأخيرة إلى أوروبا. فباقي الانتحاريين الآخرين لا يحملون جوازات سفر خارج أوروبا. وكانوا فرنسيين أو بلجيكيين. أحد الإنتحاريين كان لديه جواز سفر ولم يحترق بعد العملية الانتحارية. وبدا الأمر كأنه رمى بالجواز قبل وقوع الانفجار.
تلك الهجمات هي فرصة لزعزعة الوضع في أوروبا وزيادة حالة الاستياء في صفوف الأوروبيين وجعله أكثر مأساوية بسبب استقبال الألمان لمليون ونصف الميلون لاجئ إلى غاية نهاية هذا العام. والسؤال الرئيسي هنا ما هي الأهداف التي يتوخاها تنظيم "الدولة الإسلامية" وراء تلك الهجمات؟
ما أشرت إليه يخدم التنظيم. والجديد في الأمر وما يمكن أن يكون أكثر أهمية هو أنه إذا ارتكبوا مثل هذا الهجوم، ويتبنونه علنا، وإذا صدق الناس بأنهم يقفون بالفعل وراءه، فإن تنظيم "الدولة الإسلامية" لن يحدث له شيء. فالضربات الجوية ضده متواصلة منذ 15 شهرا وجعلت نشاطه بطيئا لكنها لم تقض عليه. فبدون معركة حقيقية على الأرض، وهو ما يتحتم على السوريين والعراقيين القيام به، فالتنظيم لن يتأثر كثيرا، على الرغم من أن لديه أراض يسيطر عليها ويمكن أن تتعرض للخطر.
هل يعني ذلك أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يريد اثارة الاستياء، ومن خلاله كسب المزيد من القوة؟
بالضبط. فالتنظيم يخطط بدقة كبيرة وعلى نطاق واسع للقيام بعدة خطوات مسبقا. فكلما كانت الحكومات الأوروبية يمينية ومعادية للأجانب كلما وجد أكبر عدد من المسلمين أنفسهم أمام الطريق المسدود. فبدل وجود نسبة ضئيلة فقط تميل إلى التطرف، فالتنظيم يرى أن وجود الآلاف من المسلمين في أوروبا مؤشر جيد ويمكن أن يقوموا بعمليات إرهابية. هذا هو الهدف.
قلت للتو بأنه من الواضح أن تنظيم "الدولة الإسلامية" استراتيجي جدا، ولا يتعلق الأمر دائما عنده بموضوع "الدين"؟
التنظيم يستند فقط إلى خططه الخاصة. ففي عام 2003 لم تتم الإطاحة بصدام حسين فقط، ولكن تم حل أجهزة المخابرات والجيش بشكل كامل، تم إرسال الناس إلى الصحراء وانتهى بهم الأمر جزئيا بين أحضان الجهاديين. الأمر يتعلق بأشخاص كان لديهم عقدان أو ثلاثة عقود من الخبرة في مجال المخابرات. وهم مهندسو القمع والإرهاب وحافظوا على تماسك إمبراطورية صدام حسين. وهذا يعني أنه اذا رفع هؤلاء الناس شعار "نحن سلطة الله في الأرض" فإن ذلك يعطيهم نزعة قتالية كبيرة لتنظيم يعتمد على التخطيط الذكي ويطلق على نفسه "الدولة الإسلامية". فالتنظيم يسيطر على مساحة شاسعة، وهو ما لم ينجح تنظيم القاعدة في تحقيقه حيث اقتصرت سيطرته على نقاط صغيرة، سرعان ما فقد غالبيتها نسبيا.
يريد هذا التنظيم أن يكون دولة. فهل إن عمل الإرهابيين جنبا إلى جنب مع أشخاص كانوا قياديين في نظام صدام حسين الدكتاتوري، يساعدهم على تحقيق ذلك الهدف؟
نعم، يساعدهم ذلك. فظاهريا لديهم واجهة مغلقة بإحكام ومصقولة للغاية يمثلها أبو بكر البغدادي (الخليفة) وما عدا ذلك فجميع البيانات تتضمن اقتباسات من القرآن، ولا يذكرون حقيقة مفادها أن هنالك أشخاص غير مؤمنين أو غير متدينين بدرجة كبيرة ضمن قياداتهم. ولكن هذا هو الفرق بين الواجهة الخارجية للتنظيم وواقعه الداخلي.
في الرسالة التي أعلن فيها التنظيم مسؤوليته عن هجمات في باريس لم تكن فيها إشارة إلى أن إرهابيي التنظيم هم المسؤولون بشكل واضح، لكنها تظهر أنهم الرأس المدبر لها. فهل يرغبون في ذلك وضع كل المتطرفين تحت سقفهم؟
لا يقدمون أي معلومات حول العمليات، هم أرسلوا بيانا تبنوا فيه الهجمات، وهو بيان يمكن لكل من يتابع الأخبار كتابته. ولا يتركون أي مجال في بياناتهم لما يمكن أن يشكل دليلا واضحا على أنهم من يقف وراء الهجمات. هم يريدون أن يظهروا أنهم يوجدون كرأس حربة لحركة عام(عالمية)ة، ولا يريدون أن يكونوا جماعة معزولة، بل من يقود طوفان الإرهاب. كما يرغبون في نقل صورة كونهم ليسوا منظمة صغيرة، بل هم يوجدون في القمة.
في الماضي حدثت العديد من الهجمات في بلجيكا، وفرنسا، والعراق، ولبنان. فإذا كان تنظيم "الدولة الإسلامية" يريد أن يضم باقي التنظيمات الإسلامية والمتطرفة تحت سقفه، فهل هذا يعني أن كل هذه الهجمات مرتبطة فيما بينها بشكل ما؟
نعم، ولكن بطريقة في غاية الاحتيال وبأسلوب شيطاني إلى حد أنه لا يستطيع المرء أن ينسب تلك الهجمات بشكل مباشر للتنظيم. ففي غالبية الحالات لم يقم التنظيم سوى بدعوة الناس ومنحهم الشعور بأن لديهم قوة مدمرة لا يمكن لأحد أن يوقفها. وقد غيَّر ذلك بشكل مستمر الحالة العاطفية لكثير من المتطرفين المحتملين في برلين، وبروكسل أو في أي مكان آخر.
فكيف تم الربط بين هجمات باريس وبين رؤوس مدبرة لها في سوريا؟
تم الترجيح بأنهم في سوريا لأن هناك حاجة إلى جاني يتحمل المسؤولية. ففي فرنسا كانت هناك تصريحات على أن الجناة على اتصال مع أشخاص في سوريا كانوا بدورهم على اتصال مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، لم يكن الأمر يبدو كما لو كان هناك دليل على أن مقر القيادة المركزية في الرقة أو الموصل هي من أصدر الأمر. فالتنظيم منغلق جدا من الداخل لدرجة أن المفجرين أنفسهم لا ينبغي أن يعلموا من أعطى الأمر.
ماذا عن دعوة المسلمين إلى الاتحاد في مواجهة التنظيم كإجراء للقضاء عليه؟
الدعوة يجب أن تكون: أيها الفصائل السورية اتحدوا ويا من تتحكمون في كل الجبهات في سوريا اتفقوا على اتفاق سلام دائم. هذا ما نحتاج إليه كخطوة أولى قبل الشروع في الخطوة الثانية وهي محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية". ولكن هذا لا يمكن أن ينجح إلا إذا تم التوصل إلى هدنة مقبولة للطرفين. وهذا سيعني أيضا بالنسبة لإيران وروسيا: لا يمكنكما التمسك ببقاء بشار الأسد. فالمعسكر الذي يوجد تحت سيطرة الحكومة في دمشق والمعسكر الذي يقوم بمساعدة المتمردين هم من يجب وضع حد لهذه الحرب.
يجب أن يكون هناك تقسيم للسلطة واستبعاد عائلة الأسد وبعض الجنرالات الذين يجب عليهم أن يُحالوا إلى المنفى. بعدها سيكون من الممكن توحيد جميع السوريين من مختلف الاتجاهات على مصلحة مشتركة وكبيرة وهي طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من بلادهم.
وحتى في حال قررت فرنسا إرسال قواتها العسكرية إلى سوريا، فإلى جانب من سيتعين عليها أن تقاتل؟.
طالما لم يهزم تنظيم "الدولة الإسلامية" فهل يعني ذلك أننا في ألمانيا سنعيش على وقع خطر محتمل؟
لا أعرف عدد الهجمات التي أفشلتها الشرطة والمخابرات، ومكتب حماية الدستور( جهاز الاستخبارات الألمانية الداخلية) في السنتين أو الثلاث سنوات الماضية، ببساطة لأن أولئك الذين يريدون ارتكاب تلك الاعتداءات كانوا معروفين لدى الشرطة، وكثيرا ما تم رصدهم. فألمانيا تقوم بجهد كبير جدا من أجل تقليل من المخاطر، ولكن لا يمكن القضاء على مخاطر الإرهاب بشكل كامل.
كريستوف رويتر صحفي وكاتب ألماني درس علوم الإسلام وقام بأبحاث ميدانية في سوريا والعراق. وعمل مراسلا صحفيا لعدد من كبريات الصحف الألمانية.