خبيرة ألمانية: علينا البحث عن تعريف جديد للعلاقات الأطلسية
٣٠ مايو ٢٠١٧DW عربية: بعد خطاب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والذي دعت فيه الأوروبيين لـ"أخذ مصيرهم بأيديهم"، توالت تباعا تصريحات الساسة الألمان حول ضرورة إعادة النظر في العلاقات عبر الأطلسي. فهل باتت هذه التصريحات مؤشرا لعهد جديد للسياسة الخارجية الألمانية؟
زيلكه تمبل: أعتقد أن من الأسس الجوهرية للسياسة الخارجية الألمانية البقاء والالتزام بالمنظومة الغربية. ولم ينطق أحد بكلمة تدعو مثلا إلى الخروج من حلف الناتو. هذا يعني أنه بات علينا الآن البحث عن تعريف جديد للعلاقات عبر الأطلسي. ماذا يعني الغرب؟! المقصود بالغرب، الدول الأعضاء في حلف الناتو، والدول التي تتبنى نظاما ديمقراطيا. ونرى الآن العلاقات مع ترامب أصبحت صعبة. وعقب الحرب الباردة، كنّا ندرك أيضا أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستتغير باتجاه أقل عاطفية.
ترامب الذي لا يقر باعتبارات الحليف التقليدي، وما يتوجب عن ذلك من التزامات -وهو ما بدا واضحا في بروكسل- يتبع منطق رجل الأعمال دون نهج استراتيجي، وفق معادلة ما الذي سأجنيه وما على الآخرين فعله، وليس ما الذي سيوحدنا.
أنا أعتقد، أنه لا يوجد هناك تغيير في موقف الألمان بل بالعكس، على الأقل من وجهة نظر المستشارة. فالأخيرة أكدت أن بلادها متمسكة بالعلاقات مع الولايات المتحدة، لكنها تشكو رئيسا غير مهتم بذلك أو على الأقل ليس بالشكل المرغوب. وهذا يعني أن الألمان أمام حالة من الحيرة تسبب فيها طرف كان دائما مصدر أمان.
وأمام هذا الوضع بات الرهان الأكبر على أوروبا، كما تقول المستشارة ويؤكد وزير خارجيتها زيغمار غابريل. فـعلى الأوروبيين التحرر من ترامب بدءا من السياسة الخارجية والدفاع، وصولا إلى المناخ والتجارة الخارجية، لكن هل إن أوروبا قادرة على ذلك بالفعل من دون الولايات المتحدة؟
في الوقت الحالي لا يمكن لأوروبا القيام بهذا الدور، فهم لا يتوفرون على السلاح النووي كعامل ردع كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة. من المؤكد أنه من الأفضل بالنسبة للأوروبيين البقاء إلى جانب واشنطن على ظهر سفينة واحدة، لكن لم يعد هناك ضمانات تؤكد رغبة واشنطن البقاء إلى جانب أوروبا.
ولكن ألم يحن الوقت لكي تتعقب مثل هذه التصريحات أفعالا؟! على سبيل المثال، فيما يتعلق بالتسلح، والسبل نحو التنسيق بين جيوش الدول الأعضاء وجعلها أكثر فاعلية، وتخصيص ميزانيات أكبر واستثمارها بطريقة ذكية.
لكن هل الأوروبيون مستعدون لمنح ميركل دور "قائدة للعالم الحر"، وما هو الدور الذي قد يلعبه الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلا؟
"قائدة العالم الحر" هي عبارة لم تطلقها ميركل على نفسها وإنما، صحيفة نيويورك تايمز هي التي أطلقت عليها هذا الوصف. وبخصوص فرنسا، نلاحظ أن ميركل والرئيس ماكرون يسعيان معا وبقوة إلى إعادة إحياء المحور الفرنسي-الألماني. وهناك زوايا محددة يجب معالجتها. أولها ملف الأمن، والبحث عن آليات التنسيق فيما يتعلق بالأمن الداخلي والخارجي والتبادل المعلوماتي.
الملف الثاني يتجلى في ضرورة تقديم تنازلات باتجاه الدول الأعضاء الأخرى التي تعاني من أزمات اقتصادية. وأنا ألاحظ من خلال متابعتي لهذا الملف أن هناك بالفعل استعداد ألماني للقيام بذلك. وأعتقد أن قائدي البلدين مهتمان جدا بتطوير استثمارات يقبلها الجميع. والملف الثالث يتعلق باليونان الحانقة على ألمانيا، وخاصة على ميركل بسبب طريقة إدارتها لأزمة الديون السيادية لليونان. لكن أثينا وعلى صعيد آخر، ترحب بالدور الذي لعبته برلين لمساعدتها على احتواء أزمة اللاجئين بالسماح لهم الدخول إلى أراضيها. إذا هناك ملفات متصلة فيما بينها وبحاجة عاجلة إلى إعادة ترتيب.
ماذا عن روسيا؟ أليست هي المستفيد الأول من التصدع الحاصل في العلاقات الألمانية-الأمريكية أو الأوروبية-الأمريكية؟
أعتقد أن بوتين وليس روسيا سعيد بكل ما يحدث من شقاق أو اختلافات داخل المعسكر الغربي. لكن الأهم من ذلك أن الغرب ليس خارطة جغرافية وإنما هو تحالف بين دول ومؤسسات تنتهج النظام الديمقراطي. ولهذا نتعامل مع الصين وروسيا، وفي العديد من المرات كحتمية سياسية واقتصادية وغيرها.
بمعنى أنه ومع هذه البلدان هناك بحث متواصل للوصول إلى توافقات مقبولة، يمكن عبرها حلّ ملفات شائكة كالملف السوري على سبيل المثال. لكن لا يمكن لروسيا أبدا أن تحلّ محل الولايات المتحدة.
خطاب ميركل يوم الأحد الماضي وأمام تجمع انتخابي لحزبها، ألا يعيد إلى الأنظار الحملة الانتخابية المعادية لجورج بوش من قبل المستشار السابق غيرهارد شوردر عام 2003، حين رفض مشاركة بلاده في حرب العراق، وجعل من ذلك محور حملته الانتخابية آنذاك؟
بالطبع كان هناك جانب من الدعاية الانتخابية، لأن ميركل أرادت أن تؤكد أن لديها مفهوما معينا عن الواقعية. مفاده أن ترامب
- وهي حقيقة بدت واضحة منذ حملته الانتخابية - عاجز عن التصرف كرئيس أو قادر على التأقلم مع مقتضيات منصبه.
الآن ميركل وصلت إلى هذه القناعة، أو على الأقل بدأت تتحدث عنها علنا، بالقول: نحن أمام حليف تقليدي لم يعد بإمكاننا الاعتماد عليه. وبالتالي يجب علينا حلّ المشكل عبر تعزيز مكانة أوروبا وهذا ما سنقوم به من أجلنا وليس من أجل واشنطن.
وهذا يسري أيضا على ملف التسلح، فإذا عززنا قواتنا الدفاعية فنحن نقوم بذلك لأجلنا، وليس لأجل واشنطن. في حين أن قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي يدينون أي اقتراب من ترامب. وعلينا أن نوقف عمليات التسليح لأن الولايات المتحدة تطالبنا بذلك.
وهذا هو الفرق بين حملة ميركل الانتخابية التي تقر أن ترامب مشكلة حقيقية يجب التعامل معها بنضج والقيام بجهود أكبر على المستوى الداخلي، وبين حملة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقول إن كل من يقترب من ترامب فهو خائن، وهذا موقف مبالغ فيه كثيرا.
أجرت الحوار وفاق بنكيران
*زيلكه تيمبل خبيرة ألمانية في العلاقات الدولية، ورئيسة تحرير مجلة "السياسة الدولية" الألمانية.