خبراء عرب لـ DW: حرية المعلومة تكمن في قيمتها لا في سعرها
٢٧ مايو ٢٠١٩موازين القوى داخل كل مجتمع بدأت تتغير، بين سلطة الدولة وقوى المجتمع المدني والإعلام وقوى أخرى تظهر وتختفي اعتمادا على طبيعة المجتمع. في أوروبا يبدو الإعلام في صراع مع قوى اليمين الشعبوي والمتطرف، وفي الشرق الأوسط يبدو أن المجتمعات فقدت الثقة في الإعلام الرسمي وحتى الخاص، ولجأت إلى إعلام "السوشيال ميديا"، بحثاً عن التغيير في موازين القوى.
من يملك السلطة؟
"خلق وعي لتحولات جذرية لقوى الإعلام" كان هو محور المنتدى العالمي للإعلام الذي افتتح دورته الثانية عشرة اليوم، الاثنين (27 أيار/ مايو 2019) في مدينة بون بمشاركة نحو 2000 ضيف بين صحفيين وخبراء. وفي أول جلسة ناقش المتحاورون السؤال المهم: من يملك السلطة في الإعلام؟ هل هي المؤسسات الإعلامية التقليدية أم مؤسسات مثل فيسبوك وغوغل ويوتيوب؟
ماتياس دوبفنر مدير "أكسل شبرغنر"، وهي أهم المؤسسات الإعلامية في ألمانيا، قال إن الإعلام التقليدي "سيختفي وأن عمالقة الإعلام القادم هم بلوغرز وناشطو اليوم". وحول معنى الحرية في الصحافة، انتقد دوبنفر الرأي القائل إن على مصادر الأخبار أن تكون متوفرة للجميع من دون قيود ومبالغ مدفوعة، ورأى أن نوعية الخبر تحدد حرية الصحافة".
القصة هي الأهم
طالب ماتياس دوبفنر الصحفيين بالذهاب إلى الشارع والبحث عن القصة الحقيقية. وقال "اخرج، شاهد واستمع ولا تكتب ما يجب أن يكون، بل ما هو واقع". من جهته رئيس تحرير صحيفة انديا تودي آرون بوري يرى أن الناس سيدفعون إلى الشيء الملموس القوي وأن القصة هي الأهم. في ختام الحوار الأول قال ماتياس دوبفنر إن من يملك السلطة "هو الصحفي الأفضل، صاحب القصة القوية".
ليبيا .. "الأحزاب تحرك الخيوط من بعيد.."
أبرز ساحة لتحولات عالم الإعلام والسلطة عالمياً في السنوات الأخيرة هي الشرق الأوسط. ومن بين ضيوف المنتدى صحفيون عرب.
DW عربية التقت من ليبيا بالصحفي معتز الخريّف، يعمل مراسلا لراديو مونتي كارلو. سألته عن تقاسم السلطة بين الإعلام والقوى السياسية والأحزاب على أرض ليبيا التي تحولت إلى ساحة صراع منذ سقوط نظام العقيد القذافي. معتز يرى أن سلطة الإعلام بدأت بشغل موقع السلطة الثانية بعد السياسة والمال منذ عام 2018 وأن الأحزاب والقوى المتصارعة في ليبيا اتجهت إلى السوشيال ميديا بقوة كوسيلة أساسية للتواصل مع المجتمع. "ورغم أن الأحزاب منذ عام 2014 بدأت تحرك وسائل الإعلام التقليدية بشكل غير مباشر، بعد أن كانت تسيطر عليها بشكل مباشر. والسبب أن الأحزاب تخشى الإعلان عن أن الإعلام التقليدي يشكل ذراعا سياسيا لها. وأنها تبحث عن الحصول على مصداقية أكبر داخل الرأي العام والمجتمع".
السودان .. "نظام لم يقدر سلطة السوشيال ميديا"
"تسعون في المائة من وسائل الإعلام السودانية في عصر الرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير كانت موجهة ويسيطر عليها النظام، أما بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، فقد كانت تُغلق أو حتى يتم اختراقها"، تقول إيناس مُزمل، الناشطة في المجتمع المدني بالسودان. وتوضح كيف كان "الدين يستعمل من قبل النظام. بحيث أن الخطاب الديني كان يضع قداسة للنظام"، فمن يمس النظام يمس الدين، "خصوصا وأن المجتمع السوداني يتبع الإسلام المعتدل".
ثلاثون عاماً من البقاء في السلطة، ما الذي تغير ليتخلخل النظام وتتحول موازين القوى؟ DW عربية سألت إيناس التي أجابت قائلةً "حصل سقوط جزئي للنظام، خاصة لرموزه، التي كانت تأمر عناصرها التي في أسفل الترتيب. ملاك القنوات ووسائل الإعلام خافوا من إرادة الشعب الذي خرج إلى الشارع".
وتضيف إيناس "أن النظام لم يواكب عصرنة الإعلام، كان نظاما متخلفا جداً، وعالم السوشيال ميديا كان خارج دائرته"، وتوضح الناشطة الاجتماعية، أن شيئين كانا يمثلان نقاط ضعف نظام البشير: السوشيال ميديا والخطاب الإعلامي بلغات أخرى. إيناس مُزمل تختم بالقول إن "الشباب بين 16 و25 عاما هم محركو الثورة ووقودها وهم الذين استعملوا السوشيال ميديا لإسقاط النظام". أما بالنسبة لأكثر وسائل التواصل الاجتماعي قوة في السودان فهما الفيسبوك والواتساب، حسب إيناس.
اليمن .. "الحرب نقطة تحول.."
"اليمن مسرح تحولات القوى في الشرق الأوسط"، يقول عمار بامطرف، وفي عينيه أسى، لما آلت إليه الأوضاع في بلاده. عمار مدير مؤسسة إنتاج إعلامي يوضح لـ DW عربية "اليمن ليس فيها حربا واحدة بل مجموعة حروب على أرض واحدة". المشروع الإيراني ضد المشروع السعودي والإماراتي. ثم حربا أميركية ضد القاعدة وحرب التحالف العربي ضد الإخوان المسلمين". والمشكلة الأكبر أنها حروبا بالنيابة وليس مباشرة.
وحول تحولات الإعلام اليمني يقول بامطرف "الإعلام تغير بشكل سلبي إلى درجة تصل إلى 80 بالمائة. في اليمن عندنا نقطة تحول ما قبل الحرب وبعد الحرب. قبل الحرب كان هناك نوع من الإعلام المستقل، يلتقي أو يختلف مع السلطة. اليوم لم يعد الإعلام موجها من قبل القوى التي تتحكم بالساحة اليمنية".
كإعلام مستقل يمكن التحرك لكن على مدى معين. ويشرح بامطرف كيف أن "تجاوز خطوط معينة يمكن أن يفقد الصحفي حياته في اليمن. وهناك حالات كثيرة لاغتيال صحفيين".
أما بالنسبة لإعلام السوشيال ميديا فقد انحدر بشكل كبير، حسب رأيه "في السابق كان من يستعمل السوشيال ميديال هم المتخصصون فقط، اليوم مفتوح للجميع". ويوضح أكثر بالقول "هناك ضوضاء كبيرة، هناك من ليست لديهم أي فكرة ، وقد يتحول الأمر إلى منبر لتطرف إعلامي أو ديني أوسياسي أوعرقي أومذهبي". هناك من يؤثر عليه محتوى السوشيال ميديا كثيرا حتى مع عدم مصداقيته، فيولد عنده قناعات وتوجهات".
فلسطين .."الشباب يتحرك بحذر.."
من القدس حلت نفين صندوقة، ضيفة على منتدى الإعلام، وهي مديرة مؤسسة وناشطة بالمجتمع المدني. صندوقة تحدثت لـDW عربية عن استقلالية الإعلام الفلسطيني، وكيفية معالجته لقضايا شائكة تخص المجتمع الفلسطيني وعلاقته بإسرائيل.
وتقول صندوقة: "لو كانت القضايا تخص الاحتلال وممارسات الاحتلال، فإن للإعلام الفلسطيني كل الحرية في نقل ذلك، أما في حالة معاجلته لقضايا تخص السلطة الفلسطينية، حينها تكون هناك خطوط حمراء".
وتشير إلى التحول في دور الإعلام قائلة "السوشيال ميديا تلعب دورا في المجتمع الفلسطيني والسلطة أدركت هذا الدور. وفرضت على أساس ذلك، قوانين للسيطرة على هذا النوع من الميديا، كما أن هناك قوانين إسرائيلية للتحكم بها". وتوضح صندوقة كيف أن "الإعلام الإسرائيلي أكثر حرية في ممارسة عمله، لكن في نفس الوقت حين يكون الحديث عن ممارسات الاحتلال نجد أن هناك رقابة".
وتضرب الناشطة الإعلامية في الختام مثالين حول عمل الشباب في السوشيال ميديا وكيف أجبروا السلطة على الاستماع إليهم، وكيف اخذوا دورا في تحريك المياه الراكدة، من خلال: "دعمهم للمعلمين في الحصول على ظروف أفضل، وأيضا من خلال حراكهم ضد قانون الضمان الاجتماعي".