حي مزة جبل 86: أكثرية موالية للنظام
١ أكتوبر ٢٠١٣كان حي "مزة جبل 86" قبل سبعينات القرن الماضي عبارة عن أحراش وصخور وأراض زراعية تعود ملكيتها إلى أهالي المزة (سكان دمشق خارج السور). أما قمة الجبل المُمتدّة حتى سلسة جبل قاسيون والأراضي المتاخمة له، فتعود لوزارة الدفاع، يحدها جنوباً المزة أوتوستراد وغرباً مزة فيلات وشمالاً جبل قاسيون وشرقاً الشيخ سعد، وهي إدارياً تتبع مدينة دمشق.
وبعد أن أسس رفعت الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، سرايا الدفاع وأطلقَ عليها "اللواء 86" كان مقره نفس المكان الذي يطلق عليه الآن "مزة جبل 86". سمح في البداية لبعض عناصره ببناء غرف صغيره لإيوائهم، وكانت وقتها مبنية من اللبن والصفيح. مع مرور الزمن أحضر هؤلاء العسكريون عائلاتهم من قراهم الساحلية، وأصبحت فيما بعد منطقة سكنية ذات طابع عسكري.
واتخذ الحي من رقم الثكنة اسماً له: "مزة جبل 86". وتم تقسيم الحي إلى مزة 86 مدرسة ومزة 86 خزان. الأول نسبة لأول مدرسة فتحت في تلك المنطقة، أما الثاني فأطلق عليه اسم "مزة 86 خزان" بعد بناء خزان للماء يروي كل مناطق المزة.
لجان شعبية موالية للنظام
أبو علي من مواليد مدينة جبلة الساحلية. انتقل إلى دمشق في ثمانينيات القرن الماضي بعد أن تطوعَ في الجيش. خدم في إحدى القطع العسكرية، وبعد 30 عاماً في الخدمة تقاعد في بداية العام 2010. لم يكن معتاداً البقاء في البيت. وبعد أن تشكّلت اللجان الشعبية في الأحياء الموالية للنظام بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في بداية عام 2011، قرر التطوع في لجنة المزة 86.
وعن خدمته في اللجان يقول أبو علي لـ DWعربية "في عصابات إرهابية وقتلة ولازم ندافع عن حالنا. الآن وقت الدفاع عن بلدنا، نداء الوطن واجب علي". ويستدراك أبو علي قائلاً "نحنا ساكنين هون بالمزة من 30 سنة. اشتريت قطعة أرض مساحتها حوالي 150 مترا مربعا بـ 18 ألف ليرة سورية وقتها، وبنيت منزلا من ثلاثة طوابق. وفي كل حجرة إلنا ذكريات. ابني علي ولد وكبر هون".
وليس بعيدا عن منقطة "مزة جبل 86" الموالية للنظام، تقع أحياء وبلدات جنوب دمشق المحاصرة: داريا والمعضمية والقدم. فالنظام السوري عزل المناطق الثائرة عن دمشق بإقامة حواجز عسكرية تمنع دخول وخروج أي شيء، سواء مواد طبية أم غذائية. الكهرباء مقطوعة منذ حوالي ستة أشهر والخبز مفقود وأغلب أنشطة الحياة متوقفة.
ويقول مازن، وهو مختار حي مزة جبل 86 لـ DW عربية إنّ "عدد سكان الحي الآن حوالي 250 ألف نسمة، ويصل أحياناً إلى أكثر من 300 ألف في الصيفً. بعض سكان الحي جاؤوا من الساحل السوري، وهم الأكثر والأقدم، يليهم سكان مناطق الداخل من حمص وحماه. وكان هناك قسم من الأكراد قدموا من الجزيرة، إلا أن أغلبهم عادوا إلى مناطقهم الكردية بسبب الأوضاع الأمنية في دمشق لاسيما بعد التهديدات الأمريكية الأخيرة".
خبات، من أكراد مدينة ديريك ( المالكية) بشمال شرق سوريا. هاجر هو وعائلته إلى دمشق وتحديداً إلى مزة 86 خزان في نهاية تسعينات القرن الماضي. يُعتبر خبات من أثرياء الحي، فهو يملك سوبر ماركت ضخما ومحل ألبان وأجبان وآخر للخضروات. قرر بيع محلاته التجارية والمنزل الذي يسكن فيه والشقق التي كان يؤجرها، والعودة إلى ديريك.
ويشرح خبات لـDW عربية أسباب قراره هذا بالقول: "هون أغلبيتهم موالين للنظام ومن الطائفة العلوية حصراً. وفي حال سقط النظام أو صارت فوضى أمنية أكثر من الحالية تصبح المنطقة على شفير إبادة جماعية. أغلب سكان المنطقة متطوعون في الجيش والأمن وهناك احتقان مع باقي مناطق ريف دمشق الثائرة التي تضرّرت من الحرب".
"مزة جبل 86" حالة هجينة بين الريف والمدينة
يعتبر حي "مزة جبل 86" حالة هجينة بين الريف والمدينة. فالأهالي الذين قدموا من الريف الساحلي نقلوا تركيبة بيوتهم الريفية معهم إلى المدينة. فالمنزل مؤلف من غرفتين في الغالب ولا تتجاوز مساحته مئة متر مربع في أحسن الأحوال. كل بيت ملاصق للآخر، بيت هنا وبيت هناك. وعلى عجل حلت غرفة بمنافعها الخارجية بين البيتين. من الخارج جدرانها مطلية بالإسمنت، ولحقت بها غرفة طابق ثاني دون ذلك الغلاف الإسمنتي. نوافذ البيوت صغيرة جداً، يفصل بينها وبين نوافذ الجيران المقابلة أقل من متر. أزقة ضيقة أو "زواريب" صاعدة بأدراج حفرتها الأرجل عبر السنوات، أرصفتها طويلة وحجارتها متكسرة.
وبالنظر لتركيبته السكانية واعتباره من أكثر مناطق دمشق الموالية للنظام السوري، يعتبر الحي هدفا لمعارضي النظام إذ تم استهدافه عدة مرات. ويروي أهالي الحي أن ثلاثة تفجيرات استهدفتهم العام الماضي، كان أضخمها ساحة عروس الجبل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وأودى بحياة 11 مدنياً.
علاء تعرض محله للدمار، فالبناء انهار بالكامل جراء الانفجار. علاء قام ببناء المحل من جديد وأعاد فتحه ويقول لـ DW عربية "راح نكمل الحياة بقسوتها ومرارتها. وعم ندفع ثمن حبنا للوطن وللرئيس بشار الأسد".
أما مضر، الطالب الجامعي من مواليد مدينة طرطوس ذات الغالبية العلوية ومستأجر منزل في حي المزة 86 مدرسة، فيشرح لـ DWعربية دوافع ولائه لنظام الرئيس بشار الأسد بالقول: "أغلب رفاقي بالجامعة من الطائفة العلوية من طرطوس واللاذقية وقرى حماة العلوية. هؤلاء يحكون لي أنه لا توجد قرية أو بلدة في منطقة الساحل السوري إلا وفيها مئات الشهداء من الجيش والأمن، لا يمر أسبوع إلا ويصل جثمان شهيد أو أكثر".