حملة توثق انتهاكات "داعش" و"غير داعش"
٨ ديسمبر ٢٠١٥في نهاية رحلتها رقم 962 حطت يوم الأحد (6 ديسمبر) طائرة تابعة "للخطوط الجوية المتحدة" بمطار برلين-تيغل، قادمة من نيويورك. وهناك في الولايات المتحدة الأمريكية تم تكريم عبد العزيز الحمزة (24 عاماً) وحسام عيسى (27 عاماً)، وهما لاجئان في ألمانيا وعضوان مؤسّسان لحملة "الرقة تذبح بصمت"، بجائزتين عالميتين. أطلق عبد العزيز وحسام وأربعة من النشطاء- كلهم أكاديميون- الحملة في 17 أبريل/نيسان 2014، حيث نجحت في تسديد ضربات قوية لتنظيم "داعش" في الفضاء الالكتروني بالكلمة والصورة، وعند البحث عن "الرقة" في محرك البحث غوغل أصبح اسم الحملة يظهر قبل اسم تنظيم "الدولة الاسلامية".
توثيق الانتهاكات
تعمل الحملة مستخدمة التقارير الإخبارية والفيديوهات والصور والمقابلات والتحقيقات الاستقصائية على "توثيق الانتهاكات من كل الأطراف: تنظيم داعش، نظام الأسد، الفصائل الكردية، الجيش الحر، وحتى توثيق الضحايا المدنيين بفعل قصف طائرات التحالف والروسية"، كما يقول حسام وعبدالعزيز اللذين التقت بهما DWعربية مباشرة بعد رجوعهم إلى برلين. ويتحدث عبد العزيز عن الخلفيات والأهداف ويقول: "كلنا نَشِطنا في إطار الثورة السورية ضد نظام الأسد قبل ظهور داعش، وتعرض بعضنا للاعتقال. نهدف إلى إسقاط كل من الأسد و"داعش" ونرى أنه لا يمكن الفصل بين الهدفين".
لا تركز الحملة فقط على الانتهاكات والجرائم بل يتعدى ذلك إلى الحياة اليومية والهموم المعيشية تحت حكم التنظيم: طوابير الخبز، انقطاع التيار الكهربائي، نقص الغذاء والدواء. عن آلية العمل يقول حسام: "تتألف شبكتنا من 18 ناشط في كامل محافظة الرقة، وليس في المدينة فقط، ومن 10 أشخاص في الخارج: 8 في تركيا وأنا وعبد العزيز في ألمانيا. يقوم فريق الداخل بالتقاط الصور والفيديوهات وملاحقة الأخبار، ثم يبعثوها لنا عن طريق برامج خاصة مشفرة. بعد بعثها تحذف البيانات أتوماتيكياً من أجهزتهم. ثم نقوم بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي وبصياغة التقارير والتوثيق". حققت الحملة في بعض الأحيان سبقا إعلاميا: خبر مقتل الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، قبل أكثر من شهر من نشر التنظيم لفيديو الحرق، والمحاولة الأمريكية الفاشلة لإنقاذ رهائن أمريكيين من بينهم الصحفي جيمس فولي قبل أسابيع من الإعلان عنها. على إثر نشاط أفراد الحملة وصف "داعش" من على منابر صلاة الجمعة الحملة ب"عدو الله" والناشطين بها ب"مرتدين وكفرة وعلمانين". "وصل الأمر إلى اعتقال من يضع إشارة " اعجاب" على صفحتنا على الفيسبوك"، حسب حسام.
حضور في الإعلام وتكريم عالمي
حققت الحملة حضوراً قويا في الفضاء الالكتروني: حوالي 225 ألف "اعجاب" على الفيسبوك، خمسون ألف متابع على توتير، ما يقارب المليون مشاهدة على اليوتيوب، ناهيك عن أعداد الزيارات الكثيرة للصفحة على الإنترنت. وبالكاد فقط يستطيع حسام وعبدالعزيز تلبية طلبات وسائل الاعلام للحديث إليها. "نتلقى أحياناً أكثر من مائة طلب من وسائل إعلام في اليوم"، كما يؤكد عبد العزيز. "في الحالة السورية حيث تشح المعلومات وتتلون بالسياسة، ولا يمكن الوثوق بها، أثبتت الحملة موثوقيتها واستقلاليتها"، يلاحظ جيسون شتيرن، الباحث المساعد في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "لجنة حماية الصحفيين" ومقرها نيويورك، في تصريح خاص ل DWعربية.
في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي منحت "لجنة حماية الصحفيين" الحملة "جائزة حرية الصحافة الدولية". وفي الأسبوع الفائت، كرمت مجلة "السياسة الخارجية" الأمريكية "فورين بولسي" الحملة من خلال إدراجها ضمن قائمتها السنوية لـ"أهم 100 مفكر في العالم" لعام 2015. وقد وقع الاختيار على الحملة إلى جانب شخصيات ذات وزن عالمي مثل المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، والبابا فرانسيس.
وجاء في حيثيات منح الجائزة: "لتوثيقها وحشية تنظيم الدولة، وعمليات الصلب وقطع الرؤوس والعبودية الجنسية في الرقة". وقد مُنحت الحملة جائزة American Abroad Mediaأيضاً. وشارك الحمزة في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بكلمة في مؤتمر "نادي مدريد"، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى دعم الديمقراطية والتغيير. ويعتبر المنتدى الأكبر من نوعه عالمياً لرؤوساء الدول والحكومات سابقا. كما ألقى حسام قبل حوالي الشهر كلمة أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الهولندي.
"المكان الأكثر خطورة على الصحفيين"
بعد أقل من شهر على إطلاق الحملة أعدم تنظيم "داعش" أحد المؤسسين وهو المعتز بالله إبراهيم. كما قتل في يونيو/حزيران الماضي والد أحد مؤسسي الحملة، محمد الموسى. وفي 30 تشرين الأول الماضي تم قطع رأس العضو إبراهيم عبد القادر وصديقه فارس حمادي في أورفا جنوب تركيا. واتهمت الحملة "داعش" بمسؤوليتها عن العملية. ويعقب عبد العزيز قائلا: "في نفس يوم الاغتيال ألقت السلطات التركية القبض على سيارة مفخخة تبعد 200 متر عن مكتبنا في غازي عنتاب، مما دعانا إلى إغلاق المكتب". ويلاحظ شتيرن قائلا: "لا يوجد حاليا مكان أكثر خطورة على الصحفين مثل سوريا. منذ اندلاع الصراع قُتل على الأقل 86 صحفياً، وخُطف واعتقل أكثر من 100. ولا نعرف عدد الصحفين الذين اضطروا للفرار بالضبط، ولكننا نحن ساعدنا أكثر من 100 صحفي على الخروج من سوريا. 86 بالمئة من الصحفيين الذين قتلوا في سوريا هم من السوريين. وهذه الاحصائيات ليست مصادفة، فقد تورطت كل الفصائل في الرقابة على الصحفيين، ولكن ليس كمثل نظام الأسد وما تدعى الدولة الاسلامية، فهما يتشاركان نفس المنهج الوحشي تجاه الصحفيين". وعن المساعدات المقدمة للصحفيين في سوريا، يقول شتيرن: "نوثق الانتهاكات، وقد أصدرنا دليل أمن الصحفيين باللغتين العربية والانكليزية، ونقدم عونا مباشرا في الحالات الطارئة ونساعد في الاخلاء عند الخطر المحدق. كما ندعو إلى دعم قضية المسؤولية الاخلاقية والقانونية لحماية الصحفيين ورفع الحصانة في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. كما عملنا مع بعض الشركاء من 80 وسيلة إعلامية ومؤسسة تُعنى بحرية الصحافة على احترام المبادئ الأساسية لسلامة الصحفيين والرد على حالات الخطف". ولا ينفي الناشطان تخوفهما من وصول يد "داعش" لهما هنا في ألمانيا: "التهديدات لنا قائمة يوميا ومستمرة. وكما حدث أن وصل تنظيم "داعش" لزملائنا في تركيا، فقد يصل إلينا أيضا. وليس هناك من اجراءات أمنية خاصة لحمايتنا".
في ظل الكم الهائل من المعلومات وتضاربها، كيف يمكن ل"لجنة حماية الصحفيين" توخي الدقة والتحري؟ عن ذلك يقول شتيرن: "لا أحد لديه تصور كامل عما يجري على الأرض. وأفضل ما نفعله كصحفيين هو أن تكون عملية جمع الأخبار بشفافية وأن نفهم ما يتم تقديمه من المعلومات التي تصلنا ونصحح الأخطاء التي لا مفر منها". وبخصوص الحملة يضيف شتيرن قائلا: "أثبتت الحملة مصداقيتها أكثر فأكثر، وفي حالات عديدة تم تأكيد تقاريها من مصادر أخرى. هذا لايعني أن أفرادها معصومون من الخطأ، ولكن في ظل الخطر المحدق بهم فإن عملهم رائع حقا".