حماة في قلب الحركة الاحتجاجية: إلى أين تتجه سوريا؟
٥ يونيو ٢٠١١من استانبول إلى برلين، ومن أنطاليا إلى بروكسل يهرع المعارضون السوريون للقاء بعضهم البعض ولمناقشة أفضل السبل والاستراتيجيات لدعم ما يصفونها بـ"الثورة السورية". فالاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في الخامس عشر من شهر آذار/ مارس الماضي أخذت تتسع شيئا فشيئا لتشمل قطاعات شعبية جديدة ولتنضم إليها أيضا مدن كانت توصف بأنها هادئة كمدينة حماة بشمال البلاد. فهذه المدينة، التي شهدت مجزرة رهيبة عام 1982، كانت حذرة منذ بداية انطلاق الاحتجاجات في درعا بجنوب سوريا، لكنها وفي أسبوع "جمعة أطفال الحرية" انضمت بالكامل إلى الحركة الاحتجاجية.
وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخذ من لندن مقرا له، ومنظمة سواسية وغيرهما من المنظمات الحقوقية السورية، فإن عدد المتظاهرين في "جمعة أطفال الحرية" فاق أعدادهم في كل الأسابيع السابقة وأن مدينة حماة كانت في الصدارة من حيث أعداد المشاركين وكذلك عدد القتلى. فقد شهدت المدينة في جمعة أطفال الحرية "مجزرة بكل ما للكلمة من معنى راح ضحيتها عشرات المتظاهرين السلميين بنيران رجال الأمن السوريين وقناصتهم"، حسب المعارض السوري أنس العبدة رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق.
الإنكار ـ المنهج الذي يسير عليه النظام السوري
وأضاف العبدة، وهو من أبرز الشخصيات التي شاركت في مؤتمر المعارضة السورية في أنطاليا بتركيا، في حوار مع دويتشه فيله، أن ما قام به "النظام في حماة وغيرها من المدن السورية يرقى إلى جرائم حرب؛ فهو يستهدف المدنيين ويقتل المتظاهرين ويرسل الدبابات إلى المدن، وفي الوقت نفسه يواصل سياسة الإنكار، متحدثا تارة عن عصابات إجرامية وطورا عن مهربين أو سلفيين مسلحين". وبدوره يرى الباحث اللبناني في القضايا الإستراتيجية وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس خطار أبو دياب "أن المشكلة الكبرى في سوريا كانت ومازالت سياسة الإنكار التي يتبعها النظام السوري".
ويضيف أبو دياب، في حوار مع دويتشه فيله، أنه بالرغم من تطور الأحداث وارتفاع أعداد القتلى واتساع رقعة المظاهرات فإن النظام السوري لا يعترف بحصول شيء وكأن البلاد لم تتغير وكأن المنطقة أيضا لم تشهد ثورات. من هنا فإن ما يقدم عليه من جهة أخرى من "إصدار قوانين إيجابية كمرسوم العفو عن السجناء أو تشكيل لجنة للحوار الوطني لا تلقى صدى إيجابيا وينظر إليها بعين الشك لأنه (النظام) ينكر وجود طرف آخر، وجود المعارضة بكل تلاوينها ووجود مجموعات شبابية تقود الحركة الاحتجاجية".
مؤتمر أنطاليا ورفض الحوار
وبالرغم من أن أبو دياب يوجه انتقادات إلى ما يصفها بالمعارضة التقليدية وبأن الزمن قد تخطى البعض منها فإنه يرى أن مؤتمر أنطاليا للمعارضة السورية، أو المؤتمر السوري للتغيير الذي استضافته تركيا، شكل نقلة نوعية في تاريخ المعارضة السورية. فقد وجه هذا المؤتمر "رسالة واضحة من الخارج إلى الداخل بأن الشخصيات والقوى المعارضة السورية في الخارج تواكب تضحيات الشعب السوري وما يحصل في الداخل ولديها برنامج لدعم الحركة الاحتجاجية".
وكان البيان الختامي لمؤتمر أنطاليا، الذي شارك فيه حوالي ثلاثمائة وخمسين معارضا سوريا جلهم من الخارج، قد تجاهل مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد وكذلك لجنة الحوار الوطني التي شكلها مشددا على التزامه بإسقاط النظام. وحين يُسأل أنس العبدة عن أساب التجاهل هذه يجيب بأن المعارضة السورية ترى بأن على "بشار الأسد والزمرة الحاكمة في سوريا أن تسعى هي إلى الحصول على عفو عام من قبل الشعب السوري. فهذا النظام الذي أوغل في دم السوريين بشكل كبير جدا فقد شرعيته بالكامل وبالتالي ليس في موضع أن يصدر عفوا كما أنه لم يترك أية أرضية للحوار معه".
لا عودة إلى ما قبل اندلاع الاحتجاجات
أما الصحافي والمحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن فيرى بأن تبني مؤتمر أنطاليا لشعار إسقاط النظام ومطالبته للرئيس الأسد بالتنحي الفوري يعني أن "الباب أغلق نهائيا أمام الإصلاحات في سوريا وأن المواجهة بين النظام والمعارضة ستتواصل". ويضيف بوخن، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الصراع دخل مرحلة لا تراجع عنها وأن "الباب أغلق نهائيا أمام المصالحة والحلول الوسط". وحسب بوخن فإن الولايات المتحدة وحليفتها تركيا وكذلك دول الاتحاد الأوروبي كانت تفضل الاحتفاظ بالأسد وإعطائه فرصة "لقيادة عملية التغيير خوفا من حصول فوضى في سوريا".
أما وقد ارتفع عدد القتلى واستمر النظام السوري في قمع المظاهرات وإرسال الدبابات إلى المدن ووقوع ضحايا بين الأطفال أيضا، فإن واشنطن وحلفاءها باتوا مقتنعين بأن حكم البعث والرئيس السوري بشار الأسد يشرف على النهاية، حسب بوخن. ويضيف الصحافي الألماني، الذي عايش الثورتين المصرية والليبية عن قرب، بأن "احتضان تركيا لمؤتمر المعارضة السورية وبوحي أمريكي ربما يهدف إلى إيجاد بديل إسلامي معتدل لنظام البعث في سوريا يشبه الحزب الحاكم في تركيا". إلا أن بوخن يعرب عن شكوكه في نجاح هذا السيناريو لأنه "لا توجد في سوريا أحزاب إسلامية معتدلة تشبه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا".
أحمد حسو
مراجعة: عبده جميل المخلافي