حكومة حماس أمام تحديي ضبط الأمن والتغلب على الإرث البيروقراطي لفتح
٣ أبريل ٢٠٠٦ما لبثت الحكومة الفلسطينية الجديدة أن تسلمت مهامها، حتى واجهتها على الصعيد الأمني الداخلي أحد أهم التحديات التي كانت تنتظرها والتي شكلت أيضا تحديات للحكومات الفلسطينية السابقة. فقد شهد قطاع غزة خلال الثلاثة الأيام الماضية فوضى أمنية أدت إلى صدامات مسلحة وسقوط قتلى وجرحى، جاء ذلك بعد يومين فقط من تسلم حكومة حماس لمقاليد السلطة. هذه الأحداث وضعت حكومة حماس أمام معضلة ضبط الإنفلات الأمني والفوضى وإحداث تغييرات جذرية على جهاز الأمن والشرطة الذي تسيطر عليه حركة فتح، والتي تسيطر أيضا على الجهاز الإداري الفلسطيني. يذكر أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس كانت تنتقد السلطة الفلسطينية بسبب عدم سيطرتها على الجماعات المسلحة.
أعمال عنف وصدامات
وكان قطاع غزة قد شهد مصادمات بين أعضاء من لجان المقاومة الشعبية الفلسطينية والشرطة الفلسطينية، أندلعت عقب إغتيال عبد الكريم القوقا، القائد في لجان المقاومة الشعبية، في حادث تفجير سيارة في غزة يوم الجمعة الماضية. و أتهمت لجان المقاومة الشعبية قوات الأمن الفلسطينية بالتواطؤ مع إسرائيل في مقتل القوقا، ونفى الطرفان هذه التهمة. وفي محاولة لاحتواء الموقف، دعا رئيس الحكومة الفلسطينية الجديدة، إسماعيل هنية، إلى حظر تواجد مسلحين في الشوارع، غير أن مجموعة مسلحة من حركة فتح يقدر عددها بحوالي ثلاثمائة شخصا بقيادة سمير المشهراوي، نزلت إلى الشوارع للتظاهر وقامت بإطلاق النيران في الهواء في تحد واضح لدعوة هنية، بإنهاء المظاهر المسلح.
هذا وقد وصف هنية، الذي تسلمت حكومته مهامها يوم الخميس الماضي، قد وصف ما حصل في غزة بأنه "خطير"، داعيا الفصائل إلى ضبط النفس وعدم إلقاء التهم جزافا وإنهاء حالة التوتر بإبعاد المسلحين المدنيين من الشوارع وباستمرار متابعة هذا الموضوع "لان هذا شيء خطير ولن نسمح بتكراره". واقر هنية بان "الثقافة السائدة" في الشارع الفلسطيني خلال السنوات الماضية ثقافة تحتاج إلى وقت "حتى نجدد الثقة لجهة حفظ النظام والانضباط والقانون وعدم الاحتكام إلى السلاح" تحت أي ظرف من الظروف وان يكون القانون دائما هو سيد الموقف، حسب تعبيره.
من جانبها دعت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، التي شكلت للتحقيق في الحوادث الأخيرة، الحكومة الفلسطينية في بيان يوم الأحد الماضي إلى "وضع حد نهائي" لحالة الفلتان الأمني وفوضى السلاح. أما حركة فتح فقد أكدت في بيان "حرصها المعلن على وحدة الصف الوطني وعلى حرمة الدم الفلسطيني باعتباره خطا احمر"، مؤكدة التزامها بدعم السلطة الوطنية وكافة مؤسساتها لفرض سيادة القانون. موضحة أنها "تؤيد" حكومة هنية في "تشكيل لجنة تحقيق لمتابعة الإحداث وإطلاع شعبنا على حقيقة ما حدث بجرأة وموضوعية".
خطط وآليات لضبط الأمن
في هذه الأثناء أعلنت مصادر أمنية فلسطينية أن الحكومة وضعت خططا أمنية لضمان استتباب الأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة. جاء ذلك على لسان وزير الداخلية الفلسطيني، سعيد صيام، الذي أكد على عزم وزارته إنهاء الإشتباكات المسلحة والبرهنة على أنه لا توجد جماعة فوق القانون. وأضاف "نحن سنضمن ألا أحد فوق القانون، ونطالب بإنهاء عدم الاستقرار وفوضى السلاح"، لكن المسئول الأمني الفلسطيني الذي يعرف مدى جسامة هذه المهمة استدرك قائلا بأن مشاكل الفلسطينيين لن تحل بلمسة سحرية، داعيا الفلسطينيين "الذين شهدوا الفوضى الأمنية وسوء الإدارة على مدى أعوام، أن يصبروا قليلا، عاما واحدا". وكشف صيام عن أن حماس ستستخدم آليات السيطرة التقليدية في المجتمع الفلسطيني لمحاولة إعادة النظام في مجتمع تحتشد فيه جماعات غاضبة مدججة بالسلاح. ومن هذه الآليات طلب المساعدة من رجال العشائر والمساجد والإعلام. في هذا السياق أعلن الوزير الفلسطيني عن أول إجتماع بقائد الشرطة الفلسطينية، العميد علاء حسني، مشيرا إلى انه تم في هذا اللقاء بحث الوضع الداخلي ودور الشرطة الفلسطينية والتصور المستقبلي لعمل هذا الجهاز.
"التنسيق الأمني مع إسرائيل مرفوض"
في غضون ذلك أكد وزير الداخلية الفلسطيني مجددا رفض التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، منوهاً إلى أن ذلك "مرفوض وطنيا". وأضاف صيام قائلا إن القضية ليست تغيير أناس في الوزارة، مشيرا إلى أن التنسيقات الأمنية السابقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية كانت تتم "بقرار سياسي ونحن ضد هذا التنسيق" الذي كان يقصد به تبادل المعلومات او الاعتقالات السياسية بناء على هذه المعلومات، حسب تعبيره. وشدد الوزير الفلسطيني على أنه "ليس واردا في أجندتي التنسيق مع إسرائيل"، لكنه حرص على التمييز بين ما اسماه "التنسيق الأمني" و "التنسيق الحياتي" كالتنسيق الصحي والزراعي والتجاري و"هذا أمر موجود وواقع سنتعامل معه"، حسب تعبيره، لأن يتعلق "بالحياة الداخلية والتماس مع دولة الاحتلال سيبقى على ما هو".