حفلات موسيقية لمواجهة النازيين الجدد
٢٧ أغسطس ٢٠١٢اختار سكان مدينة باد نيندورف، الواقعة بولاية سكسونسيا السفلى في ألمانيا، الحفلات الغنائية كرد على المسيرات التي ينظمها أتباع اليمين المتطرف في شهر آب/أغسطس من كل عام في المدينة وتحمل اسم: "مسيرة الحزن". وتعتبر هذه المسيرة من أهم الأنشطة التي يقيمها اليمينيون المتطرفون في ألمانيا.
واعتاد سكان باد نيندورف الاصطفاف في الشوارع التي تمر منها المسيرة من أجل تضييق الخناق على اليمينيين المتطرفين وعرقلة مسيرتهم. وما أجج شعور سكان هذه المدينة، المعروفة بهدوئها ومحيطها الطبيعي، هو ترخيص السلطات لرفاق ماتياس شولتس المنتمي للنازيين الجدد بتنظيم هذه المسيرة إلى غاية عام 2030.
استغلال اليمين المتطرف لأحداث تاريخية لصالحه
عشرات من النازيين الجدد فقط هم من شاركوا في أول "مسيرة حزن" نظمت عام 2006 وفي السنوات التي تلتها ارتفع عدد الأشخاص الذي قدموا لمدينة باد نيندورف للمشاركة في المسيرة بالآلاف. في حين لم يتعد عدد المشاركين هذا العام 450 شخصا. لكن ورغم ذلك، لا يزال سكان المدينة يشعرون بالاستياء، وفي هذا الصدد يقول رئيس جمعية الآباء بثانوية غيتا ماتيس بنيندورف: "تحمّل هذا المشهد حتى عام 2030 هو بالنسبة لنا بمثابة الكارثة".
بدورها تتابع هيئة حماية الدستور بولاية سكسونيا السفلى هذا التطور بقلق. فهي تخشى بأن تتحول باد نيندورف إلى مركز يقصده النازيون الجدد من جميع أنحاء ألمانيا بعد منع مسيرة رودولف هيس عام 2009 والتي كانت تنظم في مدينة فونزيدل بمنطقة فرانكن.
وحسب الكثير من الخبراء، فإن اليمينين المتطرفين يسعون لتزوير الحقائق التاريخية و"التقليل من بشاعة الجرائم التي ارتكبت في فترة الحكم النازي"، كما يقول المدير السابق لمعهد متخصص في أبحاث معاداة السامية ببرلين، فولفغانغ بينز. فهم يشبّهون المجازر التي ارتكبها هتلر في معسكرات الاعتقال النازية بالانتهاكات التي تمت في منطقة فينكلرباد بمدينة باد نيندورف، عندما قام الجيش البريطاني باعتقال النازيين فيها وإخضاعهم للتحقيق. وبلغت الجرأة بعضو النازيين الجدد، ريكاردا ريفلينغ، للقول في كلمة ألقتها على هامش "مسيرة الحزن": "سيأتي يوم بدل أن يذهب فيه التلاميذ لزيارة معسكر بيرغن بيلزن النازي في مدينة هانوفر، سيأتون إلى هنا، إلى باد نيندورف، للحزن عما تم ارتكابه في حق الشعب الألماني".
تعبئة واسعة لسكان باد نيندورف
في السنوات الأولى من تنظيم "مسيرة الحزن" في بادنيندورف، اكتفى سكان المدينة بتجاهلها ولم يقووا على مواجهة الشعارات التي كان يرفعها النازيون الجدد. وهو ما يؤكده نائب مدير إحدى الجمعيات الرياضية بالمدينة، سيغريد باد، بقوله: "لم أكن أعتقد أن حليقي الرؤوس هؤلاء قد يشكلون خطرا سياسيا، لكن عندما بدأت أسمع شعاراتهم، أدركت أنهم أناس مدربون وخطيرون فعلا".
واليوم يعتبر سيغريد واحدا من بين الناشطين المناهضين لليمين المتطرف إلى جانب الكثير من أعضاء جمعيته وسكان المدينة الذين أسسوا اتحادا أسموه:" باد نيندورف متعددة الألوان". ولا يقتصر الأمر على ذلك بل قام سكان المدينة بإضفاء ألوان بهيجة على الشارع المجاور لمحطة القطار كرمز للتنوع العرقي والثقافي في المدينة، وهو ما يكبس على أنفاس اليمينين المتطرفين الذين يأتون لباد نيندورف للمشاركة في "مسيرة الحزن".
ومنذ العام الماضي أصبح سكان المدينة ينظمون حفلات موسيقية صاخبة على امتداد الطريق التي تمر منها المسيرة. "فنحن لن نترك هؤلاء النازيين يحددون لنا متى نحتفل وأين نحتفل" كما يقول يوغن إيبل، الصيدلي بمدينة باد نيندورف. كما تطغى الموسيقى تماما على الشعارات التي يرفعها اليمينيون المتطرفون في مسيرتهم، وتحول دون وصولها لمسامع سكان المدينة. رغم ذلك فإن النازيين الجدد مصممون للعودة من جديد إلى المدينة العام المقبل. أما سكان باد نيندورف فرفعوا شعار:" بعد المسيرة كما قبل المسيرة". فهم لن يتوانوا طيلة السنة، سواء في المدارس والجمعيات والكنائس عن التحذير من خطر التطرف اليميني وما يشكله من تهديد على الديمقراطية.