"حصاد الضباب"ـ مشروع بدعم ألماني يُغيّر حياة قرى بالمغرب
١٧ نوفمبر ٢٠١٦
يعتمد مشروع "حصاد الضباب " على فكرة مبتكرة وهي استخراج الماء من الضباب في قمم الجبال عبر اعتراضه بشبكات مصممة لذلك، وتزويد سكان المناطق التي تعاني نقصا حادا من الماء بعد تجميعه ومعالجته. واشتغلت منظمة مغربية غير حكومية وهي جمعية " دار سي حماد " على هذا المشروع في منطقة سيدي إفني بجنوب المغرب منذ أكثر من عشر سنوات بشراكة مع "مؤسسة ميونيخ ري " الألمانية. ويحقق هذا المشروع اليوم نجاحا باهراً، حيث تمكن من تغيير حياة خمس قرى جبلية إلى الأفضل، ونال جائزة التشجيع للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية خلال فعاليات مؤتمر المناخ كوب22 بمراكش .
تكنولوجيا مبتكرة بدعم ألماني
استوحى "عيسى الدرهم" رئيس جمعية "دار سي حماد " فكرة المشروع من خلال تجارب دولية في هذا المجال، وسعى إلى نقلها إلى منطقة أيت باعمران بجنوب المغرب التي ينحدر منها. ويقول " الدرهم " إن من أسباب نجاح المشروع بالمنطقة هو " كثافة الضباب بسبب الضغط الجوي المرتفع والتيارات البحرية الباردة والحاجز الذي تشكله الجبال"، في منطقة معروفة بقلة التساقطات المطرية وبضبابها الكثيف الذي يمتد طيلة 143 يوما في السنة .
وبدأ "الدرهم" وفريقه الدراسات والتجارب اللازمة للمشروع منذ سنة 2006 ، و كانت النتيجة حوالي 10.5 لتر من الماء الصالح للشرب لكل متر مربع من الشبكة التي تعترض الضباب على ارتفاع يصل الى 1225 متر عن سطح البحر في قمة جبل بوتمزكيدة، وقد شجعتهم هذه النتيجة على تطوير المشروع أكثر. وقال "عبد المالك علاء الدين "، وهو مسؤول سابق في فريق المشروع، في حديث مع DW عربية، إن السكان " اعتبروا فكرة المشروع في البداية ضربا من الخيال، ولم يصدقوا أن الضباب الذي يغطي قمم الجبال بالمنطقة سيكون مصدرا مهما للماء ". و أضاف أن " المشروع انطلق وفق دراسات دقيقة بمساعدة متخصصين ومستشارين مغاربة ودوليين، ولم يتحمس له الشركاء والسكان حتى لمسوا نتائجه التي غيرت واقعهم المعيش بشكل كبير " .
توسيع المشروع
ويزود المشروع حاليا أكثر من 92 أسرة ( حوالي 400 شخص ) في خمس قرى تابعة لجماعة " اثنين املو" بالماء الصالح للشرب، ويدفع السكان اشتراكا رمزيا شهريا لدعم المشروع يقدر بحوالي 2 يورو، إضافة إلى 0.40 يورو لكل 1000 لتر من المياه المستهلكة، وفق معطيات نشرتها جمعية دار سي حماد .
وبحلول سنة 2012 طورت "دار سي حماد " هذا المشروع بشراكة مع مؤسسة " ميونخ ري"، وتم تنصيب أكثر من 600 متر مربع من الجيل الجديد للشبابيك " كلاود فيشر"، التي صممتها المؤسسة الألمانية wasserstiftung. وتعطي هذه الشبابيك مردودية مضاعفة وتقاوم سرعة الرياح التي تصل إلى 120 كلم في الساعة. وتفيد جمعية "دار سي حماد " أن وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية بألمانيا صادقت على تمويل إنشاء 1600 متر مربع من شباك " كلاود فيشر" لأجل إمداد 13 قرية أخرى بجنوب المغرب بالماء في مطلع العام المقبل .
وتقول مديرة المشاريع في مؤسسة ميونخ ري الألمانية مارتينا مايرهوفر في تصريح خاص بــ DW عربية "قدمنا الدعم المالي لمشروع حصاد الضباب الذي أقيم بجبال الأطلس الصغير بجنوب المغرب بشراكة مع جمعية دار سي حماد منذ سنة 2012 ، وكنا على تواصل دائم مع مديرة المشروع السيدة جميلة بركاش" وتضيف مايرهوفر "خلال هذا العام قررت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية بألمانيا دعم هذا المشروع استجابة لطلب المؤسسة الألمانية واتر فوندايشن والمنظمة الغير الحكومية المغربية دار سي حماد، ومؤسستنا شريك رئيسي للمشروع وستقدم نصف الدعم المالي المطلوب وتوفر أيضا الدعم الفني والصيانة المستمرة للمشروع " .
تخفيف العبء عن النساء والأطفال
ولرصد آثار هذا المشروع على سكان المنطقة، زرنا بعض القرى الجبلية التي استفادت من المشروع بمنطقة سيدي إفني، وصرح لنا إبراهيم باعضيد، وهو رجل خمسيني من سكان قرية "اكني نزكري " أن مشروع حصاد الضباب أنقذ السكان من معاناة نقص المياه وساهم في استقرارهم وتوقف الهجرة إلى القرى والمدن المجاورة، ووفر لأطفال القرية وقتا لمتابعة دراستهم بعد أن كانوا يساعدون عائلتهم في البحث عن المياه في المسالك الجبلية بالمنطقة"، وأوضح باعضيد " كان أطفالنا يقضون أكثر من 4 ساعات مشيا على الأقدام ذهابا وإيابا بحثا عن المياه في المناطق المجاورة، وكانت النساء أيضا تعانين يوميا مع مشكل ندرة المياه. أما اليوم فيعيش السكان حياتهم بشكل طبيعي، ويتمكن الأطفال من متابعة دراستهم بانتظام في مدرسة القرية وتتفرغ النسوة لأشغال البيت ".
وحدات تخزينية بالطاقة الشمسية
صعدنا عبر المسالك الجبلية الوعرة إلى قرية "ايدعاشور" وهي من قرى جبل بوتمزكيدة، والتقينا هناك الشاب محمد سوسان وهو منشغل بحرث أحد حقوله في منحدرات الجبل. وعبر سوسان لــ DW عربية عن سعادته بعد تحسن الأوضاع وتوفر المياه في كل بيت بالقرية. وأتاح له الوضع الجديد الاستعانة بحماره في حرث الحقول وفي الأعمال الزراعية بدلا من استخدامه طول الوقت في جلب المياه من منحدرات الجبل وفي الآبار البعيدة عن قريته .
بجانب مدرسة ايدعاشور الفرعية، أقامت جمعية دار سي حماد وحدة لتخزين المياه المستخرجة من الضباب التي تصل القرى عبر شبكة من القنوات الأرضية على طول أكثر من 9 كيلومترات من قمة جبل بوتمزكيدة، حيث نصبت أكثر من 40 شبكة لاعتراض الضباب. وتشتغل هذه الوحدات التخزينية بالطاقة الشمسية في خطوة تؤكد مساعي القائمين على المشروع لجعله صديقا للبيئة .
جائزة أممية في كوب22
بعد النجاح الكبير الذي حققه مشروع حصاد الضباب تم تتويجه بجائزة "التشجيع للأمم المتحدة لتغير المناخ "، وتسلمت مديرة المشروع السيدة "جميلة بركاش" الجائزة السبت الماضي خلال فعاليات مؤتمر المناخ، "كوب 22" التي تقام بمدينة مراكش. ووصفت الأمم المتحدة هذا المشروع بأنه "أكبر نظام لحصاد مياه الضباب في العالم تم تشغيله بشكل عملي"، ويعتبر حلا مبتكرا يقلل من الإجهاد المائي ومستوحى من الطرق القديمة لحصاد مياه الضباب، وفق الأمانة العامة للاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغييرات المناخية .
وأقامت جمعية دار سي حماد جناحا خاص بالمشروع في أروقة كوب22 بمراكش لعرض التجربة أمام زوار المؤتمر وشرح التقنية بوسائل بسيطة إضافة الى إتاحة عينات من ماء الضباب للزوار .
محمد أكينو – سيدي افني (جنوب المغرب)