"ديمقراطيو السويد" الشعبوي .. قاب قوسين أو أدنى من السلطة
٦ سبتمبر ٢٠١٨بضعة أيام تفصلنا عن الانتخابات التشريعية المرتقبة في السويد في التاسع من أيلول/ سبتمبر الجاري. حالة من الترقب يعيشها اللاجئون والمهاجرون في البلد الإسكندنافي وعموم أوروبا خوفاً من دخول حزب "ديمقراطيو السويد"، أو كما ينعته البعض بـ"الحزب العنصري"، في الحكومة، الأمر الذي نجحت فيه أحزاب يمينية متطرفة وشعبوية في النمسا وجمهورية التشيك وإيطاليا وهنغاريا وسلوفينيا.
مكاسب في استطلاعات الرأي
تشير استطلاعات الرأي التي نشرت الأحد الماضي، قبل أسبوع من الانتخابات، إلى حصول الاشتراكيين الديموقراطيين على 23,8 بالمئة من الأصوات مقارنة بـ 31 بالمئة في انتخابات العام 2014، وديموقراطيو السويد على 20 بالمئة مقارنة بحوالي 13 بالمئة في العام 2014، فيما من المتوقع أن تتراجع حصة المحافظين إلى 17 بالمئة فقط مقارنة بـ 23 بالمئة في الانتخابات الماضية.
عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمرشح للبرلمان أميل صرصور (64 عاماً) يقول في تصريح خاص بـ "مهاجر نيوز" إن استطلاعات الرأي يوم أمس الثلاثاء (الرابع من أيلول/ سبتمبر) "أظهرت تراجع الحزب العنصري بنقطة ونصف وتقدم الاشتراكيين الديمقراطيين بنقطة".
وقد تأسس حزب "ديمقراطيو السويد" عام 1988 على يد مجموعات تؤمن بتفوق العنصر الأبيض. وتحول الحزب على يد رئيسه الحالي، جيمي أكيسون، إلى جزء أساسي في المشهد السياسي السويدي.
ودخل "الحزب العنصري" البرلمان لأول مرة في 2010 بعدما حصل على 5,7 بالمئة من الأصوات. وبعد أربعة أعوام، حصل على أكثر من ضعف النتيجة حيث فاز بـ 12.9 بالمئة من الأصوات و42 من 349 مقعداً في انتخابات 2014.
شكل الحكومة المقبلة؟
يبدو من الناحية العملية أن حزب ديمقراطيو السويد لا يتمتع بأي فرصة لدخول ائتلاف حكومي، إلا أنه سيظل يتمتع بنفوذ قوي، ويمسك بمواقع قوية في اللجان البرلمانية التي تعمل على صياغة التشريعات.
وفي الوقت نفسه، من غير المتوقع أن تفوز كتلة رئيس الوزراء شتيفان لوفين اليسارية ولا تحالف يمين الوسط المكون من أربعة أحزاب بغالبية مقاعد البرلمان. واستبعدت الكتلتان أي تعاون مع "الحزب العنصري". ومع تواجد هكذا مأزق في البرلمان في الأفق، لا يمكن التوقع كيف سيبدو شكل الحكومة السويدية المقبلة. ومن المتوقع أن تكون المفاوضات بعد الانتخابات شائكة وطويلة، ويتفق أغلب المحللين السياسيين أن السويد سينتهي بها الحال بحكومة أقلية ضعيفة.
وبدوره السياسي السويدي من أصل فلسطيني-سوري، أميل صرصور، يميل إلى الاعتقاد بحدوث أحد احتمالين في حال تحققت استطلاعات الرأي: "الاحتمال الأول تشكيل الاشتراكيين الديمقراطيين مع حزب اليسار وحزب الخضر وحزب الوسط والحزب الليبرالي الحكومة العتيدة. والسيناريو الثاني حكومة مكونة من حزب المحافظين والحزب العنصري". وفي كلتا الحالتين يرى أميل صرصور أن برنامج الحزب العنصري سيشكل "عامل ضغط" على الأحزاب الأخرى للتراجع عن سياساتها الداعمة للاجئين. وهذا ما أكده قائد الحزب لفرانس برس في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية "سنملي شروطنا ونضغط من أجل مواقفنا ... سياسة الهجرة ومحاربة الجريمة والرعاية الطبية".
وهيمن الحزب الاشتراكي الديمقراطي على الحياة السياسية في البلد الإسكندنافي في القرن الماضي، إلا أنه لم يشهد مثل هذا التراجع في استطلاعات الرأي على أبواب أي انتخابات تشريعية سابقة. وقد فسر الكثير من المعلقين ذلك كنتيجة لسياسات الهجرة التي انتهجها.
منابت ومشارب ناخبي الحزب
ينحدر ناخبو ديمقراطيو السويد بشكل أساسي من الناخبين الذين كانوا من أنصار حزب المحافظين في الماضي، لكنهم يحصلون على جزء من ناخبيهم أيضاً من القاعدة الانتخابية للاشتراكيين الديموقراطيين الراسخة بشكل قوي في اتحاد نقابات العمال. وقد يصوت ما يصل إلى ثلث أعضاء اتحاد نقابات العمال لديمقراطيو السويد، على ما ترجح استطلاعات الرأي. ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة لوند انديرس كجيلبيرغ إن هؤلاء الأعضاء "يعملون غالباً في قطاعات النقل والبناء التي توظف عمال أوروبيين بالحد الأدنى للأجور" المطبق في بلدانهم. وتابع "هذه الرواتب أقل بكثير من الرواتب التي تفرضها اتفاقات المساومة على الأجور" في السويد.
وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة ستوكهولم يانس ريدجرين إن الناخبين من متوسطي الدخل والمتقاعدين والناخبين الذين يصوتون لأول مرة كانوا سيصوتون في الماضي للاشتراكيين الديموقراطيين، لكنهم الآن يتهمون الحكومة الحالية بتعريض دولة الرفاه للخطر بترحيبه بالعديد من طالبي اللجوء، ويرون في ذلك "تهديداً اقتصادياً وثقافياً".
وفي المناطق الريفية، بعيداً عن مناطق النمو والتجديد في السويد، راق الخطاب القومي الذي يتبناه "الحزب العنصري" القومي لأعداد متزايدة من الناخبين.
في المقابل، يرى الصحفي والمهاجر السوري مرهف دويدري أن أغلبية أعضاء ومؤيدي الحزب العنصري من "اللاجئين القدامى" الذين قدموا قبل حوالي ثلاثة عقود إلى السويد. ويقدّر دويدري، في تصريح خاص بـ"مهاجر نيوز"، نسبتهم بالغالبية في الحزب، مردفاً أن أغلبهم من مهاجري أوروبا الشرقية.
وماذا بعد؟
منذ عام 2012 دخل السويد، البالغ سكانها 10 ملايين نسمة، حوالي 400 ألف طالب لجوء. وفي عام 2015 لوحده تم تقديم 163 ألف طلب منها 70384 لأطفال قصر غير مصحوبين بذويهم.
يقسّم أميل صرصور التأثيرات الملموسة، التي قد تنجم عن اكتساح حزب ديمقراطيو السويد للانتخابات، إلى "مادية وغير مادية". ويقصد بالمادية: إجراءات الحصول على اللجوء والإقامة والجنسية، والمساعدات الاجتماعية، والتسهيلات التي تساعد في الاندماج. والمقصود بغير المادية هو تضييق المساحة الممنوحة للمهاجرين في ممارسة الشعائر والأديان والعادات والتقاليد كارتداء الحجاب، والكلام دائماً لأميل صرصور.
أما الصحفي السوري والمقيم في السويد منذ ثلاث سنوات ونصف، مرهف دويدري، فيرى أنه "لا داع" لتخوف اللاجئين من قرارات قد تصدر لاحقاً بحقهم في حال تحققت استطلاعات الرأي، مفسراً رأيه بالقول: "من حصل على الإقامة الدائمة أصبح شبه مواطن إلى حين الحصول على الجنسية. ومن حصل على الإقامة المؤقتة يتوجب عليه الحصول على عمل لتجديد إقامته"، ولكنه يستدرك بأن "لا مؤشرات على عدم تجديد الإقامة المؤقتة".
ويصف دويدري "هواجس" المهاجرين بأنه مبالغ فيها، ويرجعها إلى الدعاية الانتخابية. بيد أنه يردف أن البرنامج الوحيد الذي يعتاش عليه الحزب العنصري هو "تخويف" المواطنين من "خطر" اللاجئين.
ويلقي الشعبويون والمتطرفون باللائمة على اللاجئين في ارتفاع معدلات العنف والشغب في الضواحي ويحذرون من "أسلمة" السويد. وشهدت الحملة الانتخابية هذا العام تغيراً في لهجة الخطاب العام إذ أمكن رؤية لافتات ترفع شعارات "لا لرفع الأذان".