حرب أوكرانيا خلقت نقطة تحول لألمانيا.. واقع محفوف بالمصاعب؟
٢٥ فبراير ٢٠٢٣بعد ثلاثة أيام من قيام روسيا بغزو جارتها أوكرانيا، ألقى المستشار الألماني أولاف شولتس خطابا غير مسبوق تحت قبة البرلمان "البوندستاغ" حيث تحدث عن أن الصراع سيؤدي إلى "تغير نموذجي" أو "نقطة تحول" لألمانيا. واضاف شولتس بأن "العالم لم يعد كما كان من قبل. وفي قلب النقاش تساؤلات عما إذا كانت القوات تنتهك الحقوق، وعما إذا كان بإمكاننا السماح لبوتين بإعادة عقارب الساعة إلى الخلف، إلى زمن القوى العظمى في القرن التاسع عشر أو عما إذا كنا نحشد قوتنا لوضع حدود لدعاة الحرب مثل بوتين".
مناشدة من نيويورك وتحوّل في برلين
وقبل خطاب شولتس بأيام قليلة، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السفير الروسي لدى الأمم المتحدة في نيويورك مجددا بالتخلي عن شن هجوم واسع النطاق يستهدف أوكرانيا. وفي ألمانيا، لم يكن الساسة في ذاك الوقت على يقظة حيال هذه اللحظة التي ستدفع ألمانيا نحو مسار تاريخي جديد، فيما لم يكن أكبر اقتصاد في أوروبا قادرا على تغيير هذا المسار أو تحديده. ففي تلك اللحظة، اصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأوامر لقواته بالتوغل في أوكرانيا وتحديدا صوب كييف بهدف تغيير حدود أوروبا في تحرك هو الأول من نوعه منذ تحرك الديكتاتور الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش لإنشاء "صربيا الكبرى" في غرب البلقان في تسعينيات القرن الماضي. بيد أن المخاطر كانت أكبر هذه المرة حيث تصرفت دولة عظمى تمتلك قوة نووية وهي روسيا كقوة إمبريالية بهدف التشكيك في نظام ما بعد الحرب كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة مع نهاية الحرب العالمية الثانية عقب هزيمة "الرايخ الثالث" أو "الإمبراطورية الألمانية الثالثة" بقيادة الدكتاتور النازي أدولف هتلر.
وفي خطابه، قال شولتس " إن بوتين لا يريد من خلال " غزو أوكرانيا، محو دولة مستقلة من خريطة العالم فحسب، بل يحطم أيضا النظام الأمني الأوروبي القائم منذ ما يقرب من نصف قرن على وثيقة هلسنكي"، وذلك في إشارة إلى الوثيقة الختامية التي صدرت عام 1975 عن مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا والتي مثلت نهاية سلمية للحرب الباردة في أوروبا.
وعلى وقع ذلك، تأسست منظمة الأمن والتعاون في أوروبا رسميا في الأول من أغسطس/آب 1975، وكان من المفترض بهذه المنظمة أن تعمل على إحلال السلام في المناطق التي ضمتها روسيا في اعقاب احتجاجات "الميدان" عام 2014 والتي أطاحت بالرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش الموالي لبوتين. وقال شولتس إن انسحاب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي الشامل كشف عن أن بوتين "يضع نفسه على هامش المجتمع الدولي بأسره".
مليارات لتحديث الجيش الألماني
وكانت "نقطة التحول" التي ذكرها المستشار الألماني في خطابه تعني تحديث الجيش الألماني عبر صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو، لكن بعد مرور عام، شهدت عملية التحديث بشكل خاص بطئا في صناعة الأسلحة الألمانية، فيما أرسلت برلين أسلحة إلى أوكرانياكجزء من تحول في السياسة الألمانية القائمة على تجنب إرسال أسلحة إلى مناطق الحروب والصراعات. وكشفت استطلاعات الرأي عن أن غالبية الألمان يؤيدون هذا التحول.
وفي ظل تزايد الضغوط على الحكومة الألمانية للموافقة على تزويد أوكرانيا بمركبات قتالية مدرعة ودبابات ألمانية الصنع، ظهر خلاف بين انصار المعسكر الداعم لهذا التحول وبين معارضيه فيما اضطر شولتس في نهاية المطاف إلى الوقوف أمام المشككين داخل حزبه الاشتراكي الديموقراطي.
لكنه اشترط أن تسليم المانيا لدبابات قتالية لأوكرانيا سيكون بعد موافقة الولايات المتحدة على تسليح أوكرانيا بدبابات من طراز "ابرامز" القتالية. وانعقد الشهر الماضي الاجتماع الوزاري الثامن لمجموعة الاتصال الأوكرانية بمشاركة نحو 50 دولة تشكل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لدعم أوكرانيا. وبعد ذلك بأيام قليلة، صدر القرار القاضي بتزويد أوكرانيا بدبابات قتالية غربية الصنع. ورغم ذلك، فشل شولتس في الحصول على عدد كافٍ من الدول للمضي قدما في تزويد أوكرانيا بدبابات "ليوبادر 2".
ويقول المنتقدون أن "نقطة التحول" لم تسفر عن قيام ألمانيا بأخذ زمام المباردة بل تخلفت عن الركب حيث تتصدر الولايات المتحدة المشهد ففي يونيو / حزيران الماضي، وافق مجلس النواب على تخصيص مئة مليون دولار لتدريب الطيارين الأوكرانيين على الطائرات المقاتلة الغربية.
ورغم أن قرار تسليم أوكرانيا مقاتلات لم يحسم بعد، إلا أن المناقشات جارية خاصة حيال مقاتلات إف 16 التي تعد أكثر المقاتلات الغربية انتشارا منذ الحرب الباردة. ويبدو أن ألمانيا تفتقر لأي تأثير في هذه القضية لأن سلاح الجو الالماني يستخدم بشكل أساسي مقاتلات من طراز "يوروفايتر"، فيما قال وزير الدفاع بوريس بيستوريوس في مقابلة مع DW: "لا يسعني إلا أن أقول بالنسبة لجمهورية ألمانيا الاتحادية فإن كل المناقشات تتعلق بأنواع مقاتلات لا نملكها. واستنادا على ذلك، فإن السؤال المطرح يتعلق بدول أخرى غير ألمانيا".
هل تتخلف برلين عن الركب؟
وعرضت بولندا وهولندا تزويد أوكرانيا بمقاتلات من طراز إف 16 في حالة موافقة حلف الناتو و "مجموعة الاتصال الأوكرانية" على ذلك، فيما يبدو أن واشنطن تبقي كافة الخيارات على الطاولة، بينما تتخلف برلين عن الركب. ويأتي ذلك رغم تأكيد الحكومة الألمانية عن رغبتها في تولي دور قيادي داخل القارة الأوروبية. تزامن هذا مع أبداه غالبية الألمان من تعاطف مع الشعب الأوكراني فيما استضافت البلاد أكثر من مليون لاجئ من أوكرانيا لتأتي ألمانيا في المرتبة الثانية بعد بولندا في استقبال أكبر عدد من اللاجئين الأوكران.
وخلال العام الماضي، تبرع الألمان بأكثر من مليار يورو كمساعدات طارئة لأوكرانيا.
ودفع هذا الأمر الاقتصاديين في معهد كيل للاقتصاد العالمي إلى إجراء مقارنة بين أداء ألمانيا خلال الحرب الجارية في أوكرانيا وغيرها من حروب وصراعات. وقد ذكر المعهد أن المساعدات التي قدمتها الحكومة الألمانية لأوكرانيا – على أساس الناتج المحلي الإجمالي – بلغت ثلث الأموال التي جرى إرسالها إلى الولايات المتحدة بين عامي 1990 و 1991 إبان حرب الخليج الثانية.
وخلال تلك الحقبة، لعبت "ألمانيا الغربية" ذات النفوذ الاقتصادي القوي، دورا لكنه كان ثانويا فيما يتعلق بسياسة الأمن العالمي حيث حافظت على مصالحها من خلال اتباع "دبلوماسية دفتر الشيكات". وبعد ثلاثة عقود، تتواجد الأسلحة الثقيلة ألمانية الصنع في الخطوط الأمامية في شرق وجنوب أوكرانيا، لتجد ألمانيا في موقع صعب يتمثل في توديع اعتقادها الراسخ بأنها قادرة على فرض مصالحها من خلال المال فقط.
فرانك هوفمان / م.ع