حرائق الغابات.. خسائر فادحة وتهديد للسياحة في أوروبا
٣ أغسطس ٢٠٢٣انتشرت على نطاق كبير صور سائحين وهم يفرون من نيران حرائق الغابات المستعرة في جزيرة رودس اليونانيةالتي أجبرت المئات على الفرار من القرى والشواطئ المتضررة. وهو أثار تساؤلات حول ما إذا كانت منطقة البحر المتوسط ستظل قبلة مفضلة لعشاق قضاء العطلات الصيفية هناك؟
حرائق الغابات تجتاح دول البحر المتوسط
يقول العلماء إن ظواهر الطقس المتطرفة مثل موجات الحرارة القاسية سوف تضرب أوروبا بشكل متكرر في المستقبل، وستشهد بلدان حوض المتوسط ارتفاعا في درجات الحرارة على وجه الخصوص حيث تعمل التربة الجافة على زيادة رقعة حرائق الغابات.
وكانت إسبانيا قد سجلت في أبريل/ نيسان الماضي أشد درجات حرارة، فيما سجلت اليونان أطول موجة حر خلال شهر يوليو/ تموز الماضي الذي شهد اندلاع حرائق في أكثر من 50 ألف هكتار، ما يمثل نصف مساحة برلين تقريبا.
وشهدت إسبانيا هذا المعدل من حرائق الغابات قبل ذلك وتحديدا في مطلع أبريل/ نيسان الماضي، وفقا للنظام الأوروبي لمعلومات حرائق الغابات.
ولم يكن موسم الصيف الجاري الاستثناء الوحيد في اتساع حرائق الغابات واشتداد ضراوتها، إذ أعلنت المفوضية الأوروبية عن دمار نحو 800 ألف هكتار بسبب حرائق الغابات في الاتحاد الأوروبي صيف العام الماضي.
من جانبه، قال مفوض الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، جانيز ليناركيتش، مطلع العام الجاري: إن تكلفة حرائق الغابات بلغت ملياري يورو (2.21 مليار دولار).
ولا تتسبب حرائق الغابات التي قد تستمر لأيام مع صعوبة إخمادها، في عواقب وخيمة تلحق أضرارا كبيرة بالطبيعة، بل تلقي بظلالها على مقومات الاقتصاد وسبل عيش الكثيرين من سكان هذه البلدان. وفي مقابلة مع DW، قالت سارة ماير، الباحثة في ظواهر الطقس المتطرفة والآثار الاقتصادية لحرائق الغابات في جامعة برمنغهام: عندما تتعرض الغابات لحرائق، يرافق ذلك انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي، وأضافت بأن "بيانات التوظيف في قطاع السياحة تُظهر انخفاض العمالة بعد اندلاع حرائق الغابات".
الجدير بالذكر أنه يحق لبلدان الاتحاد الأوروبي المتضررة من حرائق الغابات تقديم طلب إلى المفوضية الأوروبية لمساعدتها في إخماد الحرائق، حيث جرى نشر أكثر من 500 من رجال الإطفاء من دول أخرى لدعم جهود اليونان في السيطرة على الحرائق فيما أرسل الاتحاد الأوروبي تسع طائرات إضافية.
ويتم تغطية تكاليف ذلك من خلال الآلية الأوروبية للإغاثة في حالات الكوارث، فيما يوفر صندوق التضامن الأوروبي مساعدات مالية يمكن اللجوء إليها في دعم عمليات إعادة الإعمار.
تأثير حرائق الغابات على السياحة
يشار إلى أن قطاع السياحة والسفر يعد ركيزة الاقتصاد اليوناني إذ يشكل 20 بالمائة من الناتج الاقتصادي للبلاد، فيما تصل النسبة في إسبانيا وإيطاليا إلى 12 بالمائة و 9 بالمائة على التوالي.
وفي ضوء ذلك، حذرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني في تقرير صدر مؤخرا، من أن البلدان التي تشتهر بأنها مقاصد سياحية في جنوب أوروبا قد تفقد مكانتها على الخريطة السياحية على المدى الطويل بسبب موجات الحر وحرائق الغابات؛ وسيلقي ذلك بظلاله على الاقتصاد. وأضاف التقرير أن مكانة المناطق الساحلية كوجهات سياحية سوف تتضرر بشكل كبير في ظل سيناريوهات مختلفة من الاحترار العالمي فيما ستقف دول الشمال على النقيض من ذلك.
وفي ذلك، قال هارالد تسايس، مدير معهد أبحاث السياحة في جامعة هارتس الألمانية، إنه رغم هذه التوقعات، فإن "السياحة في منطقة البحر المتوسط لن تنهار بين عشية وضحاها"، مضيفا أنه يتوقع تغير مواسم السفر والسياحة. وقال إن السائحين سوف يفضلون قضاء الإجازات في منطقة البحر المتوسط خلال فصلي الربيع أو الخريف وليس فصل الصيف.
بدوره، قال بيترو بيريتيلي، الخبير في مركز أبحاث السياحة والنقل بجامعة سانت غالن بسويسرا، إن كثيرين "ينظرون إلى حرائق الغابات وغيرها من ظواهر الطقس المتطرفة باعتبارها أحداثا منعزلة وليست روادع، فضلا عن أن ذاكرة البشر ضعيفة" وأضاف في مقابلة مع DW، أن وجهات السياحة الأخرى مثل دبي ولاس فيغاس تظهر أن ارتفاع درجات الحرارة لا تمنع السائحين من قصدها.
طرق مبتكرة لإنقاذ السياحة
يقدم يوهان غولدامر، مدير المركز العالمي لرصد الحرائق في مدينة فرايبورغ الألمانية، عددا من الحلول المبتكرة لاحتواء حرائق الغابات على المدى الطويل، مضيفا أن التوسع العمراني وزحف المدن يؤديان إلى قلة الأراضي المزروعة، ما يعني زيادة احتمالية حدوث حرائق الغابات.
وفي مقابلة مع DW قال غولدامر إن السياحة يجب أن تكون "أكثر استدامة وتشاركية" بما يشمل إمكانية أن يساعد السائحون المزارعين اليونانيين في زراعة وحماية مزارع الزيتون أو الكروم. وقدم غولدامر مقترحات للحكومة اليونانية عقب اجتياح الحرائق جزيرة وابية، ثاني أكبر جزر اليونان، عام 2021 فيما انصب جُل تركيزه على اتخاذ تدابير للوقاية من حرائق الغابات أكثر من تعزيز قدرات مكافحتها.
وفي البرتغال، اتخذت السلطات إجراءات ملموسة بعد كارثة حرائق الغابات عام 2017 حيث مازالت عالقة في أذهان البرتغاليين صور من تفحموا وهم في سياراتهم مع ذويهم عندما داهمتهم النيران. وشملت التدابير حظر إعادة زراعة أشجار الكينا لأنها تشتعل بسهولة، فيما كشفت أحدث بيانات النظام الأوروبي لمعلومات حرائق الغابات عن أن الحرائق في البرتغال باتت أقل حدة مقارنة بإسبانيا وإيطاليا واليونان.
ليزا شتوفه / م. ع