جيل الشباب المعاصر في غزة يتجه إلى تحديد النسل
٢٣ مايو ٢٠١٤حاول تامر عمر وزوجته بعد إنجابهما طفلتهما الأولى الشروع في تحديد الإنجاب، لكن الأقدار ومشيئة الله سبقتهما، فُرُزقا طفلة أخرى. فهل طفل أو طفلين يُشبع غريزة شغف الإنجاب للزوجين؟. "في الوقت الحاضر في قطاع غزة نعم". هكذا أجاب الزوج تامر في حواره لـ DWعربية. مضيفا أنه يعمل في احد المحال التجارية، ويَعُول والديه. ويشير تامر أن متطلبات الحياة والغلاء المعيشي لا يتناسبان مع راتبه، وبالتالي "اتفقت مع زوجتي على تحديد الإنجاب بعد أن رزقنا الله والحمد لله طفلتين وسنفكر في الإنجاب بعد تحسن أحوال البلد". وتؤكد زوجة تامر هذا القرار" نتمنى أن يرزقنا الله أخا للبنتين فيما بعد".
الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية يشتهرون عالميا نسبة إلى مساحة الأرض بكثرة الإنجاب. ويصل معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة من خمسة إلى عشرة فرداً. و في عقود مضت نجد أن أفراد الأسرة تجاوزت العشرة أفراد. ويلاحظ أن ظاهرة اتجاه الشباب في غزة في السنوات السبع الأخيرة إلى تنظيم الأسرة في تزايد. ووفق بعض المختصين الاجتماعين وأطباء تنظيم الأسرة التي حاورتهم DWعربية أن فئات الشباب التي تلجأ إلى تحديد النسل" فئات متعلمة وغير متعلمة وفقيرة ومتوسطة الحال يريدون أن يعيشوا حياتهم وفق الظروف الحالية".
رغبة الآباء "كثرة الإنجاب عُزوة"
لم يكترث محمد عبد الله من رغبة وإصرار والديه بالتوقف عن إنجاب زوجته لثلاثة أطفال فقط. وتقول زوجته سماح محمد في حديثها لـDW عربية " اللي بقول إن كثرة الأطفال عُزوة ما بيتعب في تربية الأطفال وخليه يأتي لينفق عليهم بالأموال". ابتسم الزوج محمد قائلا" لا المسألة مش هيك ..أنا بائع متجول لا استطيع توفير المال للإنفاق على عدد اكبر من الأطفال ولو معي مال أنجب فقط خمسة أطفال".
يتفق مع هذا الرأي تامر عمر الذي يعتبر أن الأجيال السابقة كانت تهتم بكثرة الإنجاب " اليوم كل شيء غالي جدا، و زمان الحياة ومتطلباتها كانت رخيصة جدا، فكان كثرة الإنجاب عُزوة وسلاح وأمان للفلسطينيين". ويعتقد الأخصائي الاجتماعي سالم محمود أن نظرة الآباء "كثرة الإنجاب سلاح ديموغرافي قد انتهت". الطبيبة هدى العسولي في مركز تنظيم الأسرة في وزارة الصحة تتفق مع هذا الرأي" فكرة سلاح ديموغرافي لم تعد في وجدان شباب اليوم، نحن في زحمة وبعض الشباب عليهم مسؤوليات مع غياب توفر فرص العمل وتأثير الآباء لأبنائهم لحثهم على كثرة الإنجاب لم يعُد ذا مفعول".
تدهور الأوضاع الاقتصادية وفقدان الأمن
جميع من حاورتهم DWعربية أكدوا أن أشد وأكثر دواعي وأسباب اتجاه الشباب إلى تنظيم الإنجاب "الأوضاع الاقتصادية المتدهورة". في حديثها لـ DWعربية تندهش الطبيبة هدي العسولي من شرائح مجتمعية وشبابية مختلفة تلجأ لتنظيم الأسرة "هذا ما يثير استغرابنا ونقول للبعض عليكم التروي، لكنهم يُصرون علي ذلك". وتعزو الطبيبة هذا الإصرار؟ "لأن الكثير منهم لا يعمل ومن يعمل لديه متطلبات إنفاق على الأطفال، مترافق مع طموح متزايد لا يتناسب مع واقع الدخل المادي". فيما الأخصائية الاجتماعية والنفسية سما الهندي تشير لـDWعربية أن الأوضاع السياسية والأمنية فضلا على الاقتصادية تدفع الشباب نحو تحديد النسل مؤكدة أن " الحياة التي نعيشها في غزة تختلف عن حياة الأجيال السابقة. وأزواج اليوم لم يعرفوا طريقهم إلى المستقبل ويخشون الإنجاب بسبب فقدان الأمن الوظيفي والحياتي والخشية من عدم المقدرة على الإنفاق على أولادهم في ظل أزمات غزة السيئة".
زيادة الوعي الثقافي والانفتاح على العالم
شبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات المرئية ووسائل الإعلام المختلفة بتقدمها أثرت بشكل كبير على وعي وصحوة الشباب في غزة. فقد بدؤوا يتطلعون إلى العالم الخارجي بحياته المعاصرة، فأصبحوا يقولون "نريد أن نعيش حياتنا بكرامة وبأريحية وحرية في التنقل، لا نريد كَثرة الإنجاب حتى لا نُرهق أبنائنا ونرهق أنفسنا". رأى لكثير من الأزواج الذين يتجهون إلى مراكز تنظيم الأسرة وفق الطبيبة هدى التي تضيف "أن المشكلة التي نواجهها في اللي ما عندهم وعي لكن أكثر الشرائح التي لديها رغبة في تحديد الإنجاب هم الزوجات العاملات والمثقفون وميسورو الحال".
وعي ثقافي وانفتاح على العالم أدى إلى انسلاخ الكثير من الأزواج الشابة المعاصرة عن واقعهم الاقتصادي الصعب والحصار في غزة وفق الأخصائي الاجتماعي سالم محمود متابعا حديثه "أزواج الأجيال الماضية كانت تعيش في غرفة أو شقة في منزل أسرة الزوج، اليوم الزوجة تريد شقة مستقلة بعيدا عن أهل زوجها ويزداد الطموح بشكل غير متناسب إلى شراء ارض للبناء عليها ويتجه الزوجان إلى الاقتراض من البنوك، وهكذا عوامل تزيد من عبء الإنفاق، ما يدفع الكثير إلى تحديد الإنجاب". وفي هذا السياق يؤكد سالم أن بعض الأزواج الشابة لم تتجه إلى تحديد الإنجاب "تمسكا بالأعراف والتقاليد المجتمعية والثقافة الدينية".