جولة مصورة: مدن شرق ألمانيا– بين الماضي والحاضر
١ أكتوبر ٢٠١٠تغير واضح تحققَ بالفعل في مدن شرق ألمانيا والذي تنبأ به المستشار الألماني الأسبق هلموت كول وذلك من خلال تحديث العديد من المدن. فنرى هنا مثلاً ساحة بوتسدام الحديثة العمار في وسط برلين.
كانت الحدود الفاصلة بين برلين الشرقية والغربية تمتد عبر ساحة بوتسدام. لم تكن هذه الساحة بهذا الشكل قبل عام 1989. بل كانت هذه الساحة في عشرينيات القرن الماضي أكثر أماكن الأرض ازدحاما بطرق وسائل المواصلات والسكك الحديدية في العالم. وبعد الحرب العالمية تم إزالة كافة طرق المواصلات. وعلى مدى عقود لم تعد الساحة أكثر من مجرد أرض قفار منسية وخالية على عروشها على الحدود بين الألمانيتين السابقتين.
بدأ بناء ساحة بوتسدام في مركز برلين من جديد عام 1990 بعد أن كانت قد دُمِّرَت خلال الحرب العالمية الثانية. وقد وُوجِهَت خطط إعادة بنائها وتمويلها بانتقادات شديدة. غير أن منتقدي بنائها لم يكونوا يعرفون أن هذه الساحة المعاصرة الشكل ستجتذب ما يصل الى 100000 زائر يوميا.
صورة قديمة تظهر مباني حيّ برينتسلاوار بيرغ القديم الذي صمم في القرن التاسع عشر ليصبح حيَّاً سكنياً للطبقة العاملة. ولم يتم في الحرب العالمية الثانية إلا تدمير مبانٍ قليلة نسبياً منه. أما في عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية فقد عاش العديد من الفنانين والمثقفين في هذا الحيّ.
هذه الصورة الحديثة تظهر تغير حيّ برينتسلاوار بيرغ القديم بعد إعادة توحيد ألمانيا بشكل كبير. فـفي البداية كانت المنطقة في حالة سيئة للغاية وكانت أسعار السكن رخيصة. وأدى ذلك إلى لفت انتباه الفنانين وغيرهم من الشباب، وأصبج الحي نابضاً بالحياة وتزايدت أعداد المباني المرممة، فاجتذب المنطقة المزيد من السكان الأكثر ثراءً، مما أدى إلى ارتفاع الإيجارات ورحيل السكان الأصليين.
تحركت منذ عام 1990 جهود مبذولة لإصلاح المباني المتضررة في مدينة دريسدن. كما تم عام 2005 إعادة بناء كنيسة "فراونكيرشه" بشكل كامل. وفي دريسدن عام 2009 تمّ استبعاد رقعة الأرض الخلابة الخضراء في وادي إلبه من قائمة مواقع التراث العالمي، وذلك من قِبَل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم " اليونسكو" بسبب بناء جسر حديث فوق النهر على بعد كيلوميترين فقط من مركز المدينة التاريخي.
لمدينة درسدن تاريخ طويل كمركز للفنون والثقافة والصناعة. في فبراير 1945 دمَّرت الغارات الجوية العنيفة لقوات الحلفاء مركز المدينة بشكل كامل تقريباً. أما في عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية عادت دريسدن مرة أخرى لتصبح مدينة صناعية كبرى، وأعيد تشييد العديد من المباني التاريخية باستثناء مبنى واحد بارز ألا وهو كنيسة فراوينكيرشه.
تأسست مدينة روستوك في القرن الحادي عشر عند مصبّ مجرى نهر فارنوف على ساحل بحر البلطيق. وبوصفها كانت عضواً في الرابطة التجارية الهانزيَّة خلال العصور الوسطى، أصبحت المدينة المدينة قوية وغنية. أما خلال الحرب العالمية الثانية فقد قصفت الغارات الجوية لقوات التحالف مدينة روستوك ودمرت الكثير منها. وأثناء الحرب الباردة كان ميناء هذه المدينة نقطة الاتصال الرئيسية لألمانيا الشرقية مع العالم الخارجي.
لقد أعيد تشييدُ مركز مدينة روستوك التاريخي. كما يُعَدّ ميناؤها واحداً من أهم الموانئ الألمانية. انخفض عدد سكان المدينة من 260000 عام 1989 إلى حوالي 200000 اليوم، ولكن عدد السكان بدأ في الارتفاع من جديد.
كان مركز مدينة إرفورت بحالة جيدة في العصور الوسطى. وكما نرى من الصورة فإنه لم تـُـبذل أية جهود للحفاظ على المباني القديمة. أهمّ الرموز الأثرية للمدينة هو تجمُّعٌ مكونٌ من الكاتدرائية وكنيسة سيفيري في ساحة الكاتدرائية. بالاضافة الى وجود العديد من الكنائس يوجد أيضا كنيسٌ يهودي في مدينة إرفورت، والذي يعتبر الأقدم في أوروبا.
وهذه هي مدينة إرفورت اليوم حيث جلبت إعادة توحيد ألمانيا تغييرا اقتصادياً جوهرياً للمدينة: فحلت التجارة وقطاعات الخدمات محل الصناعة. وبحكم أنها أكبر مدينة في ولاية تورينغين فقد أصبحت إرفورت عاصمة هذه الولاية بعد الوحدة الألمانية. بل أنها صارت منذ عام 1999 مقر محكمة العمل الاتحادية الألمانية أيضأً.
كثيرا ما يخلِط الناس بين مدينة فرانكفورت الواقعة في شرق ألمانيا ومدينة فرانكفورت المعروفة في غرب ألمانيا. وهذه صورة لفرانكفورت الواقعة على نهر أودار على الحدود الألمانية البولندية. فقد كان يعيش كثير من السكان في عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية في شقق في عمارات مسبقة الصنع. وكانت هذه المساكن منتشرة على نطاق واسع جدا. وكان يتم تشييد هذه البنايات العالية من الخرسانة الجاهزة .
بعد الوحدة الألمانية انخفض عدد السكان في الكثير من مدن شرق ألمانيا، بسبب الهجرة الى غرب ألمانيا وبسبب تراجع معدلات المواليد. وانكمش عدد المباني الشاهقة في فرانكفورت في أواخر الثمانينات بمقدار الثلث، وأصبحت فارغة - كما يظهر في الصورة – ليتمّ هدمها أو تفكيكها.
حافظ قطاع الصناعات الثقيلة والتعدين خلال النظام الشيوعي في شرق ألمانيا على اقتصاد مدينة لايبتسيغ والمنطقة المحيطة بها. كما أن هناك معرضاً سنوياً يقام في هذه المدينة الواقعة في ولاية ساكسونيا وبذلك فإن العالم كان يحل ضيفا على ألمانيا الشرقية في مدينة لايبتسيغ. حركة الاحتجاج التي أدت إلى سقوط جدار برلين كانت بدايتها في لايبتسيغ وذلك بعد صلاوات يوم الإثنين في كنيسة القديس نيكولاي.
في السنوات التي تلت إعادة توحيد الألمانيتين انتقلت مدينة لايبتسيغ إلى مرحلة جديدة بعيدا عن هيمنة الصناعات الثقيلة. ورغم التلوث الذي حدث جرّاء ذلك نهضت المدينة على قدميها من جديد.
نجا جزء كبير من مدينة غورليتس من الحرب خلال تدمير الحرب العالمية الثانية. ولذلك، فإن المباني التاريخية حافظت على قوامها رغم مرور الزمن. ولكن المال لازم من أجل الترميم والصيانة. كان المال غير متوفر بالقدر الكافي حتى عام 1989. فالحكومة الألمانية الشرقية كانت تفضل استثمار الأموال في عاصمتها.
و بعد الوحدة أنفق الكثير من المال والجهد لاستعادة رونق واجهات المباني القديمة. وبالفعل أُوتيَت هذه الجهود أكلها. وأصبحت مدينة غورليتس الألمانية الشرقية واحدة من أكثر مدن أوروبا محافظة ً على صورتها التاريخية في وسط أوروبا. فقد تم ترميم ما مجموعه أكثر من 3000 نصب تذكاري.
كانت مدينة فايمار مركزاً للأدب الكلاسيكي. فقد استقرَّ فيها الأدباء مثل يوهان فولفغانغ فون غوته و فريدريش شيلـَـر، وأحيانا الملحنون مثل ليزت وفاغنر. في هذه المدينة تم تدوين أول دستور للجمهورية الألمانية الأولى، وهذا هو السبب في أن ألمانيا في السنوات بين 1919 – 1933 كانت تسمى بـِــ "جمهورية فايمار".
يقطن فايمراليوم حوالي 60000 نسمة. بالإضافة إلى الآلاف من السياح الذين يشاهدون بعناية المباني المرممة التي أصبحت مصنفة ضمن الإرث العالمي من قبل اليونسكو.
إلى جانب منزل غوته الواقع في شارع "فراونبلان" ومنزله القريب الآخر الواقع في حديقة "إلم"، وإلى جانب كنيسة المدينة وفيلا "ساوكِل، يعتبر مسكن الأديب والشاعر شيلـَـر من أكثر المباني زيارة ً في مدينة فايمر. لهذا المسكن العنوان البريدي: "شيلـَـر شتراسه 12"، وكان عنوان الشارع قبل إعادة تسميته يسمى "شارع المتنزه". تم ترميم المنزل عام 1985.
يكفي طلاء منزل شيلـَـر من وقت إلى آخر ليكتسيَ حُـلــَّــة ً جديدة جذابة. فهو اليوم جزء من مجموعة مباني "فايمار" الكلاسيكية المنتمية إلى قائمة الإرث العالمي لليونسكو.
إعداد: علي المخلافي
مراجعة: هبة الله إسماعيل