جهود دولية مكثفة لمكافحة ظاهرة عمل الأطفال
١٤ يونيو ٢٠٠٦وسط حمى كأس العالم، تريد منظمة العمل الدولية رفع البطاقة الحمراء في وجه عمل الأطفال. ومن الفاعليات، التي نظمتها المنظمة لزيادة وعي الناس بهذه القضية، دعوة عدد الشخصيات الرياضية في مقدمتهم روجيه ميلا، أسطورة كرة القدم، أثناء الاحتفال بهذا اليوم في جنيف بسويسرا، بالإضافة إلى العديد من البرامج الفنية والأفلام التسجيلية والمنتديات والمحاضرات التي تعرض في مئة دولة بهدف التوعية بالمشكلة، وتحمل هذه الأنشطة شعار: "نهاية عمل الأطفال، معاً نستطيع أن نصل إلى هذا الهدف". في هذا الإطار عبر رئيس المنظمة سومافيا عن تفاؤله بتحقيق هذا الهدف قائلاً: "لقد أكد الكثيرون على أن هذه المهمة مستحيلة، وأن عمل الأطفال قدر حتمي، لكن هذه الحركة العالمية ضد عمل الأطفال أثبتت خطأهم. هذه البطاقة الحمراء التي نريد رفعها ليست مجرد رمز، ولكنها وسيلة لتقوية عزمنا في معركتنا من أجل الدفاع عن حق كل طفل في أن يعيش طفولته".
ويوافقه الرأي فرانك هاجيمان، من منظمة العمل الدولية، الذي يقول: "كثيراً ما تطلع المرء إلى ذلك كهدف بعيد، مرتبط بالفقر، وقيل أننا لا يمكن أن نصل إلى حل دون أن يسود الرخاء العالمي، إلا أن الأمر قد بدأ في التحسن"، فلقد أظهرت الإحصائيات الأخيرة التي قامت بها مجموعة العمل معه أن نسبة الأطفال العاملين قد تراجعت بنسبة11 بالمائة بين عام 2000 وعام 2004 دون نجاح في محاربة الفقر في العالم. "لكن الأرقام مازالت مفزعة" كما يقول هاجيمان، فمازال هناك نحو 218 مليون طفل يعملون في الدول المختلفة، من بينهم 126 مليون يعملون في ظل ظروف غاية في الصعوبة والخطورة، كالمناجم أو المحاجر أو أعمال الخدمة في المنازل أو في أعمال البغاء.
"ختم" ضد عمل الأطفال
منذ قديم الزمن والأطفال يستغلون للعمل، وخاصة في صناعة الغزل والنسيج. بالطبع تغير الوضع في التسعينات، كما تؤكد باربارا كوبرز من منظمة "تير ديز وم Terres des Hommes" المعنية بشئون الأطفال، حيث توقفت المصانع الكبرى التي تورد الملابس للشركات المشهورة عن تشغيل الأطفال. الكثير من هذه الشركات الكبرى التزم بهذا الأمر منذ انطلاق حملة "من أجل ملابس نظيفة" والتي كانت تدعو إلى عدم استغلال الأطفال في أعمال النسيج، إلا أن المحلات التي تبيع بأسعار مخفضة لم تشارك في هذه الحملة. ويعد تخصيص ختم محدد للسجاد الذي لم يشترك في صنعه أطفال أيضاً محاولة للتقليل من عمل الأطفال. في الهند تصدر نسبة 15 بالمئة من السجاد المنتج، بينما تصدر نيبال أكثر من 50 بالمئة من إنتاجها، وحتى الآن مازالت هذه المبادرة باستخدام الختم الخاص متوقفة على نيبال والهند وباكستان، وتقول كلوديا بروك المتحدثة عن جمعية "ترانسفير Transfair"، التي تقدم هذا الختم: "المشكلة تكمن في أن تطبيق نظام لأختام يتطلب وجود منظمة غير حكومية قوية حاضرة في مواقع التطبيق"، فمن المهم لضمان حل المشكلة تقديم حل بديل لهؤلاء الأطفال كما يعد تقديم المشورة المستمرة لهم أمراً لا غنى عنه، لأن تأثير المستهلكين الغربيين على عمل الأطفال يعد في النهاية تأثيراً بسيطاً، إذ أن 5 بالمائة فقط من الأطفال العاملين يعملون في قطاعات مهمة بالنسبة للتصدير. "إذا لم تهتم هذه الحملات في الوقت نفسه بتوفير أماكن تعليم مناسبة للأطفال، تكون بالتالي تضرهم ولا تنفعهم"، تقول باربارا كوبرز من جمعية "تير ديز وم". هناك نحو 100 مليون طفل لا يذهبون إلى المدرسة الابتدائية، والعمل على التقليل من هذا العدد هو أول الطريق للعمل على التقليل من عمل الأطفال، كما ظهر في دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية: "في العديد من الدول يؤدي التعليم الإجباري حتى سن الرابعة عشر إلى القضاء على عمل الأطفال".
أين الحكومات من هذه الظاهرة؟
وظروف عمل الأطفال تختلف من دولة لأخرى: ففي جنوب أفريقيا مثلاً يضطر الكثير من الأطفال "يتامى مرض الإيدز" إلى العمل حتى يمكنهم الحياة، وفي فيتنام يعمل الكثير من اللاجئين القادمين من بورما، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فدائماً ما يعمل أبناء المهاجرين القادمين من أمريكا اللاتينية في مزارع الفواكه. ويقول ألوك فايبيي، رئيس المنظمة غير الحكومية الهندية "المسيرة الشاملة ضد عمل الأطفال Global Mrach Against Child Labour": "عادة ما يكون هؤلاء الأطفال من الطبقة الأدنى". وبالرغم من أن الوعي بالمشكلة قد زاد في السنوات الماضية في الهند، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة غير كافية للقضاء على هذه الظاهرة، فحتى الآن لا يمكن لكل الأطفال الذهاب إلى المدارس ويضيف فايبيي: "أيضاً عندما تجد حملات التفتيش أطفال يعملون، لا توقع أية عقوبة على صاحب العمل". أما في إفريقيا، فيضطر واحد من كل أربعة أطفال إلى العمل، وهناك تهتم الحكومات بشكل أكبر بهذه المشكلة، ففي أوغندا مثلاً، خصصت الحكومة هيئة خاصة للاهتمام بالقضاء على عمل الأطفال، تعمل بالتعاون مع المنظمات العالمية، كما يوضح أندرو ماوسون، مدير قسم حماية الأطفال في منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف". وفي مجال الزراعة هناك مساعي لتحسين الوضع، أما بقية المجالات فمازال هناك الكثير الذي يجب عمله: "من المنتشر جداً أن يعمل الأطفال في الخدمة في المنازل، مجال يسهل فيه استغلالهم". في أوغندا، يعمل حوالي 2.7 مليون طفل، من بينهم 1.8 يعملون في ظروف سيئة. الإصلاحات تستحق ما يمكن أن يصرف عليها، فإذا تم استثمار المال للقضاء على عمل الأطفال وتمويل تعليمهم، سيتكلف الأمر نحو 760 مليار دولار. هذا المبلغ الضخم يمكن استثماره بعد ذلك عن طريق تكوين كوادر عمل متدربة، وهو ما سيجلب 5106 مليار دولار. وبعيداً عن النواحي الإنسانية، فحتى من الناحية الاقتصادية يستحق الأمر الاستثمار، إذ أنه سيجلب أكثر من 7 أضعاف ما يتم صرفه.