جدلية "الديني" و"العلماني" في إعلام ما بعد الثورات العربية
٢١ يونيو ٢٠١١في إطار الموضوعات التي اقترحها المنتدى العالمي للإعلام الذي تنظمه مؤسسة دويتشه فيله الألمانية والذي انطلقت فعالياته يوم الاثنين (20 حزيران/ يونيو 2011)، نُظمت ندوة خاصة حول تجاذب القوى الدينية والعلمانية وتأثير ذلك على وسائل الإعلام في العالم الإسلامي. وشارك في الندوة كل من وفيق خالد إبراهيم الناطور المعروف باسم خليل شاهين، وهو صحافي وخبير إعلامي فلسطيني من رام الله، وأستاذة في كلية العلوم السياسية والاقتصادية في جامعة القاهرة الدكتورة هبة رؤوف عزت، وسميه دونبار، وهو صحفي في جريدة "حريات التركية". وفي البدء تم تناول مسألة تعريف "الإعلام الإسلامي"، وإذا ما يمكن الحديث عن "إعلام مسيحي" أو "إعلام بوذي". وتساءلت الدكتورة هبة عزت عن نجاعة هذا المصطلح، وعما إذا كان يحيل إلى فضاء جغرافي أم ديني أم المقصود به منشورات جامع الأزهر أو القنوات الدينية السعودية؟
الربيع العربي خلط الأوراق
وفي حديث خاص لدويتشه فيله على هامش هذه الندوة قال الخبير الإعلامي الفلسطيني خليل شاهين إن "حركة التغيير في العالم العربي أعادت خلط الأوراق وأجلت عدداً من الصراعات الإيديولوجية كتلك التي تميز العلاقة بين العلمانيين والإسلاميين". وأضاف أن "القضايا الرئيسية المطروحة على جدول أعمال الربيع العربي هي الحرية والديمقراطية وتداول السلطة". إلا أن المتداخلين في الندوة أجمعوا على أهمية الإعلام التقليدي منه والجديد في صناعة الرأي العام، باعتباره أداة لصياغة رؤية الإنسان للعالم. كما أن وسائل الإعلام التي تحدد توجهاتها التحريرية إيديولوجيا دينية تواجه مشكلاً معقداً إذا كانت تريد أن تنخرط في نظام ديمقراطي ليبرالي ويتعلق بحرية الرأي والتعبير والمساواة بين الرجل والمرأة.
وتناولت المداخلات في الندوة أيضاً بعض نماذج الإعلام الموجه دينياً، كتلفزيون الأقصى التابع لحماس والذي يبث أشرطة فيديو تتهم بالعداء للسامية، أو قنوات تبث من السعودية لنشر المذهب الوهابي الذي يوصف بالمتشدد. من جهتها أكدت الدكتورة هبة رؤوف عزت على الدور الاستقطابي الذي يلعبه الإعلام في تأجيج الصراع بين المسيحيين والمسلمين في مصر، مشيرة إلى أن "ثورة ميدان التحرير برهنت أن مطالب المصريين من أجل الكرامة والديمقراطية واحدة كيفما كان انتماؤهم الديني". وأشارت أيضاً إلى الدور المحوري الذي لعبه هذا الإعلام خلال التصويت على التعديلات الدستورية، حيث اعتبرت أن كل "من صوت لصاح التعديلات فهو إسلامي، وكل من صوت ضدها فهو علماني". وترى الخبيرة المصرية أن هذا التصنيف يختزل واقعاً أكثر تعقيداً في ظل ممارسة إعلامية تفتقد أحياناً إلى الدقة المهنية.
فرصة لإدماج الإسلام الوسطي
أما خليل شاهين فيرى أن "المسار الحالي الذي تشهده الثورات العربية لا يشير إلى وجود صراع بين العلمانيين والإسلاميين، وإنما هناك صراع مع أنظمة الاستبداد القائمة". ويشير شاهين إلى أن الحالة الفلسطينية تبدو أكثر تعقيداً بالمقارنة مع بقية البلدان العربية، واعتبر أنه "لا يمكن أصلاً الحديث عن مجتمع علماني ومجتمع إسلامي سواء في غزة أو في الضفة الغربية". وشكك الباحث الفلسطيني في مداخلته في نجاعة التمييز بين حركتي فتح وحماس على أساس ديني محض، وذكر بأن حركة فتح هي التي وضعت قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمن تمييزاً صارخاً بين الرجل والمرأة. وأضاف أن "فتح هي التي تصر على وجود وزارة للأوقاف والشؤون الدينية تتدخل في شؤون المساجد".
وخلص الباحث الفلسطيني إلى أن كل هذه المعطيات لا تشير إلى وجود مجتمع علماني في الضفة الغربية فبالأحرى في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس. وطرح المتدخلون تساؤلات حول دور تلفزيون الأقصى الذي توظفه حركة حماس كأداة للدعاية ولنشر العداء للسامية، إلا أن خليل شاهين اعتبر أن توجه هذه القناة يجب النظر إليها من زاوية سياسية بالأساس وليس دينية.
على المستوى العربي رأى عدد من المتدخلين أن الثورة المصرية كانت طليعية في إعادة طرح قضايا ومطالب القوى الديمقراطية بما فيها العلمانية، ما دفع جماعة الإخوان المسلمين إلى تبني بعض مطالب القوى العلمانية كالديمقراطية والتعددية. أما في تونس فيبدو أن وسائل الإعلام لعبت دوراً مهماً في إثارة أهمية المبادئ العلمانية في تحديد هوية هذا البلد وإن "كانت هناك محاولات للارتداد على بعض المكتسبات العلمانية" على حد تعبير شاهين.
حسن زنيند
مراجعة: عماد غانم