ثماني سنوات على الاحتجاجات بسوريا: لماذا لم يأت التغيير؟
١٥ مارس ٢٠١٩"يجب أن تبقى سوريا على رأس جدول أعمال المجتمع الدولي"، هذا ما دعت إليه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني خلال مؤتمر الدول المانحة لجمع مساعدات للشعب السوري. ويتزامن انعقاد المؤتمر مع مرور ثماني سنوات على بدء الاحتجاجات التي طالبت بالتغيير الديمقراطي في بلد أصبح خلال هذه السنوات ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية، ويشهد حربا أهلية خلّفت أكثر من 360 ألف قتيل وملايين النازحين واللاجئين بالإضافة إلى دمار هائل في البنى التحتية.
كما تتزامن الذكرى الثامنة لبدء حركة الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد مع هجمات روسية على إدلب، المعقل الأخير للمعارضة التي فقدت غالبية الأراضي التي سيطرت عليها خلال هذه الأعوام منذ التدخل الروسي إلى جانب النظام في أيلول عام 2015. ويعكس الوضع في شمال سوريا مدى تعقيد النزاع في هذا البلد خصوصاً مع تدخلات عسكرية من دول أجنبية لها مصالح متباينة، لعل آخرها كان التدخل التركي في عفرين في بداية عام 2018.
وتحل الذكرى الثامنة لبدء الأزمة السورية في وقت يلتقط فيه تنظيم "داعش" أنفاسه الأخيرة بعد اقتراب "لحظاته الأخيرة"، كما تقول "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من واشنطن، والتي تسيطر على حوالي ثلث مساحة سوريا في مناطق شرق نهر الفرات.
"وحشية النظام ودعم حلفائه له"
ورغم التصريحات الدولية المستمرة منذ ثماني سنوات بضرورة الوقوف إلى جانب الشعب السوري، إلا أنه لم يحصل حتى الآن أيّ تحول ديمقراطي في بلدهم. ويرى الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري المعارض عبدالباسط سيدا أن هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى فشل التحول الديمقراطي حتى الآن. ويقول في حديث لـ DW عربية: "هناك أسباب داخلية تتعلق بالمعارضة والنظام في الوقت نفسه، وأسباب إقليمية ودولية".
وعن الأسباب التي تتعلق بالنظام السوري، يقول سيدا: "النظام تعامل مع البلد بعقلية العصابة وهي أنه يستطيع فرض السيطرة على البلاد بقوة السلاح".
وتوافقه في ذلك هدى الزين، الباحثة في جامعة كولونيا الألمانية، والتي تؤكد في حديثها لـ DWعربية على ضرورة ترتيب أسباب "الفشل المرحلي" في تحقيق التحول الديمقراطي. وتقول الباحثة الألمانية السورية: "السبب الأول هو طبيعة النظام واحتكاره المطلق للسلطة بالإضافة إلى وحشيته في ممارسة العنف"، وتضيف: "والسبب الثاني هو وقوف دول إلى جانب النظام ومنعها سقوطه في وقت وصل فيه إلى مرحلة لم يستطع فيها المقاومة ضد الثورة"، في إشارة إلى روسيا وإيران.
"فشل المعارضة"
أما فيما يتعلق بالمعارضة فترى الزين أنها أيضاً تتحمل مسؤولية "الهزيمة" التي تصفها بـ "المرحلية". وتقول: "فشلت المعارضة في تأسيس تنظيم أو كيان يستطيع كسب قاعدة شعبية أوسع، ويكون قادراً على حمل أهداف كل أطياف الشعب في تحقيق التغيير الديمقراطي".
ويعترف سيدا، الذي كان رئيسا لأكبر تجمع معارض (المجلس الوطني) بـ "فشل المعارضة في تجسيد مطالب الشعب وصياغتها واتخاذ القرارات والمواقف المطلوبة في الوقت المناسب". ومن أحد أخطاء المعارضة، كما يرى سيدا، هو "عدم القدرة على التعامل مع الملفات الوطنية كما ينبغي"، ويتابع: "كان بمقدورنا التعامل مع العلويين والمسيحيين والكرد والدروز بشكل أفضل".
ويعتبر الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري المعارض أن أخطاء المعارضة "تراكمت" حين تم الانتقال إلى العمل العسكري "دون قرار واضح من القيادة السياسية"، ويضيف: "بدأ العمل العسكري بشكل عشوائي، ما فتح المجال لتدخّل القوى الإقليمية والدولية بعيداً عن إرادة السوريين".
كما انتقدت الزين ما وصفته بـ "ارتباط المعارضة بأجندات خارجية" معتبرة إياه "أحد الضربات القاصمة للثورة والتحول الديمقراطي في سوريا".
"قراءة المعارضة للوضع كانت سطحية"
ويعترف سيدا بأن قراءتهم، كمعارضة، للأوضاع كانت "سطحية"، ويضيف: "كنا نعتقد في البداية أن المجتمع الدولي قد قرر اعتماد حل استراتيجي لمساعدة شعوب المنطقة على الانتقال إلى الديمقراطية، إلا أن هذه القراءة كانت متسرّعة ونحن نتحمّل ذنب قراءتنا الخاطئة".
ورغم أن سيدا يرى أن الأسباب الداخلية لعبت دوراً في فشل الوصول إلى تحول ديمقراطي حتى الآن، لكنه يشدد على العوامل الإقليمية والدولية لعبت دوراً أكبر، ويضيف: "حتى الآن لا توجد إرادة دولية حقيقية لحل الأزمة في سوريا".
وتتفق معه الباحثة في جامعة كولونيا هدى الزين والتي ترى أن الدول الكبرى "لم ترغب بتغيير بنية الحكم السياسي في سوريا بسبب مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية"، مشيرة إلى أن أمن بعض الدول في المنطقة وخصوصاً أمن إسرائيل لعب دوراً في ذلك.
أما فيما يتعلق بمستقبل سوريا على المنظور القريب، فيعتقد سيدا أن الوضع الحالي القائم على تقاسم مناطق النفوذ سيستمر، ويضيف: "في الشمال الشرقي أمريكا وفي الشمال الغربي تركيا وفي منطقة الساحل ودمشق وما حولها روسيا وإيران". بيد أنه لا يفقد الأمل تماما إذ يشير إلى أن واجب "الأصوات الديمقراطية" في هذه المرحلة هو التركيز على العامل الذاتي والوطني، ويتابع: "لا توجد حلول سحرية، خاصة بعد كل ما حدث، إذ مازال المشوار أمامنا طويلاً".
محيي الدين حسين