يهود تونس: رفض السياسة لصالح التعايش
١٨ مايو ٢٠١٤تزامنت فعاليات حج الغريبة لهذا العام مع الضجة الكبيرة التي أثيرت بعد مساءلة وزيرة السياحة التونسية أمال كربول حيث وجهت لها اتهامات بنهج سياسة التطبيع مع إسرائيل بعدما سمحت بدخول عدد من السياح الاسرائيليين إلى تونس دون تصاريح بالدخول ودون جوازات سفر.
اتهامات بالتطبيع
مساءلة كربول أدت إلى تراجع عدد الحجوزات المرتبطة بالإقامة، غير أن عدد الوافدين ظل مرتفعا حتى بالمقارنة مع السنوات الثلاث الاخيرة التي عقبت الثورة التونسية.
بيريز الطرابلسي رئيس جمعية كنيس الغريبة الذي يدير المعبد منذ 1964 يملك وكالة أسفار، يصرح أن أصدقاءه من اليهود لم يكفُّوا عن الاتصال به حتى آخر لحظة للتأكيد على رغبتهم في زيارة كنيس الغريبة خلال موسم هذا العام.
يقول بيريز الطرابلسي في حوار مع DWعربية :"كان من المفترض أن يكون موسم هذا العام أحسن بكثير من سابقيه لكن مساءلة وزيرة السياحة الأخير في المجلس التأسيسي عملت على سحب بعض الحجوزات، حيث تراجع البعض عن فكرة المجيء لجربة لزيارة الغريبة، ورغم ذلك فإن عدد الوافدين وصل الى 1500 يهوديا جاؤوا من بلدان مثل فرنسا وإيطاليا وإسرائيل ".
الشاب اليهودي إيليا أريال المنحدر من جزيرة جربة ويعيش منذ صغره هناك قام دائما بزيارة معبد الغريبة. وعن موقفه من انتقادات التطبيع الموجهة ضد وزيرة السياحة وبالتالي ضد الحكومة التونسية يقول في لقاء مع DW / عربية: "علاقة اليهودي بالمسلم هنا في جربة علاقة عمل وأخوة، ليس من اختلاف في التعايشِ بيننا أبدا .الناس يخلطون دائما بين اليهودية والصهيونية. لا دخل لنا بالصهيونية. نحن هنا في جربة مواطنون يهود مثل كل العرب المسلمين، وبطاقة هويتنا تونسية."
ويضيف قائلا: "لا أفهم هذه الهجمة ضد إسرائيليين يدخلون تونس في وقت نحتاج فيه إلى سياح أجانب كيفما كانت جنسياتهم. نحن نفكر في تجارتنا وسياحتنا .وهناك فلسطينيون يدخلون تونس بجوازات إسرائيلية. فلماذا كل هذه الضجة!"
موقف أريال لا يختلف كثيرا عن مواقف غيره من المواطنين اليهود في جربة. ففي سوق الصاغة الذي يكثر فيه تجار يهود إلتقينا بابن كبير أحباط اليهود في جربة يانيف بيتان .
ويعبر يانيف عن سعادته لقيام عائلته بزيارته خلال فترة زيارة كنيس الغريبة ويصرح ل DW / عربية :"أجواء الغريبة جميلة. نستقبل فيها عائلاتنا من الخارج ويلتئم الشمل، نزور المعبد ونقيم فيه الصلاة ونقرأ التوراة ونحتفل. ليس هناك أي مشكل في التعايش بين الديانتين. لا دخل لنا في السياسة ولا تعنينا مسالة التطبيع أو غيرها من المشاكل، نحن نصلي لكي يعم السلام في العالم كله ونأسف دائما لما يحصل بين إسرائيل وفلسطين . في مقدمة صلواتنا نبدأ بالدعاء بالسلام، والتوراة يحث على التسامح والسلام "
طقوس حج الغريبة
في كنيس الغريبة الذي استخدمت في بنائه قطع حجارة من هيكل سليمان الأول، توجد إحدى أقدم نسخ التوراة في العالم.
حي زعفرانة، شاب يهودي ولد في العاصمة تونس وهاجر قبل عشر سنوات لفرنسا لإتمام دراسته هناك، جاء هذا العام مع امه لزيارة معبد الغريبة. ورغم أنه لايمارس شعائر الديانة اليهودية، فلا يفوت فرصة المجيء للمعبد من اجل القيام بمراسم الزيارة وإضاءة الشموع وإقامة صلوات وأدعية داخل الكنيس للحصول على بركات حاخاماته .
كتب حي امنياته على بيضة وأودعها المغارة داخل الكنيس: فبحسب الأسطورة، تتحقق كل الاماني التي يدونها الزوار على البيض الذي يضعونه في مغارة الكنيس. وهو ما جعل بعض المسلمين من سكان جربة يعتقدون في "بركة" كنيس الغريبة فيشاركون المواطنين اليهود في طقوسهم. والتقينا في باحة الكنيس بفتاتين تونسيتين مسلمتين جاءتا من العاصمة تونس لتدوين امنياتهما على البيض بدوام الصحة والتوفيق في العمل و الزواج قريبا .
فخر المواطنين اليهود بانتمائهم لتونس
غادرنا كنيس الغريبة حيث تقام فعاليات الزيارة السنوية وتوجهنا نحو الحارة الكبيرة التي تعتبر أكبر تجمع لليهود في تونس. يسكن هذه الحارة حوالي الف يهودي أصلهم من جزيرة جربة ويرفضون الرحيل الى اسرائيل او إلى أي بلد اخر حيث إنهم فخورون بالانتماء لتونس .
و لئن خشي البعض من ظهور نزعة معادية لليهودية في تونس بعد صعود الاسلاميين إلى الحياة السياسية هناك وانتشار تيارات إسلامية متشددة، فلم يبدو لنا وجود هاجس أو مشاعر خوف لدى اليهود والمسلمين الوافدين إلى كنيس الغريبة أو في الحارة الكبيرة.
في بيت يعقوب، حداد يهودي من جزيرة جربة، يلتقي أفراد عائلته، ومن بينهم أخوته الذين قدموا من فرنسا. وتوجهنا بالسؤال له إن كان يخشى تحركات التيارات السلفية هناك فأجاب ل DW / عربية قائلا: « ليس هناك من خوف بعد صعود التيارات الاسلامية وليس لنا حتى مع السلفيين أي مشكل. منذ ايام قليلة اشتغل عامل سلفي في النزل الذي أديره. وليس هناك من مشكل في التعامل مع بعضنا البعض في الحياة اليومية."
ثم يضيف يعقوب حداد ل DWعربية في حديثه عن كنيس الغريبة:" إنها فرصة للزيارة ولتجمع العائلة وليس هناك من تخوفات أمنية، حيث يسيطر الامن التونسي على الامور هنا .شعب تونس كله طيب ونحن نتعايش بشكل كبير مع إخوتنا من المسلمين في جربة ونتبادل الزيارات ونتشارك الأفراح. كلنا تونسيون، نختلف فقط في الديانة، واليهودية أقرب إلى الإسلام في عاداتها وعباداتها وتقاليدها من أي ديانة اخرى."
أما المواطن المسلم سامي الحاج ابراهيم فهو صديق ليعقوب منذ عشرين عاما ، وينحدر أيضا من جربة . عندما سمع سامي أننا نتحدث عن التعايش بين اليهود والمسلمين في جربة تدخل قائلا: «نحن إخوة ويعقوب أعز اصدقائي منذ سنوات طويلة. ليس هناك أي فرق نحن في جربة يد واحدة، فحتى في الثورة وقفنا يدا واحدة "