تناشد أبناءها في الخارج.. تونس تحت وطأة أزمتين صحية وسياسية!
١٢ يوليو ٢٠٢١تعيش تونس محنة غير مسبوقة بسبب الأعداد القياسية اليومية للإصابات والوفيات جراء تفشي فيروس كورونا. إذ سجلت حصيلة إصابات يومية قياسية في أكثر من مرة على مدار الأسبوعين الأخيرين، كانت أقصاها قرابة عشرة آلاف إصابة بتاريخ السادس من يوليو/ تموز الجاري.
هذا التفشي السريع للفيروس ولد ضغطا كبيرا على المستشفيات العمومية ذات البنية التحتية المتداعية في معظمها، في ظل النقص الكبير في أسرة الإنعاش والأوكسجين والتجهيزات الطبية الأخرى. في تصريح سابق لها قالت، نصاف بن علية المتحدثة باسم وزارة الصحة "نحن في وضعية كارثية، المنظومة الصحية انهارت. لا يمكن أن تجد سريرا إلا بصعوبة كبيرة. نكافح لتوفير الأوكسجين. الأطباء يعانون إرهاقا غير مسبوق"، وأضافت أن "المركب يغرق" داعية الجميع إلى توحيد الجهود.
بعد إعلان وزارة الصحة التونسية انهيار المنظومة الصحية للبلاد، أطلق تونسيون وسم #تونس_تستغيث، على منصات التواصل الإجتماعي ولاقى الوسم تفاعلاً كبيراً.
من داخل تونس ساهم عدد من المواطنين والمتطوعين من أطباء و صيادلة وتجار وجمعيات وحتى عاطلون عن العمل في مبادارات فردية أبرزها بناء مستشفيات ميدانية مثل المستشفى الذي تم بناؤه في مدينة الزهراء بتونس العاصمة خلال أقل من أسبوع بجهود محلية وبتجهيزات عصرية، حسبما اعلن رئيس البلدية محمد ريان الحمزاوي في فيديو نشره على صفحته على فيسبوك.
وأضاف أن المستشفى الميداني جاهز لاستقبال المرضى انطلاقا من اليوم. هذه المبادرة لاقت استحسانا واسعا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي ودعوا إلى تكثيف الجهود وتكرار التجربة في باقي المدن التونسية.
من ينقذ تونس؟
منذ الإعلان عن انهيار المنظومة الصحية سارعت دول عربية منها مصر والإمارات والسعودية وقطر إلى تقديم يد العون لتونس وذلك بإرسال مساعدات عاجلة ودعم جهودها في مكافحة الوباء، ووعدت دول أخرى مثل الجزائر وليبيا بالمساعدة. إضافة إلى ذلك بادرت دول أوروبية منها ألمانيا وفرنسا إلى إرسال معدات وتجهيزات طبية إلى تونس.
كما ناشدت تونس رعاياها المقيمين في فرنسا المساهمة في مساندة النظام الصحي في بلادهم في ظل التبعات الكارثية الناجمة عن أزمة تفشي وباء كورونا. وحثّت السفارة التونسية، في منشور باللغة العربية على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، التونسيين المقيمين بفرنسا على المساهمة في "دعم المؤسسات الصحية التونسية في هذا الظرف وذلك من خلال اقتناء تجهيزات ومعدات طبية وشبه طبية ضرورية لفائدتها أو تقديم مساعدات مالية".
من جهة أخرى أعلنت جمعيات تونسية في دول أوروبية مختلفة عن إطلاق حملة دعم لإنقاذ البلاد من الوضع الوبائي الحرج في تونس. من بين هذه الجمعيات، جمعية الزيتونة في مدينة ديسلدورف في ألمانيا التي أطلقت إلى جانب جمعيات أخرى حملة لشراء 300 جهاز مكثف الأوكسجين لإرسالها إلى تونس دعما للمستشفيات.
وقد تم إرسال مائة جهاز إلى تونس لحد الآن، حسبما أفاد به رئيس الجمعية، أحمد القاطري في مقابلة له مع DW عربية. أما عن الجهود التي يساهم بها المجتمع المدني التونسي في ألمانيا، فقد أوضح القاطري أن هذه الجهود تنقسم إلى نوعين: الطبي وهوعن طريق العمل على توفير مستلزمات طبية وإرسالها إلى تونس، وقال "في الوقت الحالي يتم التركيز على توفير مكثفات الأوكسجين وقد قامت جمعيات أخرى بجمع التبرعات من أجل شرائها.
من جهة أخرى تبنت جمعيات أخرى الاهتمام بالجانب الإجتماعي والعمل على تقديم المعونات الاجتماعية في شكل تحويلات مالية للعائلات المعوزة التي تضررت من الوباء ومن الحجر الصحي".
لكن ورغم هذه المساعدات، يشتكي البعض من البيروقراطية والفساد اللذين قد يحولان دون وصولها للمحتاجين. من جهته أكد القاطري أنهم يعملون بالتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني داخل تونس وأنهم يسلكون الطرق المعتمدة لإيصال المساعدات وضمان وصولها للمستفيدين، وقال "نعمل بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني في تونس التي تشكل الخط الأول قبل أن تصل المعدات الطبية مثلاً إلى وزارة الصحة والمستشفيات الجهوية والهلال الأحمر أو مباشرة إلى الناس في منازلهم كي لا يضطروا للذهاب إلى المستشفيات. وبهذا نقوم بتخفيف العبء عن المنظومة الصحية للبلاد والدولة".
جائحة كورونا كشفت سوء الإدارة السياسية!
بعدما نجحت في احتواء الموجة الأولى العام الماضي، تواجه السلطات التونسية حاليا صعوبة في التصدي للإصابات. فقد فرضت عزلا عاما في بعض المدن منذ الأسبوع الماضي، لكنها رفضت فرض العزل العام على مستوى تونس كلها بسبب الأزمة الاقتصادية. كما تعاني البلاد من نقص حاد في اللقاحات وبالتالي تعثر حملة التطعيم. إذ لم يحصل سوى 715 ألف شخص على جرعتين من اللقاح في تونس التي يبلغ عدد سكانها 11,6مليون نسمة، بينما جرى تطعيم أكثر من مليونين و81 ألف شخص بجرعة واحدة فقط.
وفي تصريحات لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية، انتقد يوسف الشريف، مدير مركز كولومبيا العالمي في تونس، عدم حصول البلاد على اللقاح الكافي، وقال "تونس تعاني من أنانية الدول الغنية التي امتلكت أفضل اللقاحات. التضامن الدولي أظهر حدوده".
كما حمل الشريف حكومة هشام المشيشي الحالية أيضاً مسؤولية كارثة كورونا، وأضاف للصحيفة الألمانية "في بداية الوباء، كان رد فعل الحكومة السابقة سريعاً وجيداً واتخذت العديد من الإجراءات. لكن منذ ذلك الحين، أعاقت الأزمة السياسية كل شيء، والحكومة الجديدة لا تظهر أي تضامن ".
وأوضح الشريف أن هناك اليوم حرب مفتوحة بين ثلاثة رجال أقوياء في تونس وهم الرئيس قيس سعيّد ورئيسا الحكومة والبرلمان هشام المشيشي وراشد الغنوشي. من جانبها تصف الخبيرة في الشؤون السياسية، نادرة الشريف، في تصريحت لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ، الصراع السياسي في تونس بأنه "معركة ديوك من أجل السلطة والنفوذ، ومعركة للنظام السياسي التونسي".
محنة تونس مسؤولية الجميع!
يراقب الشعب التونسي بلاده وهي تدور في حلقة مفرغة، كما تقول إنصاف بوحفص، ناشطة حقوقية في منظمة محامون لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ، وتقول "يزداد اليأس والغضب لدى الناس، فهم لا يثقون بالنخب". وتتابع حديثها "لقد أصاب الوباء ومكافحته الفئات المهمشة بالفعل من الشباب والنساء ومجتمع الميم بشدة".
من جهة أخرى كشف استطلاع سابق أجرته مؤسسة "الباروميتر العربي" في الفترة بين شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان من العام الجاري، أن تونس تتصدر الدول العربية في مؤشر تردّد مواطنيها في أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا، حيث أن 63 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع أجابوا بأن أخذ اللقاح غير محتمل جدا أو غير محتمل.
كما كشف مصدر مطلع لـ DW عربية على أن أحد المستشفيات المحلية بمنطقة سيدي بوزيد قد اضطر لإتلاف مئات جرعات اللقاح بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها بسبب رفض المواطنين القدوم لتطعيمهم ضد كورونا.
من جانبه قال الدكتور أمان الله المسعدي، عضو اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا وأستاذ الإنعاش الطبي (اليوم الاثنين 12 يوليو/ تمُّوز) في تصريح لإذاعة ''اكسبرس اف ام'' نقلا عن موقع" نسمة" التونسي إن حالات "الإصابات الخطيرة بفيروس كورونا والوفيات تسجل أساسا لدى غير الملقحين" متوجها بنداء للذين يشككون في عملية التلقيح حتى يقبلوا على التسجيل والتطعيم ضد الفيروس.
كما أكد رئيس جمعية الزيتونة في ألمانيا، أحمد القاطري على أنهم لاحظوا في فترة أن المواطنين كانوا غير مكثرتين بالإجراءات الوقائية وهو للأسف كان أحد أسباب تفشي الوباء.
في ظل انشغال الطبقة السياسية بالخلافات والمزايدات وفشلها في إدارة الأزمة الصحية في البلاد من جهة، وعدم التزام المواطنين على نطاق واسع باجراءات الوقاية والإقبال الضعيف على التطعيم من جهة أخرى، تطرح جميع هذه العوامل التساؤل حول مدى نجاعة الجهود المبذولة من أجل إخراج البلاد من محنتها.
في هذا الصدد يرى رئيس جمعية الزيتونة في ألمانيا، أن "دور المجتمع المدني هو دور تكميلي يضاف إلى جهود الدولة ومحاولة النهوض بالمنظومة الصحية ولكن هذا يعتمد بالأساس على وعي المواطن بنقطة بسيطة وهي الالتزام بالإجراءات الوقائية المعمول بها، مما يساهم بشكل كبير في الحد من انتشار الوباء" ويضيف بأن "المساعدات وحدها لا تكفي لأنه يجب أن تكون جميع الأطراف على مستوى المسؤولية والوعي بدورها من إجل إخراج تونس من محنتها".
إيمان ملوك