تكريم عالم آثار مصري راحل في مدينة بون الألمانية
١٥ أكتوبر ٢٠٠٦يستعد المركز الألماني للآثار المصرية بالقاهرة لنشر عدد تذكاري يحمل اسم عالم الآثار المصري الراحل سيد توفيق أحمد. ويشارك في المشروع نخبة من علماء المصريات الأجانب، وكذلك عدد من زملائه الذين تتلمذوا على يده من المصريين وغير المصريين. ويتزامن هذا العمل مع إلقاء محاضرة ينظمها قسم المصريات في جامعة بون بألمانيا بعنوان "مقبرة سا تا اماو و تل ادفو المقدس" والتي سيلقيها عالم الآثار الإنجليزي فيفيان ديفيز، رئيس قسم الآثار المصرية في المتحف البريطاني بلندن. وتنظم المحاضرة في 18 من أكتوبر 2006.
من هو سيد توفيق؟
يعد عالم الآثار الدكتور سيد توفيق من أوائل خريجي قسم الآثار بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وتلقى عالم الآثار الراحل في جامعة القاهرة تعليمه الجامعي على يد نخبة من علماء الآثار المصريين من أمثال عبد المنعم أبو بكر وعبد المحسن بكير وأحمد فخري. يشار إلى أن سفر الطالب الشاب سيد توفيق إلى ألمانيا في عام 1961 جاء لنيل درجة الدكتوراه وشكّل نقطة تحول كبيرة في مشواره المهني. وقام اثنين من أكبر علماء المصريات الألمان آنذاك وتحديدا في جامعة جوتنجن وهما زيجفريد شوت ويواخيم شبيجل بالإشراف على رسالة الدكتوراه والتي تناولت فحص وتحليل اللوحة الكبيرة الخاصة بتسجيل قائمة القرابين في معبد الكرنك في الأقصر والتي تم تكريسها من قبل تحتمس الثالث للإله آمون. وتأثر سيد توفيق بشكل واضح بالأسلوب العلمي لدراسة علم المصريات في ألمانيا والذي ينتهج مبدأ الربط بين النظرية والتطبيق في مجال البحث الأثري، وهو السبب الذي دفع سيد توفيق بعد إنهاء رسالة الدكتوراه وعودته إلى مصر. وقام سيد توفيق بجانب عمله كمدرس جامعي في كلية الآثار بجامعة القاهرة باستلام رئاسة الجانب المصري في مشروع كبير في معبد الأقصر عام 1967. وكان المشروع يهدف إلي اكتشاف معبد آتون الذي بناه اخناتون بالكرنك ( حوالي 1335 ق.م ) والذي دمر تماما في عهد حور محب ( حوالي 1295 ق.م ) وأعاد استخدام أحجاره كمادة بناء لملئ صرحيه الثاني والتاسع والعاشر في المعبد ذاته. وتم من خلال هذا المشروع الكشف عن أكثر من 50,000 كتلة حجرية، ليخرج معبد آتون للوجود من جديد بعد أن تم الاستعانة ولأول مرة بتقنية الحاسب الآلي من أجل هذا الغرض. واستمرت رئاسة سيد توفيق لهذا المشروع حتى عام 1972. وقام عالم الآثار الراحل خلال هذه الفترة بنشر سلسلة من المقالات العلمية تتناول هذه الحقبة التي تعد إحدى أكثر فترات التاريخ الفرعوني إثارة وغموضا ألا وهي فترة التوحيد الديني والعقيدة الاتونية.
اكتشافاته الأثرية في سقارة
وتعتبر حقبة الثمانينيات في حياة سيد توفيق وكذلك في تاريخ التنقيب الأثري في مصر من أخصب الفترات على الإطلاق، ففيها وتحديدا في عام 1981 تولى منصب عميد كلية الآثار. والجدير بالذكر أن العمل الإداري لم يكن عائقا أمام شغفه الكبير بالتنقيب والكشف الأثري، إذ رأس عام 1984 بعثة للتنقيب في منطقة سقارة الأثرية، والتي أسفرت عن اكتشافات في غاية الأهمية وُصفت في كثير من الكتب المتخصصة على أنها أكبر اكتشافات أثرية في مصر بعد الكشف الكبير عن مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك. ومن ضمن المقابر المكتشفة كانت مصطبة من نفر ( طراز مقابر الدولة القديمة ) وكذلك 36 مقبرة من الدولة الحديثة وترجع لعصر رمسيس الثاني. ومن أهم المقابر كانت مقبرة الوزير نفر رنب وكذلك مقبرة امون ان اينت المشرف على الخزائن الملكية. يشار إلى أن نصوص تلك المقابر على درجة كبيرة من الحفظ وساهمت في إثراء علم المصريات بكثير من المعلومات الخاصة بالموظفين الملكيين وألقابهم. وكان وصول سيد توفيق إلى قمة الهرم العلمي للآثار بتوليه منصب رئيس هيئة الآثار المصرية عام 1988 شي لا يدعو إلى الاستغراب وذلك بعد سجله الحافل في مجال التدريس الجامعي والبحث العلمي في مجال التنقيب الأثري. وشهدت فترة توليه هذا المنصب جرأة وحداثة في العمل الترميمي، حيث بدأ العمل في ترميم أحد أهم معالم مصر السياحية على الإطلاق ألا وهو تمثال أبو الهول.
ترميم تمثال أبو الهول
وكانت أعمال الترميم الخاصة لتمثال أبو الهول قد بدأها سيد توفيق بجمع معلومات دقيقة عن طبيعة المياه الجوفية الواقعة في أسفل التمثال الضخم والتي تعد أكبر خطر يهدده. كما تم تحديد اتجاه وقوة الرياح التي يتعرض لها التمثال على مدار العام، وذلك لاختيار المادة المثلى للترميم. وقد صاحب هذه الخطوات نداء عالمي لجميع المؤسسات الثقافية لإمداد هيئة الآثار المصرية بصور قديمة لتمثال أبو الهول ترجع إلى بداية القرن التاسع عشر كمحاولة لإرجاع التمثال لهيئته القديمة والتي كانت قد تعرضت لشي من التحوير بسبب ترميمات سابقة. يضاف إلى هذا السجل الحافل من الإنجازات للدكتور سيد توفيق الاكتشاف الأثري الكبير لخبيئة الأقصر عام 1989، حيث تم العثور على مجموعة كبيرة من تماثيل آلهة مصرية قديمة مخبأة في حفرة تحت أرضية المعبد.
وجاء الموت المفاجيء للعالم الكبير في ديسمبر 1990 بمثابة صدمة قوية وخسارة فادحة لعلم المصريات داخل مصر وخارجها، بعد أن بدأ في تغيير معالم السياسة الأثرية في مصر وشروعه في العديد من المشروعات الطموحة في هذا المجال.