تفاصيل مرعبة عن العنف الجنسي.. مأساة اللاجئين في ليبيا!
٢٩ مارس ٢٠١٩حلقة من السجن والاستغلال والعنف وسوء المعاملة لا يمكن الهروب منها على ما يبدو: هذا ما تؤكده الدراسة الأخيرة عن اللاجئين في ليبيا والتي أجرتها "لجنة النساء اللاجئات" (Women´s Refugee Commission). وتشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود حوالي 670 ألف مهاجر في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، ويُعتقد أن حوالي 5000 إلى 6000 منهم محتجزون في معسكرات.
وأجرى موظفو وموظفات "لجنة النساء اللاجئات" مقابلات مع ناجيات وصلن إيطاليا، كما سألوا أيضا آخرين من بينهم مساعدين يعملون على قوارب الإنقاذ. "في رحلتهم عبر الصحراء، يتم اختطاف العديد من اللاجئين من قبل تجار البشر والجماعات المسلحة أو نقلهم إلى مراكز اعتقال رسمية"، هذا ما توضحه مؤلفة الدراسة ساره شينوويث في مقابلة مع DW. وتقول شينوويث إن العنف شائع في تلك المعسكرات، بما في ذلك التعذيب الجنسي وتضيف: "يتم تصويره للضغط على العائلات لإرسال الأموال للإفراج عن أقربائهم، وأولئك الذين لا يستطيعون الدفع يتم بيعهم أو قتلهم".
من الصعب تحمل تفاصيل أساليب التعذيب، وشدة وتنوع عمليات العنف الجنسي شيء ملفت للنظر، تقول شينوويث. ويتم إجبار الرجال والنساء على اغتصاب آخرين، وتقطع أعضاء الرجال التناسلية، ويجري إيذاء النساء واغتصابهن حتى ينزفن ويموتن. ويدفع الفتيان دفعا إلى اغتصاب أخواتهم ويقول أحد الناجين من غامبيا: "لو كان أحد أخبرني بذلك من قبل، لما صدقته أبدًا، فالإنسان يصدق فقط عندما يرى بأم عينيه".
تعذيب في "معسكرات يمولها الاتحاد الأوروبي"
رغم أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة ليست جديدة، إلا أن الحجم وتفاصيل مخيفة، كما يقول كارل كوب من منظمة برو أزول المدافعة عن حقوق الإنسان، ويضيف: "هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تحدث من خلال شركاء للاتحاد الأوروبي. وهذا ما يصاغ الآن مرة أخرى بشكل أكثر صرامة".
ويحكي كوب أن خفر السواحل الليبي يعترض اللاجئين ويعيدهم إلى معسكرات التعذيب. ولأن ارباح المهربين انخفضت، فإنهم يستخدمون التعذيب لتوليد أرباح جديدة. "لقد شهدنا أحداثًا مماثلة في سيناء، حيث تم ابتزاز عائلات نساء من إريتريا". غير أن المعسكرات في ليبيا "هي معسكراتنا، معسكرات ممولة أوروبيا لحكومات معترف بها، حيث تقع أسوأ انتهاكات لحقوق الإنسان". يتم ذلك باسم أوروبا ويشكل جزءًا من الاتفاقيات المبرمة مع ليبيا التي تعيش حرب أهلية، يوضح كوب.
بشكل عام، من الصعب إلقاء نظرة شاملة على الوضع في ليبيا، وهناك نظامان للمعسكرات، يقول كوب ويتابع: المعسكرات الرسمية لحكومة الوحدة الليبية، حيث وقعت العديد من الفظائع "بالتعاون الوثيق مع الاتحاد الأوروبي"، وكذلك معسكرات الاعتقال غير الرسمية. يتكون خفر السواحل، المسؤول عن المعسكرات الرسمية، من جهاديين وعناصر ميليشيات ومهربي بشر وأحيانًا من المتاجرين بالبشر، كما وثقت تقارير الأمم المتحدة بالفعل. وعلى الأقل يأتي جزء من خفر السواحل من مجال الاتجار بالبشر أو يواصل في الوقت نفسه العمل في هذا المجال.
"الاتحاد الأوروبي لم يهتم كثيرًا بإغلاق هذه المعسكرات، التي يمكنه الوصول إليها وتحرير الأشخاص، ويمول الاتحاد الأوروبي المجرمين الذين يطلقون على أنفسهم اسم خفر السواحل، ونقول بوضوح إن هذا جزء من سياسة اللاجئين الأوروبية"، يوضح كارل كوب، الناشط الحقوقي بمنظمة برو أزول.
العنف كتسلية
يُستخدم العنف الجنسي لأسباب مختلفة، وفقًا لتقرير منظمة "لجنة النساء اللاجئات". فبالإضافة إلى الابتزاز، فإن الانتهاكات تعتبر أيضا تسلية للحراس ومعاقبة وقتلا لأشخاص، ينظر إليهم على أنهم بلا قيمة، تقول مؤلفة الدراسة ساره شينوويث. "عندما يحاول رجل الفرار، يُجبَر جميعُ الرجال الآخرين على اغتصابه، وكذا تتم معاقبة الناس بانتظام، ويجبرون على الخضوع ويجري التحكم بهم".
عندما أصبح معلومًا في أوروبا أن الناس في ليبيا يجري بيعهم كعبيد بالمزاد العلني، وعد ممثلو دول الاتحاد الأوروبي بإجلائهم ونقلهم بشكل قانوني إلى أوروبا. غير أن منظمة برو أزول توجه انتقادات قائلة: "هذه العملية تجري ببطء شديد وهناك عدد قليل جدا من الدول التي لديها استعداد لاستقبالهم لدرجة أن المفوضية العليا للاجئين تقول إن هؤلاء الأشخاص يجب عليهم البقاء في مراكز الاحتجاز حتى يكون هناك أماكن لهم. وترتبط معاناة الناس بسياسة اللاجئين الأوروبية غير الإنسانية".
العنف الجنسي في معسكرات الاعتقال الليبية هو مجرد قمة جبل الجليد، فالظروف المعيشية في المعسكرات كارثية. وبسبب اكتظاظها يتضور الناس جوعًا، وتقع كل امرأة تقريبًا ضحية لاعتداءات جنسية، يقول كارل كوب. "كان هناك أيضا إطلاق نار أثناء احتجاجات، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يفعل أي شيء لإنهائه". ويتابع كوب: "في هذه الحالة، يدعم الاتحاد الأوروبي هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان لأنه يضع في الاعتبار موضوعاً واحدا فقط هو: يجب أن يأتي أقل عدد ممكن من الناس إلى أوروبا عبر البحر المتوسط".
"سياسة اللاجئين الأوروبية في أسوء حالها"
ولا يظهر حل في الأفق. والناس يعانون بشكل متزايد على هذا الطريق الخطير بالفعل. وتطالب منظمة برو أزول الاتحاد الأوروبي بخطة إنقاذ تحرر الناس من هذا الوضع. "يتعين على القارة الجادة بشأن الحق في اللجوء أن تفتح طرقًا، ولأنه لا وجود لهذا الطريق يسافر الناس عموما إلى جحيم ليبيا". ويلخص كوب: "هذه هي قاع سياسة اللاجئين الأوروبية - لا يمكن أن يكون الأمر أسوأ".
وتشير تقديرات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن معدل وفيات المهاجرين قد تضاعف ثلاث مرات تقريبًا في عام 2018 مقارنة بالعام السابق له. وفي السنوات الخمس الماضية غرق حوالي 17 ألف شخص. وترى مؤلفة الدراسة تشينوويث أن هناك افتقارًا إلى الإرادة السياسية: "الاتحاد الأوروبي يدعم خفر السواحل الليبي، الذي لا يهتم بسلامة المهاجرين، ويرفض إنقاذ اللاجئين الغارقين". وتقول إن "من بين أهداف الاتحاد الأوروبي تدمير القوارب الخشبية، حتى لا يتم إعادة استخدامها؛ لكن هذا يجعل المهربين يستخدمون قوارب مطاطية رخيصة وليست آمنة، وكل ذلك يتسبب في وفاة المزيد والمزيد من الناس، وهو ما يمكن تجنبه".
تتنهد تشينوويث وتقول: "عناصر الميليشيات الليبية هذه لا يرون اللاجئين كبشر، بل يرون فيهم علامات الدولار وسلع يجب استغلالها".
نرمين إسماعيل/ص.ش