تغيُر مزاج المصريين في الانتخابات الرئاسية قياسا للبرلمانية
١٩ مايو ٢٠١٢بعد أقل من عام على قيام ثورة 25 يناير، أقيمت نهاية العام الماضي في مصر أول انتخابات وصفت حينها بالتاريخية لأنها كانت أول انتخابات نزيهة عرفتها البلاد، وذلك بإشادة مراقبين محليين ودوليين. ومرت تلك الانتخابات في أجواء مختلفة تماما عن الانتخابات الرئاسية المزمع إجراءها في الـ 23 من مايو الجاري. فآنذاك سيطرت القضايا الدينية والأيديولوجية على اهتمام الناخبين لحسم هوية أعضاء مجلس الشعب، ما أدى إلى فوز كبير للإسلاميين والسلفيين.
أما اليوم، فقد أضحى الهم الاقتصادي على قائمة اهتمامات الناخبين البالغ عددهم نحو 52 مليون ناخب؛ فحسب البروفسور توماس ديميل هوبل من جامعة هيلدسهايم الألمانية، تواجه مصر"أزمة اقتصادية خطيرة" حتى وإن أشارت الأرقام الأخيرة إلى "تحسن طفيف على مستوى الأداء"، وهذا ما سيدفع الناخبين إلى التدقيق في مضامين الحملات الانتخابية لكل مرشح على حدة وإلى ما تطرحه من حلول بهذا الشأن. ويطال الشارع المصري بإحداث ثورة في المجال الاقتصادي، تقود حسب ديميل هوبل إلى "وضع أفضل مما كان سائدا في عهد نظام الرئيس المخلوع". ويضيف الخبير الألماني أن الرئيس القادم يجب أن يتوفر على قدرة عالية تمكنه من التفاوض مع دول مانحة على الصعيد الإقليمي والدولي، لأن مصر لا يمكنها مواجهة العجز الاقتصادي من دون الاعتماد على المساعدات الخارجية.
الأمن والاستقرار
وإلى جانب الاقتصاد، أضحى الأمن من القضايا المركزية التي تشغل بال الناخب المصري، خاصة بعد تردي الأوضاع الأمنية في مصر ما بعد الثورة؛ وهو الأمر الذي جعل المصريين متعطشين إلى الأمن والاستقرار، وهما بالأساس النواة التأسيسية للاقتصاد ومزاولة الحياة العامة بشكلها الطبيعي.
وبعد انسحاب المرشح محمد فوزي عيسى لصالح عمرو موسى، تراجع عدد المرشحين إلى 12 عشر مرشحا، غالبيتهم يتوفرون على مرجعية ليبرالية وعلمانية، بموازاة المستقل ورجل جماعة الإخوان المسلمين سابقا، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي قدم نفسه ممثلا عن الإسلام المعتدل، وهو يحظى بدعم بعض القوى السلفية كحزب النور، إلى جانب القوى الليبرالية أيضا مثل وائل غنيم أحد أبرز وجوه الثورة التي قادت إلى تنحي حسني مبارك عن الرئاسة.
وإلى جانب أبو الفتوح يوجد مرشحون آخرون بمرجعية دينية، أبرزهم محمد مرسي الخيار الثاني للإخوان المسلمين بعد استبعاد خيرت الشاطر من السباق الرئاسي وهو الرجل الأول داخل التنظيم بسبب إدانة جنائية في ماضيه، عطفا على عبد الله الأشعل المرشح عن حزب الأصالة السلفي.
أما عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية والذي عمل أيضا وزيرا لخارجية مصر في عهد النظام السابق، فيعد إلى جانب الفريق أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق (عهد مبارك أيضا)، والناصري حمدين صباحي من أبرز الوجوه العلمانية في السباق الانتخابي.
وسبق لبعض وسائل الإعلام المصرية أن وضعت عمرو موسى وأبو الفتوح في مقدمة السباق، معللة ذلك باستطلاعات رأي تنبأت بحصر المنافسة بين المرشحين، وصعود كل منهما إلى جولة انتخابية ثانية من المزمع إجراؤها في 16إلى 18 حزيران/ يونيو في حال لم ينجح أي مرشح بالفوز بنصف عدد الأصوات.
ومهما اختلفت التوقعات حول من سيفوز في تلك الانتخابات، إلا أن المؤكد هو أن الرئيس القادم سيحظى حسب البروفيسور توماس ديميل هوبال "بصلاحيات دستورية كبيرة،لأن عملية صياغة الدستور كشفت إلى غاية اللحظة عن رغبة في الحفاظ على ذات الصلاحيات التي كان يخولها الدستور المعمول به زمن مبارك".
ناخب أكثر حذرا
وشكلت انتخابات مجلس الشعب خيبة أمل بالنسبة للقوى الثورية الليبرالية التي رفعت شعارات التغيير من خارج الإطار الديني، وهي القوى ذاتها التي تلقت صفعة قوية في انتخابات مجلس الشعب. غير أن الخبير الألماني ديميل هوبل يعتبر أن ما أسفرت عنه تلك الانتخابات عن عدم فوز القوى الليبرالية يعود بالأساس إلى الأخطاء التي ارتكبتها تلك الفئة التي حتى وإن لعبت دورا جوهريا أثناء الثورة، "أخفقت في ما بعد في وضع تحركاتها داخل "إطار مؤسساتي وحزبي، تاركة المجال إلى القوى السياسية الأكثر تنظيما"، وهي القوى الإسلامية التي فازت نهاية المطاف في الانتخابات.
بيد أنه وبعد انقضاء ستة أشهر وفي ظل الخيبة التي اعترت جمهور السفليين والإخوان بسبب وعود لم تطبق، بدا الناخب المصري أكثر حذرا من ذي قبل، وأكثر ميولا للتمييز بين أي البرامج الانتخابية الأقرب إلى التطبيق، لأنه يدرك جيدا أن البلاد لم تعد قادرة على تحمل تجارب جديدة قد تكون خطيرة العواقب.
كيرستن كنيب/ وفاق بنكيران
مراجعة: منصف السليمي