تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى يهدد بانتفاضة ثالثة
٦ نوفمبر ٢٠١٤توحي آخر الأنباء الواردة من القدس برغبة الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي في التهدئة، إذ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أن إسرائيل لا تنوي تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى أو السماح لليهود بالصلاة فيه. وقال بيان صادر عن مكتب نتانياهو إن "رئيس الوزراء أكد مجددا التزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم في (جبل الهيكل) وعلى الدور الأردني الخاص فيه وفقا لاتفاقية السلام".
ويرى غسان الخطيب، نائب جامعة بير زيت ومؤلف كتاب "الفكر السياسي الفلسطيني والمفاوضات" في حوار مع DWأن "الدور الأردني دفع إسرائيل إلى مراجعة خطواتها، وهو موقف حاسم وصل إلى درجة استدعاء السفير الأردني من تل أبيب، ما يعتبر درجة عالية من الاحتجاج الدبلوماسي، وكذلك تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن بهذا الشأن". وكثرت التكهنات في الفترة الأخيرة بخصوص سيناريوهات اندلاع انتفاضة جديدة تدخل المنطقة في دوامة عنف جديدة.
انتفاضة ثالثة ولكن؟
في هذا السياق يرى إيغال أفيدان مراسل عدد من الصحف الإسرائيلية في برلين في حوار مع DWأنه "يمكن فعلا توقع اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، إذا لم يتخذ المسؤولون السياسيون الخطوات المناسبة. ففي الجانب الإسرائيلي يجب منع المتطرفين من الحج إلى جبل الهيكل (المسجد الأقصى) ودعوة اليهود إلى الصلاة وإعادة بناء الهيكل هناك". إلا أن غسان الخطيب ينظر للأمر من زاوية مختلفة بقوله "لا أتوقع انتفاضة بالمعنى الشامل، المستمرة لمدة طويلة، ولكني أتوقع إذا استمرت إسرائيل في محاولاتها تغيير الأمر الواقع في الأماكن الدينية في القدس، فسيؤدي ذلك إلى ردود فعل فلسطينية من أنواع مختلفة. ولكن إذا التزمت إسرائيل بالتقيد بالوضع القائم فستهدأ الأمور".
ويرى الخطيب أن سياسة الاستيطان التي تنتهجها حكومة نتانياهو ساهمت إلى حد بعيد في إذكاء أجواء التوتر، موضحا بهذا الصدد أن "التصعيد الأخير هو رد فعل فلسطيني شعبي وعفوي، بمعنى أنها ليست منظمة من قبل جهات مسؤولة. إنه رد فعل ضد التصعيد الإسرائيلي في مجال الاستيطان وتكريس الاحتلال، وكذلك محاولة التدخل في إدارة المقدسات".
حساسية الأماكن المقدسة
يستغل بعض اليهود المتطرفين سماح الشرطة الإسرائيلية بدخول السياح الأجانب لزيارة الأقصى عبر باب المغاربة، للدخول إلى المسجد الأقصى لممارسة شعائر دينية والجهر بأنهم ينوون بناء الهيكل مكانه. والحرم القدسي الذي يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين.
فيما يعتبر اليهود حائط المبكى الذي يقع أسفل باحة الأقصى آخر بقايا المعبد اليهودي الذي دمره الرومان في العام 70 وهو أقدس الأماكن لديهم. وتعترف إسرائيل التي وقعت معاهدة سلام مع الأردن عام 1994 بإشراف الأردن على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس. وتسمح السلطات الإسرائيلية لليهود بزيارة الباحة في أوقات محددة وتحت رقابة صارمة، لكن لا يحق لهم الصلاة فيها.
وحذر إيغال أفيدان من تغيير الوضع القائم بقوله "هناك وضع مراوحة (ستاتيكو) يسود في جبل الهيكل منذ عام 1967. المسلمون يصلون في المسجد الأقصى واليهود يصلون أمام حائط المبكى. ومن يحاول تغيير هذا الوضع يجب ألا يفاجأ باندلاع انتفاضة جديدة". وأضاف أن هناك استفزازات من الطرفين: اليهود القوميون، والإسلاميون المتطرفون الذين يرون أن المسجد الأقصى بات مهددا، وهم بالتالي يساهمون بذلك في صب الزيت على النار. وأضاف أنه عكس الضفة الغربية هناك احتكاك يومي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والشرطة الفلسطينية لا تملك صلاحية التدخل، ولا يمكنها المساعدة في حفظ النظام.
أي دور لألمانيا وأوروبا؟
أحداث القدس تزامنت مع ظرف دولي دقيق حيث اهتزت سلطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد فوز الجمهوريين بغالبية مقاعد الكونغرس، ما سيزيد من ضعف تأثير سياسته الخارجية المتسمة أصلا بالتردد. أما أوروبا فلم تتمكن يوما من لعب دور حاسم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبهذا الصدد يرى أفيدان أنه "في الوقت الراهن ليس لدى الأمريكيين أي وسيلة للتأثير على الوضع القائم، أوباما مشغول بمشاكله الخاصة، ونتانياهو لم يكن يسمع لما يقوله أوباما أبدا. الأمريكيون منشغلون بنتائج انتخابات الكونغرس...هناك حاليا فراغ، وهذا ما يفسر أيضا التصعيد الحالي في القدس الشرقية".
ويذهب غسان الخطيب في نفس الاتجاه موضحا أن "الدور الأمريكي في المرحلة المقبلة محكوم عليه بالفشل، مثل المرحلة السابقة، بسبب الانحياز الأمريكي لإسرائيل. إدارة أوباما وبالرغم من بعض الخلافات اللفظية، إلا أنها مستمرة في دعم الاحتلال الإسرائيلي. وإسرائيل لا تأبه بالانتقادات اللفظية طالما أنها لا تمس الدعم الأمريكي المنقطع النظير على جميع الأصعدة".
أما الأوروبيون والألمان بالتحديد الذين يدعمون إسرائيل ماليا، سياسيا وعسكريا فعليهم حسب أفيدان أن يذكروا بأن "الهدف هو تأسيس دولة فلسطينية وليس خلق وضع كالوضع الحالي يستمر فيه الاحتلال وتنعدم فيه المفاوضات". وهو رأي أيده الخطيب بقوله إن "النقد اللفظي الألماني والأوروبي لم يحدث فرقا حتى الآن". والمطلوب حسب الخطيب هو ربط علاقات التعاون الأوروبية مع إسرائيل بمدى احترامها للقانون الدولي.