تعزيز التعاون الألماني العربي في صلب اعمال الملتقى السياحي الثامن
١٠ مارس ٢٠٠٦في إطار المعرض الدولي للسياحة في برلين ITB أقيمت أمس (٩ مارس/اذار) فعاليات الملتقى السياحي العربي الألماني الثامن، والذي تنظمه غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية بالاشتراك مع مؤسسة معارض برلين. شارك في فعاليات الملتقى عدد كبير من صناع القرار السياحي في ألمانيا والبلدان العربية، منهم وزراء السياحة الأردني والسوري واللبناني واليمني والسوداني، ووزيرة السياحة العمانية وممثلي شركات القطاع الخاص السياحية في ألمانيا كتوي ولوفتهانزا. ووقع اختيار الملتقى في دورته هذا العام على سلطنة عمان لتكون الشريك الرئيسي لفعالياته، وذلك لما تحظى به عمان من سوق سياحية واعدة جعلتها تفرض نفسها بقوة على الخريطة السياحية.
على عكس ما توقعه بعض الخبراء شهد عام ٢٠٠٥ نموا واسعا في قطاع السياحة في منطقة الشرق الأوسط وفقا للإحصائيات الأولية لمنظمة السياحة العالمية، إذ وصل معدل النمو إلى 6,9 بالمائة أي أكثر من متوسط النمو العالمي الذي يقدر ب 5,5 بالمائة. فبعد الضربات الإرهابية التي طالت مناطق مختلفة من العالم العربي، منها منتجع شرم الشيخ العام الماضي، توقع كثيرون بأن ينعكس ذلك سلبيا على قطاع السياحة. السيد سامح ساويرس المستثمر المصري الكبير وصاحب منتجع الجونة في الغردقة إضافة إلى بعض المنتجعات الكبرى في عمان والأردن يرى أن السياحة المصرية لم تتراجع بشكل كبير بعد الضربات الإرهابية لأنها سياحة قد نضجت بشكل يحميها من التأثر المباشر بالإرهاب بدليل أن عام ٢٠٠٥ شهد زيادة في عدد السياح، ويضيف: "الإرهاب أصبح اليوم ظاهرة عالمية ولا تنحصر في العالم العربي كما كان يروج له في فترة التسعينات. الإرهاب وصل إلى لندن ومدريد وتركيا ونيويورك، وهناك وعي واسع اليوم أن الإرهاب مرض عالمي منتشر في كل مكان، وعلى المرء أن يتعامل معه كغيره من الأوبئة عن طريق الحرص لكنه لم يعد يشكل عائقا أمام السياحة".
نظرة على قطاع السياحة العماني
ضيف الملتقى هذا العام قدم صورة متكاملة عن إمكانياته السياحية، وذلك من خلال كلمة وزيرة السياحة العمانية الدكتورة راجحة بنت عبد الأمير بن علي، والتي أوضحت أنه رغم العمر القصير نسبيا لقطاع السياحة العماني- قرابة عقدين من الزمان- احتل القطاع مكانة متقدمة في الاقتصاد القومي وأصبح واحدا من ثلاثة قطاعات اقتصادية رئيسية، وذلك بفضل الجهد المدروس الذي بذلته السلطنة في إنشاء المرافق والتسهيلات السياحية بجانب الترويج الإعلامي المرتكز على صون الهوية العمانية الخاصة.
تتمتع عمان بمكان جغرافي متميز، إذ تمتد سواحلها على المحيط الهندي والخليج العربي لمسافة ٣٠٠٠ كلم، كما تحظى البلاد بطبيعة غنية متنوعة تضم الجبال والأودية والصحاري، إضافة إلى الأماكن التاريخية التي ترجع إلى آلاف السنين. وبفضل موقعها الجغرافي البعيد عن أماكن الاضطرابات السياسية، مثل العراق والأراضي الفلسطينية، نأت السلطنة عن التأثيرات السلبية لهذه الصراعات. وفي حديثها مع موقعنا أوضحت الوزيرة أن السلطنة مكان مثالي للاستثمار، فهي تتمتع باستقرار سياسي واجتماعي راسخ منذ عقود، كما تنعم السلطنة بالحرية الاقتصادية وتقل فيها نسبة الفساد الإداري، وذلك وفقا لتقارير منظمة الشفافية العالمية. وأوضحت الوزيرة أن السلطنة قد أطلقت حزمة من القوانين تهدف إلي تعزيز ثقة المستثمرين وخلق مناخ صالح للاستثمار يجتذب رأس المال العالمي، على سبيل المثال اتفاقية منع الازدواج الضريبي واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار.
آفاق التعاون العربي الألماني
تتميز العلاقات الاقتصادية العربية الألمانية بالمتانة والتطور، حيث تتمتع ألمانيا بسمعة طيبة في العالم العربي لعدم وجود رواسب استعمارية، إضافة إلى مواقفها السياسية ودورها كوسيط سلام مقبول من كافة الأطراف في الصراعات التي تتعلق بالعالم العربي. وقطاع السياحة ليس استثناءً، فيشكل السياح الألمان مصدرا رئيسيا للدخل السياحي العربي. السيد ساويرس يقدر عدد السياح الألمان القادمين الى مصر بمليون سائح في العام، من ناحيتها أوضحت السفيرة العمانية ان نسبة السياح الألمان هي الأكبر في عمان، فالشعب الألماني من اكبر الشعوب تصديرا للسياح. وأضافت الوزيرة في حديثها مع موقعنا "نشجع التعاون المتبادل ونشجع الاستثمار ونتوقع أن يزيد بعد توقيع اتفاقية منع الازدواج الضريبي، وهناك عدد من المستثمرين الألمان ابدوا رغبتهم في الاستثمار ونحن رحبنا بهم ونتمنى ان نراهم قريبا".
"السياحة هي أنجح السياسات الخارجية". هكذا علق السيد ارنست هينسكن مفوض الحكومة الاتحادية الألمانية لشؤون السياحة علي دور قطاع السياحة في حل النزاعات عن طريق تعريف الشعوب ببعضها، وخلق قناة تواصل بينهم. وأكد على أن آفاق التعاون العربي الألماني لا تقتصر فقط على تصدير السياح ولكن تشمل أيضا الدور الذي يمكن للتقنية الألمانية ان تلعبه في تطوير قطاع السياحة العربي، مثل المساعدة في إنشاء المرافق السياحية، وتصميم شبكات الطرق والاتصالات.
وتطرق السيد هينسكن إلى بعد جديد للعلاقات العربية الألمانية في مجال السياحة، وهو السياحة العربية في ألمانيا. حيث تشير التقديرات إلى ارتفاع عدد زوار ألمانيا من دول الخليج العربي بنسبة كبيرة تصل إلى ٣١ بالمائة( 552 الف ليلة سياحية للزوار الخليجيين في العام الماضي)، يشترك معظمهم في برامج سياحية علاجية أو استجمامية. ويراهن خبراء السياحة الألمان على أهمية السياحة من هذه الدول إضافة إلى زيادة أهمية الدول الخليجية كمقاصد للسياح الألمان. ورحب السيد هينسكن بضيوف ألمانيا من العرب في فترة المونديال القادم، وقال ان ضيوفنا العرب سيرون حسن ضيافة من جانبنا تكافئ حسن ضيافتهم للسياح الألمان. وأعقب مازحا "من يدري ربما تدور الكرة لمصلحة احد الفرق العربية المشاركة ويفوز بالكأس. أنا شخصيا سأكون سعيدا بإنجاز كهذا".
المسؤولية الاجتماعية لقطاع السياحة
السياحة صناعة المستقبل، ورغم الأزمات التي تمر بالمنطقة العربية يشهد قطاع السياحة نموا كبيرا، والمطلوب زيادة الاستثمار في مجال السياحة، شريطة أن يكون استثمارا أصيلا مربوطا بالواقع ويهدف إلى خلق فرص عمل ورفع مستوى المعيشة ومكافحة الفقر. السيد طالب الرفاعي نائب الأمين العام للأمم المتحدة للسياحة العالمية عبر عن أهمية المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية للسياحة بالقول: "لا يمكن أخلاقيا بناء فنادق ٥ نجوم والمحيط حولها بائس وفقير. يجب أن تتفاعل الاستثمارات مع حولها وترفع مستوى ما حولها إلى مستوى ٥ نجوم". وهذه المسؤولية هي مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمستثمرين، أو بين سياسات الاستثمار ووعي المستثمرين. وأوضح السيد الرفاعي في حديثه مع موقعنا أن هناك توجه عالمي لأن يكون القطاع الخاص أكثر حسا ووعيا بالالتزامات الاجتماعية والأخلاقية لعمله، مؤكدا أنه لا يجوز أن توجد تناقضات كبيرة بين المناخ الذي يخلقه الاستثمار والمناخ المحيط به، حتى يمكن للسكان أن يشعروا بقيمة الاستثمار وجدواه فيعملوا على الحفاظ عليه لا معاداته.
وتهدف منظمة السياحة العالمية إلى تطوير وتشجيع وتنظيم السياحة في العالم، وقد أصبحت تابعة للأمم المتحدة حديثا. وتعنى المنظمة بالمنظومة الأدبية والأخلاقية للسياحة، وتعمل بحيث تحقق السياحة مردودا ايجابيا على الصعيد الاجتماعي والبيئي والثقافي والاقتصادي. ويرى السيد الرفاعي أن هناك جهد يجب أن يبذل في سبيل رفع الوعي الاجتماعي بأهمية السياحة في المنطقة العربية، ففي السنوات الماضية كان ينظر لسياحة كنوع من الديكور الوطني، واليوم أصبح الناس أكثر وعيا بفوائد السياحة خصوصا الجانب الاقتصادي، والمطلوب توسيع هذا الفهم بحيث تصب السياحة ايجابيا في كل المجالات. فالسياحة تفرض نفسها كقطاع اقتصادي هام، والثروات الموجودة في العالم العربي معرضة للنضوب، اما السياحة فهي ثروة تنمو كلما أحسنا إدارتها.