تسليح البيشمركة قد يقلب موازين القوى في المنطقة
١٥ أغسطس ٢٠١٤تعقد في الوقت الحالي آمال كبيرة على مقاتلي البيشمركة لوقف توغل قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي وسيطرته على مناطق جديدة في العراق. كما يعول على البيشمركة أيضا في مهمة توفير الأمن والحماية للمسيحيين والإيزيديين وغيرهم من الأقليات الهاربة من بطش ميليشيات تنظيم "الدولة الإسلامية". ولكن النساء والرجال المقاتلين في صفوف قوات البيشمركة لا يمتلكون العتاد العسكري اللازم لمواجهة هذه التحديات الكبيرة. ومن أجل مساعدتها في هذه المهمة الصعبة، أعربت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا عن استعدادها لتزويد حكومة إقليم كردستان بأسلحة حديثة. هذا في حين رفض زيغمار غابريل، نائب المستشارة الألمانية، مشاركة بلاده في الدعم العسكري في الوقت الحالي، غير أنه ترك الباب مفتوحا لهذا الخيار في المستقبل. خاصة وأن تزويد قوات البيشمركة بالأسلحة الحديثة يثير العديد من التساؤلات والمخاوف، حيث يصعب تقدير مدى تأثير ذلك على تغيير موازين القوى في المنطقة.
تاريخ البيشمركة الحديث
يستخدم مصطلح "البيشمركة" للإشارة إلى المقاتلين الأكراد وهو يعني باللغة الكردية: "الذين يواجهون الموت". وهو مصطلح يشار به خاصة للمقاتلين في إيران والعراق، ولكن ليس أعضاء حزب العمال الكردستاني في تركيا. ونشأت قوات البيشمركة بشكلها الحديث سنة 1975 في شمال العراق، وفقا لأستاذ العلوم السياسية والخبير في الشأن العراقي فرهاد إبراهيم سيدر، حيث برزت في ذلك الوقت منظمتين عسكريتين مستقلتين: وحدات مسلحة من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني، وقوات أخرى تابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
وفي هذا الصدد يقول إبراهيم سيدر في مقابلة مع DW "لقد بذلت سنة 1991 جهود من أجل دمج القوتين، ولكن المصالح الحزبية الشخصية حالت دون توحد قوات البيشمركة إلى يومنا هذا".
ويقدرعدد القوات التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بحوالي 30 إلى 40 ألف مقاتل، في حين يصل عدد المقاتلين في صفوف الاتحاد الوطني الكردستاني إلى 25 ألف.
هذا في حين تتحدث تقديرات أخرى عن أكثر من مائة ألف مسلح في قوات البيشمركة، التي تعتبر الجيش الرسمي لمنطقة الحكم الذاتي الكردية. ويعتبر مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، القائد الرسمي لقوات البيشمركة التابعة لوزارة الدفاع في العاصمة اربيل. غير أن السلطة الفعلية، حسب إبراهيم سيدر، تبقى في يد الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
أسلحة من عهد الاتحاد السوفياتي
تمكنت ميليشيات تنظيم "الدولة الإسلامية" من الحصول على ذخائر عسكرية حديثة ومتطورة بعد سطوها على أسلحة أمريكية كانت في يد قوات الحكومة العراقية. ولكن في المقابل، لا تمتلك قوات البيشمركة سوى أسلحة قديمة، يعود جزء منها لعهد الاتحاد السوفياتي السابق. وفي هذا الصدد يوضح سيدر، رئيس مركز إرفورت للدراسات الكردية في مقابلته مع DW: "الأكراد لم يحصلوا على أنظمة أسلحة كبيرة ومتطورة، لأن البائعين يحتاجون في ذلك لموافقة الحكومة العراقية، ولكن الحكومة المركزية في بغداد، التي كان يترأسها نوري المالكي، عارضت ذلك دائما". وعلى الرغم من مساعي دمج جزء من القوات الكردية في الجيش العراقي، إلا أن العلاقة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان ظلت متوترة، حسب سيدر، الذي يقول: "الحكومة العراقية كانت ترفض دفع رواتب قوات البيشمركة وتسليحهم، لأنها تريد تقليل عدد تلك القوات، فمن الواضح أن بغداد لا تريد أن تكون هناك قوة مسلحة قوية خارجة عن سيطرتها".
ومن جهتها تتابع الدول المجاورة للعراق عن كثب، التغير في التوازن العسكري بعد وصول شحنات الأسلحة، كما يوضح بلغاي دومان، من مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط (ORSAM) في أنقرة، الذي يقول إن إمداد البيشمركة بمساعدات عسكرية، لن يمثل أي مشكلة بالنسبة لتركيا، ويضيف: "إن العلاقات بين تركيا والإدارة الكردية جيدة" ولا أحد ينظر لنمو قوة الأكراد "كتهديد"، لأن تحسين الترسانة العسكرية للأكراد في منطقة الحكم الذاتي، لا يشكل تحديا خطيرا على التفوق العسكري لتركيا.
قلق من طموح "الاستقلال"
غير أن بعض الدول المجاورة، حسب سيدر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إرفورت، لا تريد أن تكون هناك قوات كردية قوية جدا، لأنهم يخشون من تطلعات الأكراد لإنشاء دولة مستقلة وبالتالي تقسيم العراق، ما قد يؤدي إلى تعزيز نفوذ المسلحين الإرهابين في المنطقة. كما يخشى العديد من الخبراء من وقوع الأسلحة في يد مجموعات إرهابية. بالإضافة إلى إمكانية اندلاع اقتتال بين قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات الاتحاد الوطني الكردستاني، كما حصل في تسعينات القرن الماضي. وهو ما يستبعده الخبير إبراهيم سيدر، الذي يقول بأن الأكراد قد "استخلصوا العبرة من تطاحنات الماضي".
كما يستبعد سيدر أن تسخدم هذه الأسلحة الحديثة في يوم من الأيام ضد الغرب، لأن الأكراد في حاجة ماسة إلى الدعم الغربي لتحقيق مصالحهم في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك فإن الاتحاد الوطني الكردستاني هو حزب بتوجه ديمقراطي اجتماعي، وأما الحزب الديمقراطي الكردستاني فهو حزب محافظ معتدل، والقاسم المشترك بين الحزبين، حسب سيدر، هو أن: "القومية الكردية تبقى بالدرجة الأولى علمانية وموالية للغرب".