تركي بألمانيا: لست من أنصار أردوغان لكنه فعل الكثير لتركيا
٧ مارس ٢٠١٧تنطلق صحفية DW باتجاه مدينة كولونيا غربي ألمانيا باحثة عن بعض أتراك لتعرف رأيهم، حول إلغاء بلدات ألمانية حضور وزراء أتراك لإلقاء خطابات فيها على تجمعات تركية، حول خلفية الاستفتاء على تعديل الدستور المقرر في 16 أبريل/ نيسان 2017، وإدخال نظام رئاسي إلى تركيا يمنح الرئيس أردوغان سلطات أكبر. تصل الصحفية جانيت تسفينك إلى إيرينفيلد، الحي الواقع شمالي وسط مدينة كولونيا. تنسحر بجاذبية الحي الخاصة، الذي تتخله بنايات عُمِّرَت في حقبة الخمسينات بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب مساكن لعمال أتراك جاؤوا قبل عقود إلى ألمانيا للعمل والمساهمة في تعميرها. وترى إلى جانب ذلك مبانيَ تجارية وصناعية قديمة، وتشعر الصحفية بمدى التنوع البشري في هذا الحي وتاريخه العريق.
كان إيرينفيلد يعتبر في التسعينات اسطنبول الصغيرة في ألمانيا. غير أن هذا الحي بات يحظى اليوم بشعبية كبيرة حتى من بين غير الأتراك، وأصبحت إيجارات مساكنه ترتفع باستمرار. تمشي الصحفية خطوات فترى عند مدخل الحي المسجد المركزي الكبير ببنائه الرائع الحديث، والتابع للاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية "ديتيب"، وقربه مدرسة لتعليم الموسيقى للأطفال ودكاكين للآيس كريم. ويبقى شارع فينلُوَر - شارع التسوق الرئيسي في الحي- متَّسِماً بطابع تركي واضح، بمحلاته التجارية ومطاعمه وخياطيه ومحلات تصفيف الشعر والمجوهرات ومتاجر الملابس. فتدرك أن أشياء كثيرة في حي إيرينفيلد ما زالت في أيدي الأتراك والألمان من أصول تركية.
"تركيا تنجرف نحو الدكتاتورية"
تتحدث صحفية DW مع صاحب مطعم للوجبات الخفيفة، الجو ما زال هادئاً والزبائن لم يأتوا بعد، وتريد معرفة رأيه حول إلغاء سلطات محلية ألمانية حضور وزير العدل التركي بكير بازدوغ لإقامة فعالية في مدينة غاغيناو جنوبي ألمانيا، تروِّج للنظام الرئاسي في تركيا. وبغض النظر عما يراه القانونيون الألمان، وعما يراه مناصرو حرية التعبير في ألمانيا، يرى صاحب المطعم أن الإلغاء صحيح، ويقول إنه يتعين "على الساسة الذين لا يقبلون بحرية التعبير في بلادهم ألاّ يستندوا على حرية التعبير في بلد آخر".
لم يرغب صاحب المطعم في ذكر اسمه، فهو حذر لأنه غير موافق على خطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إدخال نظام رئاسي في تركيا، ويضيف: "تركيا تقترب بسرعة من الديكتاتورية"، لكنه هو نفسه لا يحق له المشاركة والتصويت في الاستفتاء ضد النظام الرئاسي، لأنه حصل على الجنسية الألمانية، وتخلى عن جنسيته التركية.
"سياسة ألمانية مسيئة للأتراك"
تذهب الصحفية إلى صاحب محل تجاري تركي آخر - امتنع عن ذكر اسمه- يصرّ على رؤية بطاقة العمل التي تثبت أنها صحفية لدى مؤسسة DW الإعلامية الألمانية، قبل أن يدلي لها برأيه، ثم يقول: "لا توجد ديمقراطية حقيقية في تركيا"، وهو أيضاً ضد أن يقيم السياسيون الأتراك حملات سياسية أو انتخابية في ألمانيا، مؤكداً أنه "لا مكان للسياسة الداخلية التركية في ألمانيا". ويرى أن من الغريب فكرة إلقاء وزير العدل التركي -الآنف الذكر- في جنوب ألمانيا ووزير الاقتصاد التركي نهاد زيباكجي في كولونيا وفي بلدة فريشين -المجاورة للمدينة- خطابيهما على أنصارهما بشكل غير رسمي "من وراء أبواب خلفية"، من خلال تسجيل الفعاليات كنشاط خاص مسموح به في ألمانيا.
لكنه يتمنى موقفاً واضحاً من الألمان ويقول: إذا كان القانون الألماني يسمح بمثل هذه التظاهرات، فلا بد من السماح بحدوثها، وإن كانت القوانين ضدها فلا بد من منعها. الرجل نفسه ليس من محبي الرئيس أردوغان وهذا واضح من كلامه. ولكن لماذا إِذَنْ يدعم الكثيرون من الأتراك في ألمانيا سياسة أردوغان؟ توجه له صحفية DW هذا السؤال، فيجيب صاحب المحل بأن السبب قد يعود ببساطة إلى أن التعامل السياسي الألماني مع تركيا يسيء للكثيرين من الأتراك في ألمانيا. كما أنه هو أيضاً ما زال غاضباً من قرار البرلمان الألماني الذي اعتبر فظائع الأرمن في تركيا إبان الحرب العالمية الأولى إبادة جماعية، وهو يعتبر هذا القرار قراراً خاطئاً ومتعجرفاً.
"لماذا يتدخل الألمان في الشأن التركي؟"
عند مخبز تركي تلتقي صحفية DW بِامرأة اسمها توركان كويونجو تعيش في ألمانيا منذ 40 عاما. وهي تقول إنها تعرضت مرارا وتكرارا للتهميش بسبب أصلها التركي، مثلاً عند البحث عن سكن. فالمؤجرون يغلقون سماعة الهاتف حين يسمعون اسمها التركي، ومثل هذه التجارب المعيشية تسيء للأتراك وتجعلهم يقترب بعضهم من بعض بشكل أكبر، بحسب تعبيرها. وهي تؤكد أنها ليست من أنصار أردوغان ولكنها تشدد أيضاً على أنها تشعر بالسخط حين يتدخل "الألمان" في السياسة التركية.
"لقد فعل أردوغان الكثير من أجل تركيا"
في متجر لبيع ملابس السيدات المسلمات تتحدث صحفية DW مع بائعة في المتجر اسمها بينار، عمرها 30 عاما، ويبدو الماكياج واضحاً على وجهها وهي مرتدية حجاباً وردي اللون مربوطاً بالطريقة الإسلامية المحافظة ومعطفاً طويلاً زهري اللون، وكلٌّ من ذراعيها وساقيها مغطى بالكامل.
حين تسألها الصحفية عن العلاقات الألمانية التركية المتوترة حالياً التي تتحدث عنها وسائل الإعلام، ترفض بينار الإجابة وتقول: "أنا غير مهتمة بالسياسة"، وتضيف: "بما في ذلك السياسية التركية خصوصاً لأنني أعيش هنا. تركيا بالنسبة لي ليست سوى بلد لقضاء العطلات ولا تختلف عن إسبانيا"، لكنها تقول خلال المحادثة: "بلى، بلى، لقد فعل أردوغان الكثير من أجل تركيا. أصبح الكثيرون من الناس هناك اليوم أفضل حالاً مما كانوا عليه في الماضي".
لقد انتخبتُ أردوغان"
عثمان أوسمان اوغلو هو أول شخص في هذا الحي تلتقي به الصحفية ويحق له الاستفتاء على الدستور المقرر التصويت عليه في تركيا في 16 أبريل/ نيسان 2017. عثمان مواطن تركي، يعمل خياطاً في ألمانيا، لكنه لا يعرف بعد إن كان سيصوِّت وبأي طريقة. ولكنه يعتقد أن من الخطأ منع الوزراء الأتراك من إلقاء خطبهم في ألمانيا، متسائلاً: "وما العيب في أن أذهب للاستماع إلى الخطاب ومعرفة المزيد من المعلومات؟"، حول النظام الرئاسي والدستور الجديد. يستغرب عثمان من منع الوزراء من الكلام من دون معرفة ماذا سيقولون، مشيراً إلى أهمية تلقي المعلومات من مصادرها مباشرة بدلاً من تلقيها فقط عبر وسائل الإعلام.
وكما قالت بينار من قبل يقول عثمان أيضاً إن أردوغان فعل الكثير للناس في تركيا. ويحكي عثمان أن بإمكان ابن عمه الساكن في تركيا اليوم معالجة نفسه في أي مستشفى في تركيا رغم أنه عاطل عن العمل. ولذلك فقد صوَّتَ عثمان نفسه لصالح أردوغان في الانتخابات الأخيرة، رغم أنه يعيش في ألمانيا منذ سنوات كثيرة.
جانيت تسفينك / علي المخلافي