فرض قيود على رأس المال.. هل ينقذ تركيا من "غول التضخم"؟
٤ يوليو ٢٠٢٢في ظل تردي قيمة الليرة التركية في الأشهر الأخيرة، تدرس تركيا فرض ضوابط أكثر حزما على رأس المال، في خطوة من تعد الأحدث من قبل هيئة التنظيم والرقابة المصرفية في سلسلة خطوات غير عادية لتعزيز قيمة الليرة دون الحاجة إلى رفع سعر الفائدة.
وفي هذا السياق، أصدرت السلطات التركية قرارا في الـ 24 من يونيو/ حزيران الماضي، يحظر بموجبه منح قروض تجارية بالليرة لبعض الشركات في حال تجاوز اصولها النقدية بالعملة الأجنبية قيمة الـ 15 مليون ليرة تركية أي ما يعادل 895 ألف دولار و وتتجاوز 10 في المائة من إجمالي أصولها أو إيراداتها السنوية. ومن شأن هذا القرار أن يجبر شركات تركية على البدء في بيع ما تمتلكه من عملات أجنبية.
أردوغان وسعر الفائدة
وعلى وقع رفض الرئيس التركي رفع سعر الفائدة في البلاد، يُقدم البنك المركزي التركي وهيئة التنظيم والرقابة المصرفية على اتخاذ تدابير من شأنها أن تزعج النظام المالي.
ويزعم أردوغان أن رفع الفائدة سوف يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، رغم أن خبراء الاقتصاد يؤكدون عكس ذلك! فيما خرج الرئيس التركي في عدة مناسبات ليؤكد على دعوته إلى خفض سعر الفائدة.
وفي أعقاب اجتماع حكومي في وقت سابق من الشهر المنصرم، قال أردوغان إن "الحكومة لن ترفع سعر الفائدة ولا ينبغي لأحد أن يتوقع ذلك منا. على العكس، سوف نمضي قدما في خفض سعر الفائدة".
الجدير بالذكر أن تركيا تعاني من تردي قيمة الليرة مع ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يرجعه خبراء الاقتصاد إلى رفض أردوغان السماح برفع أسعر الفائدة.
وأدى ضعف قيمة الليرة إلى موجة ارتفاع أسعار في البلاد في ظل تفاقم التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية في أوكرانيا، وما تلا ذلك من ضغوط عالمية على الأسعار وخاصة مصادر الطاقة وما نجم عنه من استمرار في ارتفاع معدلات التضخم في تركيا بوتيرة أكثر من البلدان الأخرى.
التضخم يصل إلى أعلى مستوياته
وفقا لبيانات رسمية، فإن معدل التضخم في تركيا صعد إلى أعلى مستوى في نحو 24 عاما عند 21,3 بالمائة في نوفمبر /تشرين الثاني العام الماضي ثم ارتفع إلى 36 بالمائة في ديسمبر /كانون الأول و 61 بالمائة في مارس /آذار و 73,5 بالمائة في مايو/ أيار.
تزامن هذا مع ارتفاع سعر الدولار في تركيا بداية من 7,43 ليرة للدولار العام الماضي إلى 8 ليرات في مارس/ آذار العام الماضي لتبقى لفترة عند مستوى 9 ليرات في أكتوبر / تشرين الأول وقرابة 11 ليرة في نوفمبر/ تشرين الثاني ولتتجاوز الرقم القياسي ويصل سعر صرف الدولار إلى 18 ليرات في العشرين من ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي!
ومع ذلك يتجنب البنك المركزي التركي رفع سعر الفائدة، رغم أن هذا الإجراء يعد أحد أدوات مكافحة التضخم وارتفاع أسعار الصرف. ويكتفي البنك المركزي والمؤسسات الاقتصادية في تركيا باتخاذ تدابير هامشية لدعم الليرة.
الشركات ستتحمل العبء الأكبر
يشار إلى أنه في بداية العام الجاري أعلن البنك المركزي التركي أنه سيُطلب من المصدرين تحويل 25 بالمائة من أرباحهم بالدولار الأمريكي أو اليورو أو الجنيه الإسترليني إلى الليرة. أما في أبريل / نيسان الماضي، أعلنت الحكومة أن المصدرين سيضطرون إلى تحويل 40 بالمائة من عملتهم الأجنبية إلى اللير
التركية.
ومؤخرا، تهدف الخطوة التي أعلنت عنها هيئة التنظيم والرقابة المصرفية، والمتمثلة في فرض ضوابط على رأس المال، إلى تشجيع الشركات على تبديل العملات الأجنبية بالليرة، لكن خبراء اقتصاديين يحذرون من تداعيات ذلك. إذ أن هذه الخطوة المثيرة للجدل من شأنها أن ترفع من تكاليف الائتمان جراء التشدد في شروط الحصول على قروض.
وبموجب القرار الأخير، ستضطر الشركات إما إلى بيع ما تمتلكه من عملات أجنبية أو رفض الحصول على قروض، مما قد يمهد الطريق أمام حدوث تباطؤ اقتصادي في البلاد.
وفي ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي أردا تونجا أن العديد من الشركات سوف تتأثر سلبا بهذا القرار، مضيفا أنه "بالنظر إلى هيكل الإنتاج في تركيا، فإن المنتجين في حاجة إلى الاستيراد من أجل الإنتاج والتصدير وهو ما يعد أمرا ضروريا بالنسبة إليهم".
وقال في مقابلة مع DW "حتى لو قامت الشركات ببيع العملات الأجنبية، فسوف تكون في حاجة إلى شراء العملات الأجنبية بسبب الاستيراد".
عجز كبير واحتياطيات منخفضة
يشار إلى أن البيانات الرسمية كشفت عن أن تركيا سجلت ارتفاعا قياسيا في العجز التجاري الشهري في مايو/ أيار، فيما زادت الصادرات إلى 18,98 مليار دولار (18,25 مليار يورو) في الشهر ذاته مقارنة بالفترة نفسها العام السابق. في حين ارتفعت الواردات إلى 29,59 مليار دولار في نفس الفترة، ليرتفع بذلك عجز التجارة الخارجية بنسبة 155,2 بالمائة بين مايو/ أيار 2021 ومايو/ أيار العام الجاري.
وفي الوقت الذي يرتفع فيه العجز التجاري، انخفضت الاحتياطيات لدى البنك المركزي، ما يعني تزايد حاجة البلاد إلى النقد الأجنبي. فيما أقدم الرئيس التركي على إقالة ثلاثة محافظين للبنك المركزية منذ يوليو/ تموز 2019 في إطار الضغط للاستمرار في خفض سعر الفائدة.
وعلى وقع ذلك، تمت تنحية وزراء ومسؤولين عن الشؤون الاقتصادية في الحكومة مثل وزير الاقتصاد السابق علي باباجان ووزير المالية الأسبق محمد شيمشك ممن اتخذوا قرارات مستقلة نسبيا، ليحل محل هؤلاء براءت آلبيرق، صهر أردوغان ووزير المالية السابق، وزراء ومسؤولين آخرين أقسموا الولاء للرئيس أردوغان.
وكان براءت آلبيرق قد قدم استقالته بشكل مفاجئ في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020 بعد يوم واحد من إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويسال واستبداله بوزير المالية السابق ناجي أغبال.
الجدير بالذكر أن اسم آلبيرق ارتبط بجهود الحفاظ على قيمة الليرة، من دون اللجوء إلى رفع سعر الفائدة تماشيا مع سياسة أردوغان.
وفي ظل الشكوك حيال استقلالية المؤسسات المالية، انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا باستثناء الاستثمارات في مجال العقارات، حيث بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر 17 مليار دولار في عام 2015 فيما بلغ نسبة الاستثمار العقاري 3,9 مليار دولار في عام 2016 من إجمالي استثمارات مباشرة بلغت 12,3 مليار دولار. والعام الماضي، بلغت الاستثمارات المباشرة 14,1 مليار دولار منها 5,7 مليار دولار في شكل استثمارات عقارية.
إجراءات غير كافية
وفي هذا السياق، يقول أتيليم مراد، الأستاذ في جامعة TOBB ETÜ للاقتصاد والتكنولوجيا، إن قرار هيئة التنظيم والرقابة المصرفية الأخير، يأتي كرد فعل مباشر لانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر فضلا عن مشاكل الصرف الأجنبي.
ويضيف في مقابلة مع DW أنه "وباختصار، جاءت الخطوة لأنه لا يوجد تدفق في العملات الأجنبية، مع الاعتقاد بأن قطاع العقارات يحتفظ بوفرة من العملات الأجنبية. بموجب هذا القرار، إذ رغبت أي شركة في الحصول على قرض، يتعين عليها صرف العملة الأجنبية التي بحوزتها".
وتوقع مراد أن تفقد الليرة المزيد من قوتها أمام الدولار على المدى القصير، مضيفا "في هذه المرحلة، يُرجح أن يزداد الدولار قوة".
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي أردا تونجا أن هذه الخطوة لن تؤدي إلى حل مشكلة الاقتصاد التركي بشكل جذري كما كان الحال في الماضي، لأنها ليست كافية لتعزيز قوة الليرة.
بيلين أونكر / م ع