1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: خيارات محدودة للاقتصاد السوري والأنظار تتجه نحو دافوس

٢١ يناير ٢٠٢٥

بعد السقوط المدوي لنظام الأسد، اتخذت الحكومة الجديدة خطوات حسنت قيمة الليرة وخفضّت أسعار سلع أساسية، غير أن إعادة عجلة الاقتصاد السوري المدمر تواجهها تحديات لا تقوى عليها أية حكومة سورية بمفردها، والسؤال هنا، ما الحل؟

https://p.dw.com/p/4pNzO
دمشق يتوسطها جامع بني أمية الكبير، 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024
سنوات الحرب أضعفت دمشق كمدينة هامة للسياحة والتجارة والصناعة في الشرق الأوسط، فهل تنهض من جديد؟صورة من: Izettin Kasim/Anadolu/picture alliance

حتى قبل السقوط المدوي لنظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ 2024 كان الاقتصاد السوري على حافة الانهيار بسبب الدمار الذي لحق به جراء الحرب والعقوبات. واليوم وبعد نحو شهر ونصف على  هذا السقوط تحسن سعر الليرة السورية إزاء الدولار بنسبة تتراوح بين 20 و 30 بالمائة إثر تحرير سعر الصرف والسماح بالدولار والليرة التركية كعملتين للتداول إلى جانب الليرة السورية. وبفعل هذا التحسن  تراجعت أسعار سلع أساسية بنسب تفاوتت بين 10 و 25 بالمائة. وشكل ذلك بالدرجة الأولى أسعار مواد غذائية كالزيت والسكر والرز والبطاطا.

ركود السوق والتحديات الأمنية

غير أنه وعلى الرغم من هذا التحسن فإن الحركة في السوق السورية ما تزال ضعيفة إلى راكدة مع العلم أن هناك حركة ضعيفة بدأت تدب بها من جديد منذ أواسط الشهر الجاري يناير/ كانون الثاني 2025. أما الركود فمرده إلى أسباب عديدة من أبرزها عدم عودة المؤسسات والشركات والمرافق الحكومية إلى عملها بالشكل الذي كان سائدا قبل السقوط حتى الآن. وتواجه هذه العودة  العديد من العوائق والتحديات لعل من أبرزها ضعف الاستقرار الأمني في الكثير من المناطق والمتمثل بانتهاكات ضد حقوق الإنسان ونهب للممتلكات وأحيانا عمليات قتل، ناهيك عن التخريب والسرقات التي تعرضت لها إدارات حكومية وشركات إنتاجية كثيرة تابعة في غالبيتها للقطاع العام الذي يشكل في سوريا عصب الاقتصاد الوطني. يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف النقل بسبب قلة موارد الطاقة وارتفاع أسعارها. وزاد الطين بلة عدم صرف رواتب وأجور عشرات آلاف العاملين في قطاعات الدولة والجيش السابق.

أحد موظفي البنوك أمام حزم من العملة السورية/ الليرة بعد سقوط الأسد، دمشق 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024
تحسن قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، هل يستمر؟ صورة من: Louai Beshara/AFP/Getty Images

خطوات حكومية لتحفيز الاقتصاد

في هذه الأثناء وبهدف تحقيق المزيد من تحفيز الاقتصاد اتخذت حكومة السلطة الجديدة في سوريا عدة خطوات لعل من أبرزها رفع الدعم من مختلف السلع عدا الخبز وتخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 50 إلى 60 بالمائة مقارنة بتلك المعمول بها في فترة حكم النظام السابق. وحسب مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش فإن  التخفيض يراعي إلى حد ما حماية المنتج المحلي من خلال تخفيض كبير للرسوم على مدخلات الإنتاج. كما يراعي أهمية تقديم حوافز لجذب المستثمرين وخاصة السوريين في الخارج.  ومن الخطوات الأخرى التي تم اتخاذها الاتفاق مع قطر وتركيا على توفير الكهرباء لمدة 6 إلى 8 ساعات يوميا في غضون شهرين بدلا من ساعتين فقط في الوقت الحالي.

ويتوقع من الخطوات الجديدة إعادة عجلة العمل في الكثير من المؤسسات الصناعية التي تعاني من ارتفاع تكاليف الطاقة ومدخلات الإنتاج. ويدعم الخطوات الحكومة هذه قيام الإدارة الأمريكية مؤخرا بتخفيف العقوبات الاقتصادية بحيث يسمح للسلطة الجديدة في دمشق استيراد مصادر الطاقة وتوفير مستلزمات ترميم وتحسين كفاءة قطاعات أساسية كالتعليم والصحة والنقل، إضافة إلى السماح بالتحويلات المالية الشخصية من الخارج إلى سوريا. ولا يغير من الآمال بإعادة عجلة العمل في الكثير من المؤسسات حقيقة خوف منتجين سوريين من أن تخفيض الرسوم الجمركية شمل أيضا سلعا جاهزة يتم إنتاجها في سوريا.

سوريا ما بعد الأسد.. ثروات هائلة وتحديات كبيرة

تحديات أكبر من قدرة الحكومة السورية

تبدو الخطوات الرسيمة التي تم اتخاذها حتى الآن مهمة، غير أن تأثيرها سيبقى محدودا بسبب الخراب الهائل الذي أصاب الاقتصاد السوري منذ عام 2011. ويعكس هذا الخراب تراجع الناتج المحلي بنسبة تزيد عن 76 بالمائة ليبلغ 14.5 مليار دولار فقط في عام 2023 مقابل 64.4 مليار دولار عام 2010 حسب مؤسسة التجارة الخارجية والاستثمار الألمانية ، وتم تدمير القسم الأكبر من البنى التحتية والمعامل والمدن الصناعية وخاصة في العاصمة الاقتصادية حلب. وتقدر تكلفة  إعادة الإعمار إلى مستوى ما قبل 2011 بما لا يقل عن 400 مليار دولار. وتراجع معدل دخل الفرد الشهري إلى أقل من 30 دولارا بدلا من 200 إلى 400 دولار عام 2011. وحسب منظمات الأمم المتحدة المعنية يعاني اليوم 90 بالمائة من السوريين الفقر المدقع وسوء التغذية. وبناء على ذلك فإن دب بعض الحركة في عروق الاقتصاد من خلال خطوات الحكومة لا يكفي لإعادته إلى سكة التعافي خلال السنوات القادمة. فمثل هذا التعافي يحتاج إلى أموال ومعارف وخبرات لا تستطيع أية حكومة سورية توفيرها بسبب حجم الأعباء والتحديات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تواجهها.

الاقتصاد السوري بقي غربي الهوى

كان الاقتصاد السوري حتى عام 2011 مبني إلى حد كبير على قدرات ذاتية وعلى العلاقات مع الغرب بالدرجة الأولى. فقبل اندلاع الحرب عام 2011 كان ثلثي التبادل التجاري السوري يتم مع تركيا ودول في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها إيطاليا وألمانيا وفرنسا. وكانت القطاعات الأساسية وعلى رأسها الصناعة والزراعة تعتمد أيضا على مواد وسيطة يتم استيرادها من هذه الدول. وتم بناء البنى التحتية في مجالات النقل والطاقة والصحة والاتصالات وغيرها بالتعاون مع دول أوروبية من أبرزها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والنمسا وهنغاريا.

عامل سوري يقوم بإعادة تدوير قواطع معدنية بشكل يدوي
الصناعات السورية تقادمت وتحديثها يحتاج إلى أموال طائلة، فمن سبقوم بعملية التمويل؟صورة من: Anas Alkharboutli/dpa/picture alliance

وفي نفس الوقت كانت معظم الصادرات السورية من النفط والقطن والمواد الغذائية والألبسة والمنظفات تذهب إلى أوروبا والخليج. واليوم وبعد 14 سنة  من الحرب وسقوط نظام الأسد ما يزال الاقتصاد السوري غربي الهوى. ويدل على ذلك ضعف ارتباطه مع روسيا وإيران اللتان قدمتا الدعم العسكري والسياسي السخي للنظام المنهار. أما العلاقات الاقتصادية فبقيت ضعيفة باستثناء استيراد النفط الإيراني بالحد الأدنى والقمح من روسيا لتوفير النقص اللازم لتوفير رغيف الخبز. وفيما عدا ذلك فإن السلع الإيرانية غير النفطية لم تشكل حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 سوى 2 بالمائة من إجمالي الواردات السورية. أما الواردات من روسيا فلم تتجاوز نسبة 4 بالمائة من مجمل الواردات السورية مقابل 40 بالمائة شكلت نسبة الواردات من تركيا في عام 2021.

الدور الأوروبي في إعادة الإعمار

على ضوء ما تقدم يمكن القول إن إعادة الإعمار مرتبطة حتما بمدى التعاون مع تركيا والاتحاد الأوروبي أولا ومع دول الخليج العربية ثانيا. ومما لا شك فيه أن الدور التركي سيكون الأقوى وخاصة في مجالات التجارة والبناء والصناعات الاستهلاكية بحكم خبرة الشركات التركية وخاصة في مجال البناء، غير أن تركيا نفسها تعاني من أزمات اقتصادية ومديونية عالية تجعل قدرتها على التمويل محدودة. ويمكن لدول عربية خليجية في حال توفر الإطار السياسي اللازم أن تسد ثغرة التمويل بقروض طويلة الأجل، لاسيما من أجل إعادة إعمار البنى التحتية. أما الدور الأوروبي فيمكن أن يكون هنا الأكثر فاعلية وخاصة على صعيد تحديث هذه البنى التي تم إنشاؤها قبل الحرب بالاعتماد على التقنيات والتجهيزات والمعارف وخبرات الشركات الغربية مثل سيمنس وتيسن كروب الألمانيتين والكاتيل ولافارج الفرنسية .

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية لدى دويتشه فيله
ابراهيم محمد: الاقتصاد السوري بقي غربي الهوى رغم سنوات الحرب والدمار والدعم الروسي والإيرانيصورة من: Boris Geilert/DW

دافوس 2025 فرصة ترويج نادرة

في 20 الشهر الجاري يناير/ كانون الثاني 2025 تبدأ اعمال المنتدى الاقتصادي العالمي/ دافوس 2025 بحضور نحو 3000 مشارك يتقدمهم نخبة من كبار المسؤولين ورجال الأعمال في العالم. ولأول مرة خص المنتدى سوريا بجلسة لمناقشة أولوياتالحكومة السورية في المرحلة القادمة. وسيترأس الجلسة أسعد الشيباني، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الحالية. ومن المتوقع قيام الوزير  مجددا بالتأكيد على أهمية رفع العقوبات الغربية عن سوريا كشرط لابد منه لتحريك أية عملية إعادة إعمار في البلاد، فبدون رفع العقوبات لن يكون هناك فرصة لتمويل وتجهيز وتشغيل أية مشاريع من الخارج. كما يتوقع من ممثلي الحكومة السورية في المنتدى التأكيد أيضا على خيار الاعتماد على الغرب وتركيا والعالم العربي في إعادة إعمار البلاد. يضاف إلى ذلك انه ينبغي على هؤلاء الممثلين التأكيد على أن سوريا الجديدة ستكون دولة تقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان. الجدير ذكره هنا أن جميع المسؤولين الغربيين الذين زاروا دمشق مؤخرا أكدوا على أن مدى مساهمتهم في  إعادة بناء سوريا مرتبط بتحول سياسي يجعل من سوريا بلدا للتعددية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان لجميع مكونات الشعب السوري.

إبراهيم محمد

العقوبات الاقتصادية على سوريا