الخليج الساكت عن انهيار أسعار النفط
١٧ يناير ٢٠١٥حذر الأمير والملياردير السعودي الوليد بن طلال من أن سعر برميل النفط الخام لن يرتفع إلى ما يزيد عن 100 دولار بعد الآن. وجاء توقع الأمير في الوقت الذي تدهور فيه سعر البرميل إلى أقل من 50 دولارا لأول مرة منذ ست سنوات. ومن المتوقع استمرار هذا التدهور مع ضخ مزيد من النفط الخام إلى الأسواق المتخمة. في هذا الإطار أعلنت السعودية أنها زادت من إنتاجها أواخر العام الماضي رغم تدهور الأسعار. كما أعلن العراق عزمه على ضخ مزيد من النفط الخام بحلول فبراير/ شباط القادم. ويبدو أن الجهود الروسية الإيرانية الفنزويلية الرامية لإقناع السعودية والكويت والإمارات بالتوصل إلى اتفاق من شأنه تقليص العرض الزائد في الأسواق لن تفضي إلى نتيجة. يضاف إلى ذلك أنّ الطلب العالمي سيراوح مكانه على ضوء الأداء الضعيف لاقتصاديات الدول الصناعية المستهلكة للنفط بشكل رئيس.
السعودية ترفض تقليص العرض
منذ بدء تدهور أسعار النفط الخام وصولا لتراجعها بنسبة 60 بالمائة خلال ستة أشهر تنامى استغراب الخبراء الاقتصاديين حول ردود فعل دول الخليج، لاسيما وأن النفط يشكل نسبة تصل إلى 90 بالمائة أو أعلى من صادرات بعضها كما هو عليه الحال في السعودية والكويت.
فالسعودية وهي أكبر المنتجين في دول أوبك على سبيل المثال قللت على لسان وزير النفط فيها على النعيمي من الآثار السلبية لتراجع الأسعار على اقتصادها. ومن المفاجآت أيضا أن هذا البلد الذي يضخ أكثر من 9.6 مليون برميل يوميا رفض البحث في اتفاق مع الدول المنتجة الأخرى كروسيا وإيران وفنزويلا لتقليص المعروض النفطي في الأسواق بهدف وقف تدهور الأسعار. وليس هذا وحسب، فالسعودية تزيد إنتاجها من النفط رغم فوائض العرض، كما تقدم علاوات للتجار الذين يطلبون شحنات من نفطها بشكل يساعد على دفع السعر إلى مزيد من التدهور. وتدعم الدول الخليجية الأخرى وفي مقدمتها الكويت والإمارات الموقف السعودي هذا .
استنكار خليجي لتجاهل آثار تدهور أسعار النفط
مواقف دول الخليج من تدهور أسعار النفط واجهت صمتا كبيرا ونقدا قليلا رغم الأهمية الحيوية للموضوع المرتبط بشكل مباشر بتمويل نفقاتها واستثماراتها. الأغرب في الأمر أن أبرز الانتقادات جاءت من السعودية نفسها على لسان الملياردير الأمير الوليد بن طلال، الذي عبّر في رسالة وجهها إلى وزير النفط السعودي على النعيمي عن "الدهشة والاستغراب بل والاستنكار" لتصريحات نقلت على لسان الوزير قلل فيها من "الآثار السلبية التي ستلحق بميزانية واقتصاد المملكة السعودية جراء التراجع الكبير في أسعار النفط". ورأي الوليد في انتقاداته لسياسة بلاده الاقتصادية أن السحب من الاحتياطي لمواجهة العجز في الميزانية يعني "أننا وصلنا إلى نقط الخطر". ومن المتوقع أن تواجه الميزانية السعودية السخية للعام المالي الحالي عجزا بالمليارات لأول مرة منذ عام 2011. في هذه الأثناء ستتراجع العوائد النفطية إلى أكثر من 50 بالمائة على أساس الأسعار الحالية. وسيتم تمويل العجز من الاحتياطات المالية الضخمة المقدرة بأكثر من 750 مليار دولار.
التأثيرات لن تقتصر على عجز الموازنات
غير أن التأثيرات السلبية في السعودية ودول منطقة الخليج جراء استمرار تدهور سعر النفط لن تقتصر على العجز في الميزانيات وسحب الاحتياطات لتمويل هذا العجز. فالبورصات الخليجية ستتعرض بدورها للاضطرابات بسبب تعكر مزاج المستثمرين وضعف ثقتهم بأداء الشركات، لاسيما في شركات التطوير العقاري التي تشهد طفرات ازدهار في ظل أسعار نفط عالية.
وبالفعل فأن الاضطرابات بدأت تظهر منذ شهري نوفمبر/ تشرين الثاني ، وديسمبر / كانون الأول الماضيين عندما هوت بورصات الرياض ودبي والدوحة وأبو ظبي مرتين بنسب تراوحت بين حوالي 2 و 6 بالمائة. ومع زعزعة الثقة بمناخ الاستثمار سيتم تجميد أو الإبطاء في تنفيذ كثير من المشاريع الكبيرة طويلة الأجل التي تم تخطيطها على أساس أسعار كهذه. وسيكون التأثير على أشده في البحرين وسلطنة عُمان اللتان تشكلان الحلقة الأضعف في اقتصاديات بلدان الخليج. أما السعودية والكويت والإمارات وقطر فيمكنها حاليا التعويل على احتياطاتها المالية الضخمة لمواصلة الإنفاق الحكومي بمعدلات عالية أو حتى بأعلى من معدلاتها الحالية.
هل ضيع الخليج فرص تنويع اقتصادياته ؟
يصح القول إن بلدان الخليج تستطيع الحفاظ على مستوى الإنفاق الحكومي بمعدلاته الحالية اعتمادا على احتياطاتها المالية المتراكمة، غير أن هذه الاحتياطات لا تكفي سوى لبضع سنوات إذا أرادت هذه الدول الاستمرار في تحديث بنيتها التحتية والحفظ على مستوى الخدمات العامة وفي مقدمتها التعليم والصحة. بعد ذلك لا بد لها من اللجوء إلى الاقتراض من البنوك الدولية. و يبدو أن هذا الاقتراض لا مفر منه حتى لو تحسن السعر، لأن عودة الأسعار إلى مستوياتها القياسية فوق 80 دولارا للبرميل لا تبدو واقعية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاستثمار في إنتاج النفط الصخري أصبح مجديا اعتبارا من سعر 60 دولارا للبرميل وما فوق.
كل ذلك يعني أنّ دول الخليج ستواجه تحديات كبرى أبرزها مواجهة أعباء الإنفاق الحكومي المتزايدة في ضوء النمو السكاني وارتفاع الأسعار، لاسيما وأنّ احتياطاتها المالية تسير إلى تراجع. السؤال الذي يطرح نفسه على ضوء ذلك، هل يمكن لهذه الدول خلال السنوات القليلة القادمة تنويع مصادر دخلها والتقليل من اعتمادها شبه الكلي على النفط، أم أنها ضيعت الفرصة إلى غير رجعة؟