أين حصة المستهلكين من صعود الجنيه المصري؟
٢ يونيو ٢٠١٩بعد تعويم الجنية المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 فقدت العملة المصرية ما يزيد عن 100 بالمائة من قيمتها إزاء الأخضر أو الدولار الأمريكي. ومع توجه سعر الدولار إلى نحو 20 جنيها بعد أشهر قليلة من التعويم مقابل أقل من تسعة جنيهات قبل ذلك خشي خبراء ومسؤولون كثر حينها من الانهيار وجنون الأسعار بشكل يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية تهدد الاستقرار السياسي النسبي. غير أن رياح الجنيه مشت على عكس هذه المخاوف. وقد فاجأت العملة المصرية الكثيرين باستقرار نسبي وتحسن طفيف تخللته تذبذبات مؤقتة في سعرها خلال العامين الماضيين. كما فاجأتهم بارتفاعها الملحوظ إزاء العملة الأمريكية منذ بداية العام الجاري 2019. وبهذا الارتفاع انحدر سعر الدولار إلى أقل من 17 جنيها أواخر مايو/ أيار مقابل نحو 18 جنيها في يناير/ كانون الثاني الماضي. ورافق هذا التحسن تراجع معدلات التضخم من معدلات زادات على 30 بالمائة خلال عامي 2016 و 2017 إلى أقل من نصف هذه النسبة خلال الأشهر القليلة الماضية.
طفرة دولارات غير مستدامة
يبدو ارتفاع سعر الجنيه المصري إزاء الدولار الأمريكي بداية مرحلة تحول في تاريخه بعد التعويم. ويدعم هذا الاستنتاج القيام بمزيد من الإصلاحات الاقتصادية الجريئة التي ركزت حتى الآن على رفع الدعم الحكومي لسلع أساسية بشكل تدريجي. كما يدعمه تقليص فاتورة مشتقات الطاقة بفضل الاستخراج المتزايد للغاز بشكل أدى إلى تحول مصر من بلد مستورد إلى بلد مصدر له. وحتى تكتمل عملية الإصلاح لتطال مؤسسات الدولة وجهازها الإداري المثقل بالفساد ستبقى مشكلة هذا التحول الإيجابي المذكور أعلاه في اعتماده على تدفقات مالية خارجية ليست مستدامة أكثر من اعتماده على استثمارات طويلة الأجل. ويشكل المغتربون والاقتراض الحكومي الخارجي والسياحة مصدرها الأساسي. وهنا يجري الحديث عن تدفق نحو 29 مليار دولار منذ بداية العام الجاري 2019. وهو الأمر الذي رفع الاحتياطات الاجنبية إلى نحو 45 مليار دولار وأدى إلى توفر سيولة من الدولارات تزيد على الطلب المحلي في الوقت الحالي بعدما كان الوضع عكس ذلك حتى أواخر العام الماضي.
جنيه يصعد وأسعار السلع لا تتراجع؟
ويسأل الكثيرون عن حق، لماذا لا تنخفض الأسعار وتتحسن القدرة الشرائية للمستهلك المصري طالما أن عملته تتحسن منذ أشهر؟ من الناحية المنطقية يفترض أن يحصل مثل هذا التحسن، غير أن معطيات السوق لا تشير إلى ذلك.
أما الأسباب فمتعددة ومن أبرزها احتكار سوق الكثير من السلع الأساسية من جانب قلة أو مجموعة قليلة من التجار والمؤسسات تستطيع التحكم في أسعارها بموجب اتفاقات غير معلنة وغير مكتوبة. ولا يهم هنا إذا كانت هذه المجموعات من تجار القطاع الخاص أو من مسؤولي مؤسسات الدولة، لأن الاحتكار يؤدي دائما إلى فرض السعر بشكل إداري وليس على أساس تنافسي.
ومن الأسباب التي تبدو أكثر أهمية لعدم تراجع الأسعار، واقع أن تحسن سعر الجنيه لم يرافقه زيادة العرض السلعي في السوق بشكل يزيد المنافسة على أسعار أنسب. أما زيادة الإنتاج المحلي التي حصلت في إنتاج عدد من السلع كالأغذية والألبسة والغاز الطبيعي فقد توجهت في معظمها إلى الصادرات التي ارتفعت من 22.5 إلى أكثر من 29 مليار دولار بين عامي 2016 و 2018.
وبالنسبة للواردات وعلى الرغم من حظر استيراد الكثير من السلع الكمالية فقد ارتفعت من 58 إلى 81 مليار دولار خلال الفترة المذكورة حسب نشرة مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية/ GTAI. وبذلك يستمر العجز التجاري المزمن مع أنه لا يعكس زيادة استيراد السلع الاستهلاكية بقدر ما يعكس زيادة المستوردات من التجهيزات والسلع الرأسمالية اللازمة لتحديث قطاع الكهرباء وبناء العاصمة الجديدة ومشاريع قومية أخرى. وطبيعي أن مثل هذا العجز يحمل في طياته مخاطر استمرار الضغوط التضخمية التي تبقى على الأسعار مرتفعة.
استمرار تدهور مستوى المعيشة
يشهد الاقتصاد المصري تحسنا على أكثر من صعيد. ويشمل هذا التحسن إضافة إلى ما ذكر أعلاه ارتفاع معدلات النمو إلى أكثر من 4 بالمائة خلال العامين الماضيين وإلى أكثر من 5 بالمائة خلال العام الماضي 2018. وبفضل استخراج المزيد من الغاز تتقلص فاتورة مستوردات الطاقة باستمرار. وهناك زيادة ملموسة في إنتاج السلع الغذائية والأنسجة ومنتجات أخرى.
غير أن مستوى المعيشة المتدهور للقسم الأكبر من المصريين مستمر رغم هذا التحسن. ولم يغير من ذلك زيادة معدلات الرواتب والأجور من 1200 إلى 2000 جنيه مصر في مارس/ آذار الماضي. أما سبب ذلك فيعود إلى أن زيادة الأسعار وتقليص الدعم الحكومي التهمت هذه الزيادة في الأجور قبل حصولها.
ويبدو أنه ما يزال من المبكر الحديث عن تحسن ملموس في مستوى المعيشة والقضاء على الفقر، لاسيما وأن مؤشرات النمو الاقتصادي الواعدة لا يرافقها مشروع شفاف للقضاء على الفساد المستشري في صفوف التحالفات المسيطرة على الاقتصاد والسلطة السياسية. كما لا يرافقها مشروع فعال يقضي بإعادة توزيع المداخيل على أساس فرض معدلات ضريبية تصاعدية تطال كل الفئات الغنية والميسورة بغض النظر عن نفوذها السياسي والاقتصادي.
ابراهيم محمد