"تحرير" الرقة- رهان أمريكي على الأكراد وتجاهل لموسكو
٢٧ مايو ٢٠١٦منذ إعلان تنظيم "داعش" مدينة الرقة السورية عاصمة لخلافته "الدولة الإسلامية"، أضحت المدينة معقلا له ومركزا للتحضير والتخطيط لعملياته واستراتيجيته في سوريا. وبذلك باتت المدينة محور نشاطات وتحركات التنظيم وأحكم قبضته عليها وعلى الباقين من سكانها. ومن هنا لم يكن من السهل طرده منها واستعادة السيطرة عليها سواء من قبل النظام السوري أو قوات المعارضة الأخرى المنافسة لداعش. ولهذا فإن الولايات المتحدة في إطار حملتها على الإرهاب والتحالف الدولي الذي تقوده ضد "داعش" تعول كثيرا على طرده من الرقة وتوجيه ضربة مؤلمة له حسب رأي العقيد اللبناني المتقاعد الياس فرحات، الخبير العسكري والاستراتيجي، الذي يقول في حواره مع DW عربية إن الرقة تعتبر مهمة واستراتيجية "فالسيطرة عليها تشكل ضربة قوية لداعش، لذلك اهتمت الولايات المتحدة كثيرا بهذا الموضوع وأرسلت قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل إلى شمال سوريا للتخطيط والتحضير للعملية التي سيشترك فيها 12 ألف جندي من قوات سوريا الديمقراطية".
وقد أعلنت قوات سوريا الديموقراطية، عن إطلاق عملية استعادة الرقة بدءا من ريف شمال المحافظة. وقبل بدء عملية "تحرير الرقة" أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعزز قواتها في سوريا إلى جانب تقديم الدعم العسكري واللوجستي لقوات سوريا الديمقراطية، وإثر ذلك زاد وصل عدد الجنود الأمريكيين في سوريا إلى 250 جنديا منهم 200 من وحدات قوات العمليات الخاصة، سيكون لهم دور محوري في الهجوم على الرقة. وعن دور القوات الأمريكية في الهجوم يقول فرحات، إن "هناك وحدات قتالية ووحدات خاصة تقوم بعمليات محددة خاصة وتقديم الاستشارات والقيادة الميدانية على صعيد وحدات صغرى من قوات سوريا الديمقراطية" ويضيف بأن التسنيق مع القوات الجوية الأمريكية والاستفادة من المعلومات التي توفرها المخابرات الأمريكية "لتحديد الأهداف الدقيقة لتنظيم داعش ومقرات قياداته ومخازن الأسلحة وتجمعات مقاتليه وقصفها بالطيران وتأمين الوحدات البرية اللازمة للهجوم على هذه المراكز" سيكون أيضا من مهام الجنود الأمريكيين.
أما إعلان الولايات المتحدة التخطيط لهذه العملية فيعني حسب الخبير العسكري والاستراتيجي أن هناك "نية جدية لديها لإنهاء تنظيم داعش في الرقة" وإن تزامنها مع عمليات الفلوجة يهدف إلى منع "داعش من تحريك قواته وتبادل المساندة بين المنطقتين".
جنود أمريكيون بشعار كردي؟
وفي خضم العمليات وتدوال أنبائها، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) صورا لجنود أمريكيين يشاركون في العملية وقد وضع بعضهم شعار وحدات حماية الشعب الكردية، وهو ما أثار حفيظة تركيا وسارع وزير خارجيتها، مولود تشاووش أوغلو، إلى انتقاد الولايات المتحدة واتهمها بالكيل بمكيالين بقوله "إذا قالوا نحن لا نرى أن وحدات حماية الشعب وهذه الجماعات الإرهابية هي الشيء ذاته، فإن جوابي هو هذه معايير مزدوجة وكيل بمكيالين" وتابع "من غير المقبول أن يستخدم جنود أمريكيون شعار وحدات حماية الشعب وهي جماعة إرهابية." حيث تعتبر أنقرة الوحدات امتدادا وفرعا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه مثل الولايات المتحدة جماعة إرهابية. لكن وزراة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) رفضت التعليق على ذلك وعندما سئل بيتر كوك، السكرتير الصحفي للوزارة، خلال مؤتمر صحفي فيما إذا كان من المناسب ارتداء هذا الشعار رفض التعقيب على الصور، لكنه قال إنه عندما تعمل القوات الخاصة في منطقة ما فإنها تبذل كل ما في وسعها للاندماج مع المجتمع لتعزيز أمنها. أما قوات سوريا الديمقراطية فنفت مشاركة جنود أمريكيين في القتال مباشرة وقال الناطق باسمها، العقيد طلال سلو، "هذه الصور عارية عن الصحة، حيث هناك مقاتلون ضمن وحدات حماية الشعب من جنسيات مختلفة يمكن أن تكون الصور لهؤلاء" وتابع في حواره مع DW عربية أنه ليست هناك "قوات أمريكية على الأرض، فقط هناك مدربون أمريكيون وخبراء. وإن دور الأمريكيين حتى الآن هو التدريب وفي غرفة العلميات لتوجيه الطيران".
ورغم هذا الزخم والحشد الكبير للقوات والتخطيط للهجوم وتدخل القوات الأمريكية مباشرة في العملية، لفت فرحات إلى أنه يجب عدم الاستهانة بداعش وتوقع أن تكون "المعركة قوية وقاسية وليست سهلة أبدا رغم المشاركة الأمريكية الفاعلة فيها". أما فيما إذا كان مقاتلو التنظيم سينهارون وينسحبون من الرقة كما حصل في مناطق أخرى فإنه لم يستبعد ذلك، فحين "بشتد الهجوم عليهم وعندما تطوق مدينة الرقة وتصبح القوات البرية قريبة منها، فمن المتوقع أن يحصل الانهيار كما حصل في تدمر والرمادي وتكريت أيضا".
تجاهل موسكو وعرضها للمشاركة في الهجوم
بدورها عرضت موسكو التعاون والتنسيق مع واشنطن وتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية في هجومها على الرقة وطرد "داعش" منها، لكن العرض الروسي لم يلق الرد ولا الاهتمام من الولايات المتحدة التي "يبدو أن لها أجندتها الخاصة وماضية في العملية بالاشتراك مع قوات سوريا الديمقراطية من دون أن تشرك معها القوات الروسية"، حسب ما جاء في حوار فرحات مع DW عربية. وفي نفس السياق ذهب سلو أيضا بتأكيده أنه "كان هناك طرح من روسيا، لكن القيادة العامة وأمريكا هي التي تقرر فيما إذا كان يجب التنسيق مع الروس أم لا".
أما عن تعاون وتنسيق الولايات المتحدة مع الأكراد في سوريا واعتمادها على القوات الكردية بالدرجة الأولى في حربها على "داعش" فيعود حسب رأي فرحات إلى أنهم "أثبتوا جدارتهم في المعارك، على عكس الجيش الحر أو ما يسمى بالمعارضة المعتدلة التي فشلت في تحقيق أي تقدم أو أي وجود فاعل على الأرض رغم الدعم الأمريكي الكبير لها" وأضاف أن "تجربة الأمريكيين لم تنجح إلا مع وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية".
وكما يرى بعض المراقبين، لم يستبعد فرحات أن يثير دخول المقاتلين الأكراد إلى الرقة حفيظة بعض السكان من العرب، ولهذا فحسب المعلومات المتوفرة سيدخل مقاتلو "الوحدات التابعة للعشائر العربية" إلى المدينة، أما "الوحدات الكردية ضمن قوات سوريا الديمقراطية فسيكون لها دور قتالي ولكن ليس داخل المدينة. هذا ما يعرف حتى الآن ولكن مع تطور الأمور لا نعرف ماذا سيحدث". أما العقيد سلو فقد استبعد أي حساسية من قبل السكان العرب تجاه المقاتلين الأكراد وقال لـ DW عربي إن أهالي الرقة "وجهوا لنا نداءات استغاثة. هذا الكلام لأبواق داعش وأردوغان وتركيا التي تبث مثل هذه الإشاعات".