تحديات جديدة تواجه استراتيجيات الحرب على القاعدة في شمال افريقيا
٢٥ يناير ٢٠١٣كان الإرهابيون في أتم الاستعداد، فلم تكن معهم فقط الأسلحة الثقيلة، ولكن كانت لديهم خريطة لمنشأة إنتاج الغاز في عين أميناس في شرق الجزائر. لقد قاموا بالتجسس على الموقع بتفصيل بواسطة عملائهم، الذين يعملون هناك. في البداية كانت هناك رغبة في التفاوض مع محتجزي الرهائن، حسب ما قال رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال، غير أن مطالب الإرهابيين كان من المستحيل تلبيتها. لذلك تم التوصل إلى قرار الهجوم بالرغم من كبر المنشأة التي تبلغ مساحتها أكثر من أربعة هكتارات، أما حقل الغاز نفسه فتبلغ مساحته عشرة هكتارات.
تحرير محفوف بالمخاطر
عملية تحرير الرهائن كانت عملية في منتهى الخطورة، حيث أنه في النهاية قتل 37 رهينة على الأقل. كما كان هناك تخوف من وجود المزيد من الضحايا، فبعض الجثث لم يتم التعرف عليها بعد. كما قتل في العملية 32 إرهابيا، أما البقية فتم إلقاء القبض عليهم. وقد اعتبر عبد المالك سلال هذه العلمية" إشارة واضحة". كما قال رئيس الوزراء إن" الجزائر أتبثت قدرتها العالية في إطار الحرب على الإرهاب، بقيامها بهذه العملية. لقد اعترفت كل الدول بهذه القدرة وبتعامل الجزائر مع أزمة الرهائن."
بيد أن عواصم غربية انتقدت طريقة إدارة السلطات الجزائرية لأزمة الرهائن، بالنظر لكلفتها البشرية الفادحة. ووجهت انتقادات للعملية بصفة خاصة من اليابان والنرويج وبريطانيا، وهي بلدان يعمل أعداد كبيرة من مواطنيها في مجال الغاز.
وقد استدعت وزارة الخارجية اليابانية السفير الجزائري اعتراضا على الغارة وأعربت عن "أسفها العميق". من جانبه، قال وزير الخارجية النرويجي اسبن بارث ايدي إن أوسلو "كانت تود لو تم إطلاعها مسبقا على العملية"، مرددا مضمون ما قاله متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ذكر ان بريطانيا "كانت تفضل أن يتم التشاور معها مسبقا". وفي وقت لاحق من نهاية العملية تفادت واشنطن وباريس توجيه انتقاد للجزائر، واكتفت بإعلان نيتها تقديم مساعدات للجزائر في مجال مكافحة الارهاب.
قوات الأمن الجزائرية كانت مستعدة تمام الاستعداد للقيام بهذه العملية، فقوات الأمن الجزائري لها تاريخ طويل مع الإرهابيين وهذا النوع من العمليات. يقول ويليام لورانس الخبير في شؤون الشرق الأوسط من بيت الحكمة " المجموعة الدولية للأزمات" في حديث له مع DW:"لقد بقيت قوات الأمن الجزائرية المتخصصة في الإرهاب حتى بعد الحرب الأهلية التي شهدتها سنوات التسعينات." ويضيف الخبير:"صحيح أن الجزائر أعلنت في 2002 نهاية العشرية السوداء، غير أن المتورطين في ذلك الماضي الأسود مازالوا موجودين." صحيح لقد خف الخطر و"لكنهم لم يختفوا من الوجود."
تراجع إلى منطقة الساحل
لكن هناك شيء تغير حسب ما صرح به رشد أوعيسى الخبير السياسي من جامعة ماربورغ في حوار له مع DW:" الحرب على الإرهاب أدت إلى خلو شمال البلاد تقريبا من الإرهابيين." ويضيف:" غير أن هذا أدى إلى نزوح الإرهابيين باتجاه الجنوب، في منطقة الساحل غير المستقرة، حيث استأنفوا نشاطهم هناك." ويتابع أوعيسى:" يصعب التحكم في هذه المنطقة، بل صار الأمر أكثر صعوبة بعد سقوط نظام القذافي في البلد الجار ليبيا." ويضيف الخبير السياسي:"هذا بالإضافة إلى التدهور الذي تشهده مالي منذ عشر سنوات."
لقد وجد الإرهابيون في الشريط الحدودي بين الجزائر ومالي، منطقة مثالية للإنكفاء فيها، كما يقول ويليام لورانس الخبير في شؤون الشرق الأوسط، حيث يشعر الإرهابيون بالأمان في منطقة الصحراء "يتحركون بسرعة في آلاف الكيلومترات. والحدود لا تلعب أي دور في الحد من تحركاتهم.“
أما ما يشكل للإرهابيين ميزة، فهو أن دولة مالي لا تسيطر بشكل جيد على تلك المنطقة.“وبالتالي يستغل الإرهابيون نقاط الضعف للقيام بعملياتهم: يهربون المخدرات، والأسلحة، والناس أيضا. كما يقومون بعمليات اختطافات." إضافة إلى ذلك يقومون باستغلال المشاكل السياسية والاجتماعية التي تتخبط فيها مالي للتوغل في البلاد والحصول على المزيد من الأتباع.
خطط تخريبية في شمال افريقيا
لكن ليست الأعمال الإجرامية هي الشغل الشاغل للإسلاميين كما يوضح رشيد اوعيسى. فبعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصبح للإرهاب بعد آخر. حيث أنه يعمل على التأثير على ميزان قوى الدول المجاورة لأوروبا. " بداية استهدفوا المنطقة التي كان يطلق عليها في السابق" العالم الثالث" ثم وضعوا الشرق الأوسط نصب أعينهم والآن هم يذهبون بعيدا ويتوجهون نحو أفريقيا."
ما يساعدهم على ذلك هو أن هذه البلدان التي كانت مستعمرة وحصلت على استقلالها تتغير فيها الأنظمة السابقة ويظهر فيها نظام جديد تتفكك من خلاله هذه البلدان." كما يظهر فاعلون جدد يُعقدون الوضع السياسي أكثر." لم يعد الأمر يتعلق بالدكتاتوريين في مالي ولكن مع فاعلين جدد أيضا."
استراتيجيات وتحديات جديدة
ما يحدث الآن سيؤدي إلى وضع غير مستقر في الكثير من البلدان كتشاد ومالي والنيجر وربما أيضا موريتانيا، كما لا ينبغي استبعاد أن هذه الدول غير مهيكلة بالشكل الجيد ولها نظم جديدة نسبيا، على عكس الجزائر التي خرجت قوية من أزمة الرهائن. يقول أوعيسى:"ستصبح الجزائر دولة ذات قوة في المنطقة بعد استعراض قوتها في عملية عين أميناس، كما ستكون شريكا ممتازا بالنسبة للغرب."
في نفس الوقت لا ينبغي إغفال ضرورة تقوية الجزائر، فالهجوم على حقل الغاز أظهر نقاط ضعف أيضا، كما كتبت صحيفة "الفجر". عملية احتجاز الرهائن أظهرت أيضا الحاجة إلى استراتيجيات جديدة لمحاربة الإرهاب. "فالجيش ليس قادرا بمفرده على حل المشاكل. أطراف أخرى مطالبة أيضا بالمشاركة، كالمدارس والمؤسسات الدينية، بالإضافة إلى الدولة والبرلمان، فالدولة لا يمكن لها التسلح فقط بالأسلحة. المطلوب كذلك هو سياسة اقتصادية واجتماعية. فالإرهاب يتغذى من النقائص الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.