"تاغس شبيغل" البرلينية تحتضن أقلام اللاجئين في عدد خاص
١٧ أكتوبر ٢٠١٦غصت القاعة مساء الجمعة الماضية بالحضور، الذي رَبَا على مائة وخمسين شخصاً. بدأت الفعالية بمقطوعات غنائية لجوقة الصحيفة باللغات الكردية والألمانية والعربية. أضفت الجوقة جواً من المرح والسرور على الفعالية. تبع ذلك كلمات ترحيب وإضاءات مقتضبة على الفعالية من كل من ماركوس لوننغ، مفوض الحكومة الاتحادية السابق لشؤون حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية، وشتيفان-أندرياس كاسدورف، رئيس تحرير الصحيفة. ثم صعد المنصة نائب رئيس التحرير، أرنو ماكوفسكي، وشرع في استعراض عدد خاص من صحيفة Der Tagesspiegel (تاغس شبيغل).
"بُناة الجسور"
بالتعاون مع مؤسسة "فريدرش ناومن"، المقربة من "الحزب الديمقراطي الحر" (الليبرالي)، أصدرت الصحيفة يوم السبت، الخامس عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، العدد الخاص بأقلام صحفيين لاجئين. وعن أسباب ودوافع هذه المبادرة أفادنا نائب رئيس التحرير، أرنو ماكوفسكي: "لاحظنا في السنة الفائتة أنه كُتب وقيل الكثير عن اللاجئين في وسائل الإعلام، ولكن لم يكتب اللاجئون بأنفسهم شيئاً. أردنا بهذا العدد الخاص إتاحة الفرصة للصحفيين اللاجئين للحديث عن وجهة نظرهم وقصصهم ومشاعرهم بأنفسهم".
وعن أسباب مشاركة مؤسسة "فريدرش ناومن" بإعداد هذا العدد الخاص، قالت لنا أندريه نوس، رئيسة قسم الصحفيين الدوليين والإعلام الدولي في المؤسسة: "وصل إلى ألمانيا، وإلى برلين خصوصاً، الكثير من الصحفيين. هؤلاء يمتلكون اللغة والمعرفة باللاجئين، مما يؤهلهم ليكونوا بُناة الجسور بين المجتمع الألماني واللاجئين لتسهيل الاندماج". وعلى صفحات التواصل الاجتماعي أطلقت الصحيفة هاشتاغ: #Jetztschreibenwir (الآن نحن نكتب) للتعريف بالعدد ونشره.
ثمرة جهود على مدار شهور
استغرق إنتاج هذا العدد الخاص جهداً ومتابعة حثيثة وتنسيق استمر منذ شهر تموز الماضي إلى أن رأى العدد النور. عُقدت خمس ورشات عمل شارك فيها أكثر من عشرين صحفياً لاجئاً من سوريا وإيران وأفغانستان والصومال. وتم التعريف بالإعلام وبالمشهد الإعلامي في ألمانيا وكيفية الإنتاج الصحفي.
الصحفية الفلسطينية-السورية، هبة عبيد تفيدنا أكثر: "تم التنسيق مع رؤساء الأقسام حيث اختار كل صحفي الموضوع الذي يرغب به، وكان رئيس كل قسم يقوم ببعض التوجيهات لسير العمل على أكمل وجه". الكاتبة والإعلامية الأفغانية مريم ميترا ترى أن الورشات كانت "احترافية وذات تنظيم جيد. واستمر التواصل والمناقشات مع رؤساء التحرير المسؤولين حتى دخول العدد إلى الطباعة". بعد اختيار المواضيع وكتابتها تمت الترجمة من العربية والإنكليزية إلى الألمانية.
دفعة إلى الأمام
أجمع كل من استطلعنا آرائهم من الصحفيين المشاركين على استفادتهم من هذه التجربة على عدة مستويات؛ أولها نسج وتوسيع شبكة علاقاتهم المهنية هنا، "مما قد يزيد من فرصهم في التدريب والعمل والنشر مستقبلياً". يصف لنا الصحفي السوري عدنان المقداد ما خرج به من التجربة: "بعد سنوات من الانقطاع عن ممارسة العمل الصحفي، جاءت هذه التجربة لترد لنا بعضاً من قيمتنا المعنوية. كما اطلعنا على طريقة العمل الاحترافية من الألف إلى الياء.
يضاف إلى ذلك يمكنني القول أنه تقريباً أصبحنا نفهم كيف يفكر الشعب الألماني مما يساعدنا في مخاطبته. كل ما سبق سيحسن فرصتنا في النشر والحضور في الإعلام الألماني. يضاف إلى ذلك أننا سنحصل على مقابل مادي عن المواد المنشورة". مريم ميترا رأت في المبادرة فوائد أخرى: "كانت فرصة جيدة للقاء صحفيين لاجئين يواجهون نفس المشكلات التي أواجهها في هذا المجتمع الجديد. ومثّلت التجربة كذلك فرصة لتبادل الأفكار بين بعضننا البعض وتبادلها مع الصحفيين الألمان".
رسائل إلى المجتمع الألماني
يقع العدد الخاص من الصحيفة البرلينية في 32 صفحة ويتناول أبواباً متنوعة: سياسة، اقتصاد، ثقافة، رياضة، صفحة للأطفال، علوم وبحث علمي، منوعات، برلين والحياة فيها، ولاية براندنبورغ وصفحات أخرى. ويتبين من خلال قراءة العدد أن الصحفيين حاولوا بكل ما أُوْتُواْ من مهنية وبراعة تعبيرية عكس هموم وشجون اللاجئين ومشاعرهم ومشاهداتهم وانطباعاتهم وتوقعاتهم.
تخبرنا هبة عبيد، التي شاركت غناءً في جوقة الصحيفة، عما بين سطور مشاركاتها: "حاولت أن أقدم للمجتمع الألماني حالة أخرى نعيشها في هذه البلاد الجديدة: حالة الحنين والذكريات والاسقاطات الواقعية المستمرة في أذهاننا عندما نواجه أي موقف. كما حاولت تصوير حالة القوة التي نمارسها كل يوم في وجه جميع الضغوطات اليومية".
أما زميلها عدنان المقداد، فيقول أنه حاول إيصال عدة رسائل من خلال مواده: "الرسالة الأولى: صحيح أننا الآن لاجئون، ولكن كان لدينا بلد وكنا نعيش في مجتمع منفتح وحضاري، وليس كما يروج في الإعلام عنا. الرسالة الثانية: يوجد بين اللاجئين الكثير من الطاقات والإمكانيات والأكاديميين. الرسالة الثالثة: إظهار احترامنا للبلد الذي فتح لنا أبوابه واحتضننا. الرسالة الرابعة: ضرورة إيقاف الحرب في سوريا".
صحفي آخر لاجئ من أحد البلدان العربية (هكذا حبذ التعريف به) قال: "لا أريد الدخول في كلام شعبوي من قبيل تحسين صورة اللاجئين وما إلى غير ذلك. بكل بساطة حاولت تناول مواضيع جديدة على الألمان ولا يستطيع الصحفي، الذي لا يتقن اللغة العربية الوصول إليها". يقيم هذا الأخير منذ ما يقارب السنتين ونصف في ألمانيا، ووصل لمرحلة يستطيع الكتابة بالألمانية؛ فلم تحتاج مواده للترجمة من العربية إلى الألمانية.
نهاية المطاف؟
استغل صحفيون لاجئون من أفغانستان أمسية عرض العدد ليثيروا مسألة "مطالبتهم بمعاملتهم بالمثل كالسوريين من حيث المزايا والامتيازات". وفي نهاية الأمسية استمتع الحضور بعشاء شرقي لذيذ على أنغام الموسيقا، ثم انصرف الجميع. ولكن هل ستكون هذه المبادرة يتيمة ونهاية المطاف ويمضي كل في حال سبيله؟
عن ذلك أجابنا نائب رئيس التحرير، أرنو ماكوفسكي: "سنبقى على اتصال مع الصحفيين اللاجئين ونلتقي باستمرار للتشاور وسنتيح لهم نشر مواد أخرى مستقبلياً. الاستدامة أمر ضروري". أندريه نوس، رئيسة قسم الصحفيين الدوليين والإعلام الدولي في مؤسسة "فريدرش ناومن" أضافت: "الثقة التي تولدت بين الصحفيين والمحررين هي كنز لابد من تعزيزه والبناء عليه. والآن يجري لاجئ تدريباً عملياً ونظرياً لمدة سنتين في الصحيفة".
صحيفة Der Tagesspiegel من كبريات الصحف اليومية في العاصمة برلين، إذ توزع حالياً أكثر من مئة ألف نسخة يومياً، وهي ذات توجه ليبرالي. رئيس تحرير الصحفية، شتيفان-أندرياس كاسدورف، قال في كلمة مقتضبة في حفل إطلاق العدد: "لا أريد أن أعد بما لا أستطيع الوفاء به، ولكن أعد بأن نبقى منفتحين على الصحفيين اللاجئين".
خالد سلامة - برلين