بين تبعات الزلزال وموقف الدستور- هل يؤجل أردوغان الانتخابات؟
٢٥ فبراير ٢٠٢٣عندما كانت "إيلا" محمولة على نقالة إلى سيارة الإسعاف، نظرت حولها باستغراب واندهاش، حيث كانت نظراتها تبحث عن مبنى معروف أو وجوه أناس تعرفهم، لكنها لم تر سوى الدمار والأنقاض حولها. "في أي يوم نحن الآن؟" كان هذا هو السؤال الأول الذي طرحته الأم لطفلين، حسب وكالة الأناضول التركية. فقد تم إنقاذها مع طفليها من تحت الأنقاض في "هاتاي" بأعجوبة بعد مضي 228 ساعة (أكثر من 9 أيام) على وقوع الزلزال.
وكل من لديه المقدرة، يحاول مغادرة هاتاي، تلك المحافظة التي تقع في أقصى جنوب تركيا والتي شهدت دمارا كبيرا، ومن لا يستطيع المغادرة يسعى للعثور عن مأوى تحت خيمة أو منزل لم يدمر ويمكن اللجوء إليه. وغالبا ما يأوي كل بيت أكثر من عائلة واحدة، والنظافة مشكلة كبيرة هنا، حيث إنه ليست هناك مياه نظيفة ومرافق صحية كافية، بعدما دمر الزلزال البنية التحتية أيضا.
الدمار شديد، وعدد الضحايا تجاوز 41 ألفا في المحافظات التركية العشر التي ضربها الزلزال بالإضافة إلى عشرات آلاف الجرحى. وفي خضم هذه الكارثة، تشهد تركيا جدلا حول الانتخابات القادمة.
هل ستجرى الانتخابات؟
بدأ الجدل حول الانتخابات بتغريدة لنائب رئيس الوزراء التركي السابق، بولانت أرينج، رفيق درب أردوغان. إذ طالب بتأجيل الانتخابات، ومن الأفضل لمدة عام. صحيح أن أرينج لا يشغل منصبا رسميا الآن، لكن كلامه ورأيه لهما وزن لدى الرأي العام.
المعارضة ترفض بشكل قاطع فكرة التأجيل، حيث تعتقد أنه يمكن أن تكون هناك حسابات سياسية وراء طلب تأجيل الانتخابات. فبالنسبة إلى كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض، التأجيل يعتبر "انقلابا". فبعد كارثة الزلزال يريد أردوغان كسب الوقت، وقبل كل شيء بسبب الوضع الاقتصادي المزري، حسب منتقديه. فحتى قبل وقوع الزلزال هناك أزمة اقتصادية في تركيا. ويقدر اتحاد أرباب العمل "توركونفيد TـRKONFED" أضرار الزلزال بأكثر من 84 مليار دولار.
دستوريا.. يمكن التأجيل لمدة شهر واحد فقط!
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرابع عشر من مايو/ أيار القادم موعدا للانتخابات، وحسب الدستور يجب أن تجرى الانتخابات في موعد أقصاه 18 يونيو/ حزيران القادم.
لكن بيآته أبيلت، مديرة مكتب مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية في إسطنبول، ترى أن الموعدين غير واقعيين، وتقول لـ DW "ليست هناك انتخابات عن طريق البريد في تركيا. ويجب على المواطن أن ينتخب في محل تسجيله" في دوائر الناخبين. وبما أن كثيرين قد نزحوا عن موطنهم بسبب الزلزال وبقيت وثائقهم الشخصية تحت الأنقاض، فإن إجراء الانتخابات خلال ثلاثة أو أربعة أشهر يعتبر تحديا كبيرا، حسب رأيها.
لكن وحسب الدستور التركي، يمكن تأجيل الانتخابات في حالة الحرب فقط، وبالتالي فإن حالة الطوارئ الراهنة المفروضة في المحافظات العشر التي ضربها الزلزال، لا تكفي دستوريا لتأجيل الانتخابات.
الخبيرة التركية في القانون الدستوري، سولي أوزسوي بويونسيز، ترى أن المفوضية العليا للانتخابات هي التي يقع علي عاتقها المسؤولية، وحسب رأيها فإن المفوضية لديها الوقت الكافي خلال الأشهر القادمة لتتخذ كل الإجراءات اللازمة لإجراء الانتخابات بداية الصيف القادم. وقالت في تصريحات لوسائل إعلام تركية، في ظل الظروف الراهنة ينبغي أن يُسمح للناخبين الإدلاء بأصواتهم حيثما وجدوا مأوى لهم الآن.
لكن مدير مكتب مؤسسة هاينريش بول الألمانية في إسطنبول، كريستيان براكيل، يختلف مع هذا الرأي، ويقول إن مؤسسات الدول تحتاج كل الطاقات للتغلب على عواقب الكارثة، ويضيف لـ DW "هناك أسباب وجيهة للتأجيل".
أكثر من 13 مليون شخص تضرروا
المحافظات العشر التي ضربها الزلزال يبلغ عدد سكانها أكثر من 13 مليون نسمة، وخلال الانتخابات الماضية عام 2018 كان عدد الناخبين المسجلين فيها 8 ملايين ناخب. ويقول الخبراء، إن عدد الناخبين يجب أن يكون قد تجاوز ذلك ووصل إلى نحو 9 ملايين ناخب، لأن المنطقة شهدت خلال السنوات الماضية حركة هجرة قوية. وبناء على هذا الرقم يقدر عدد صناديق الاقتراع في تلك المحافظات بنحو 24 ألف صندوق. ويمثل المنطقة التي ضربها الزلزال 90 نائبا من أصل 600 نائب في البرلمان التركي.
وحسب الأرقام الرسمية، تم إيواء 1,2 مليون شخص في مساكن مؤقتة، وأكثر من 400 ألف شخص تم إيواؤهم خارج المنطقة.
هل يتم استغلال الكارثة؟
قبل حدوث الزلزال كانت نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تقارب في نتائج الانتخابات بين معسكري المعارضة والحكومة، ونسبة التأييد لأردوغان كانت أفضل من نسبة التأييد لحزبه. لكن كيف ستؤثر كارثة الزلزال على رأي الناخبين، هذا ما لم يتضح بعد. "يُنظر إلى الزلزال في جميع أنحاء البلاد كصدمة وطنية" تقول بيآته أبيلت. وحسب الخبيرة الألمانية، فإن الزلزال وعواقبه سيكون لها دور حاسم في المعركة الانتخابية وفي نتائج الانتخابات.
الآن يتزايد الضغط على أردوغان، حيث يتهمه الجيولوجيون بتجاهل التحذيرات. وينتقد المهندسون كثافة البناء في مناطق الزلزال برغم المخاطر والتحذير منها. وعلاوة على ذلك تم التغاضي عن معايير السلامة المتعلقة بالأبنية.
ففي ظل حكم حزب أردوغان، العدالة والتنمية، عرفت تركيا ازدهارا عمرانيا خلال العقدين الماضيين. وغالبا ما حصلت شركات المقاولات المقربة من الحكومة على المناقصات الحكومية والبلدية، ومنذ سنوات هناك حديث عن المحسوبية والفساد.
في كارثة الزلزال الحالية انهارت الكثير من المستشفيات ومباني البلديات وحتى مباني الهيئة التركية للحماية من الكوارث، وكأنها مصنوعة من الورق! مطارات المنطقة أيضا تضررت، ولم يبق سوى مطار واحد يعمل، وكل هذه الأبنية العامة تم بناؤها لحساب الدولة.
ومنذ سنوات عديدة يتهم زعيم المعارضة، كمال كليجدار أوغلو، الرئيس أردوغان بتشكيل لوبي بناء حوله، اغتنى من خلال المشاريع العامة، ويشير إلى "عصابة الخمسة" ويقصد بذلك خمس شركات بناء عملاقة.
لا نقد في الإعلام!
انتقاد أردوغان غائب في جزء كبير من وسائل الإعلام التركية، إذ تسيطر الحكومة على ما يصل إلى 95 بالمائة منها. فإلى جانب المحطات الحكومية، تقريبا كل المحطات التلفزيونية الخاصة والصحف ووكالات الأنباء تعود ملكيتها لشركات مقربة من الحكومة، وهي تعد في نفس الوقت من اللاعبين الكبار في قطاع البناء أيضا!
ومن هنا فإن ما يطغى على تقارير وسائل الإعلام هذه، هو التغطية الإيجابية لعمليات الإنقاذ وحملات التبرعات ونجاحات الهيئة التركية للحماية من الكوارث (أفاد). وكلمات أردوغان التي ألقاها في المناطق المنكوبة ووعد فيها بمساعدات فورية وإعادة البناء بسرعة، تم نقلها بشكل مباشر. "خلال عام سننجز مشاريع جديدة في هذه المدن، ونعطي أصحابها مفاتيح بيوتهم"، قال أردوغان ذلك الكلام قبل عدة أيام في مركز الزلزال بمدينة قهرمان مرعش.
وعلاوة على ذلك يتم التشهير بالمعارضة وعرقلة عملها. ومؤخرا تم وضع مركز الأزمات التابع لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في مركز الزلزال، تحت الحراسة القضائية. وشاحنات المساعدات التي تأتي من المدن التي تسيطر عليها المعارضة توضع عليها لافتات الهيئة التركية للحماية من الكوارث.
وبعد الفوضى التي سادت في البداية، يسافر الآن كل الوزراء إلى المناطق التي تعرضت للزلزال، ويقدم أردوغان نفسه كأب للبلاد.
كريستيان براكيل، يرى أن هناك فرصة لأردوغان ليستفيد في النهاية من كارثة الزلزال، ويقول: إذا حصل على مبالغ كبيرة من الاتحاد الأوروبي لإعادة البناء، فيمكن أن يستفيد أردوغان وحكومته من ذلك.
ألماز توبجي/ عارف جابو