"بوش على استعداد للانسحاب من العراق" ـ خدعة أم حقيقة؟
فاجأ الرئيس الأمريكي جورج بوش محاوره من جريدة نيويورك تايمز بقوله: " القوات الأمريكية على استعداد تام لمغادرة العراق في حال طلبت الحكومة المنتخبة ذلك"، مضيفا وسط دهشة محاوره: "الحكومة العراقية المنتخبة هي حكومة ذات سيادة مطلقة". غير أنه عاد وقال أنه مقتنع بأن معظم القيادات العراقية تدرك أهمية وجود القوات الأمريكية في تحقيق الاستقرار في العراق، ليس كقوات محتلة ولكن كقوات حليفة. جدير بالذكر أن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد كان قد أعلن يوم السبت الماضي بعد اجتماعه بنظيره البريطاني عن اتفاق الدولتين على استراتيجية موحدة للانسحاب من العراق. غير أنه لم يذكر موعداً محدداً لذلك. وفي هذا السياق ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن عدد معسكرات تدريب الشرطة العراقية تضاعف في الفترة الأخيرة، وأن وحدات خاصة تحت الإنشاء الآن، حيث من المنتظر أن تحل هذه الوحدات شيئاً فشيئاً محل القوات الأمريكية والبريطانية التي تقدر بـ 150 ألف جندي.
بوش ضد الزرقاوي والضحية هم العراقيون
في لقاء سابق لقناة العربية اعتبر الرئيس الأمريكي جورج بوش أن الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة تشكل فرصة تاريخية لبناء ديموقراطية حقيقية في العراق. ورأى أنها ستساهم في تحقيق مسيرته نحو الحرية ومواجهة الإرهاب. وبعد أن وجه تحياته للعراقيين دعاهم جميعهم، بما فيهم السنة للمشاركة فيها. وتأتي أقوال الرئيس بوش ربما لمحاولة إظهار نوع من التفاؤل ورباطة الجأش لنسيان يوم الأربعاء الماضي الذي يعد واحدا من أكثر الأيام دموية للجيش الأمريكي منذ سقوط بغداد ، فقد قُتل في هذا اليوم 35 جنديا من مشاة البحرية/ المارينز، وكان من بينهم 31 جنديا لقوا مصرعهم في تحطم مروحية عسكرية، كما أصيب 13 آخرون بجروح. في نفس الوقت تعرضت عدة مركز انتخابية لهجمات وتفجيرات. كما خطف ثلاثة من موظفي المفوضية العليا للانتخابات. ويأتي هذا التصعيد في الوقت الذي يتوعد فيه الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي كل من يشارك في الانتخابات المقررة في 30 يناير/ كانون الثاني الجاري. وجدد المذكور تحذيره للعراقيين أمس داعياً إياهم لعدم التوجه إلى صناديق الاقتراع، كما أكد عزمه على عرقلة عملية الانتخابات.
ترتيب العملية الانتخابية
إزاء التحدي المستمر الذي تشكله الهجمات لعملية الانتخاب كان من الضروري الترتيب لها بشكل جيد. وعليه تم إعداد نحو 130 ألف موظف وموظفة للإشراف على سيرها في مراكز الاقتراع. وأعلنت منظمة الأمم المتحدة منذ يومين عن الانتهاء من الترتيبات التي تضمن نزاهتها. وصرح مساعد سكرتير الأمم المتحدة كيران بريدنرجاست أن كل المسائل المتعلقة بتنظيم الانتخابات تسير على أكمل وجه رغم صعوبة الموقف الأمني والقلق من عدم مشاركة فئات كبيرة من الشعب العراقي فيها. وحذر بعض المسؤولين في المنظمة الدولية من المبالغة في إشاعة أجواء متشائمة. الجدير ذكره أن عدد الأوراق الانتخابية المسجلة وصل إلى 21 مليون ورقة في 5.300 دائرة انتخابية، ويتوقع العديد من المحللين زيادة عدد الناخبين يوم الاقتراع.
فرصة تاريخية أمام العراقيين !
يعلق الكثيرون الآمال على انتخابات الأحد القادم رغم ما يواكب التحضير للعملية الانتخابية من تهديدات. ويرى هؤلاء أن الترتيبات الأمنية المُتخذة للحفاظ على مسار هذه العملية قد تسهل تحقيق الآمال المذكورة بغض النظر عن صعوبة التنبؤ بنتائجها. ومن المتوقع أن يقوم البرلمان العراقي المُنتخب باختيار الرئيس العراقي الجديد ووضع دستور دائم للعراق بعد الانتخابات. ويرى محللون سياسيون أن الانتخابات ستكون أيضاً أول انتخابات حرة في العراق بعد حصوله على استقلاله السياسي. وسيشكل تكوين البرلمان العراقي الجديد خطوة هامة باتجاه تحول ديموقراطي مستقر في بلاد الرافدين. ومع حدوث هذا التحول سيتحقق أهم شروط الإدارة الأمريكية لسحب قواتها من الأراضي العراقية. من جهة أخرى يرى العديد من المراقبين أن امكانية تحقيق استقرار سريع للوضع مسألة مبالغ فيها لأن مثل هذا الاستقرار يحتاج إلى وقت طويل. ومقارنة بما عاشه العراقيون في غضون ثلاثين عاماً تحت وطأة الحكم الديكتاتوري والحروب التي خاضوها ضد الكويت وإيران، يمكن التنبؤ بمرحلة جديدة. وربما تكون هذه المرحلة المحطة الأخيرة في طريقهم لتحقيق استقرار تشريعي وحرية سياسية.