بعد قصف دهوك.. استراتيجية تركيا في مناطق الأكراد تحت المجهر
٢٨ يوليو ٢٠٢٢بعد سقوط أربعة صواريخ على منطقة ساحلية في مديرية زاخو بإقليم كردستان الأسبوع الماضي، كتبت الصحافية المستقلة التي تقيم في العراق سيمونا فولتين في تغريدة: "لسوء الحظ، فإن الأمر لم يكن سوى مسألة وقت حتى وقوع شيء كهذا". واستهدفت الضربات منطقة سياحية في إقليم كردستان العراق الذي يستقطب مئات السياح خلال شهور الصيف الحارة بسبب اعتدال الجو نسبيا، لكن المواقع السياحية في زاخو باتت منطقة تستهدفها القوات التركية لكونها قريبة من قواعد عسكرية أقامتها تركيا.
هذا وقد أسفرت الضربات عن مقتل تسعة مدنيين بينهم طفلان فضلا عن إصابة ما لا يقل عن 23 آخرين. وحمّلت الحكومة العراقية الجيش التركي مسؤولية شن الغارات، فيما وصف نائب بارز في البرلمان العراقي تركيا بأنها "قوة احتلال".أثارت الغارات التركية ردود فعل غاضبة في العراق حيث تظاهر المئات أمام السفارة التركية في بغداد فيما نفت الحكومة التركية مسؤوليتها عن الضربات الجوية.
تركيا و حزب العمال الكردستاني.. تاريخ طويل من الصراع
وبالنظر إلى الوضع في شمال العراق، فإن هذه ليست المرة الأولى حيث يوجه اللوم إلى الجيش التركي حيال مقتل مدنيين خاصة وأن أنقرة تنفذ عمليات عبر الحدود في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد شمال العراق لأكثر من ثلاث عقود. ووفقا لتقديرات منظمات غير حكومية، فإن الهجمات التركية أودت بحياة ما لا يقل عن 129 مدنيا في شمال العراق وإصابة 180 آخرين وذلك منذ 2015.
الجدير بالذكر أن تركيا شرعت في شن عمليات عبر الحدود العراقية منذ تسعينيات القرن الماضي لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية"، فيما شن الحزب هجمات مسلحة في تركيا عام 1984 بما في ذلك عمليات خطف وتفجيرات. ويطالب الحزب بإقامة منطقة مستقلة للأكراد. وقد خرج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الاثنين الماضي ليقول إن حزب العمال الكردستاني يعد المسؤول عن الهجوم الذي استهدف مديرية زاخو.
تغير تكتيكات الصراع بشمال العراق
يشار إلى أن الشعب الكردي بتعداد يتجاوز 30 مليون نسمة يعد من أكبر الجماعات العرقية في العالم التي تعيش دون وطن موحد. ويعيش الكرد بشكل أساسي في تركيا وإيران والعراق وسوريا، حيث تعرض الكثير منهم هناك للاضطهاد.
وعلى وقع القتال بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في الداخل التركي، فرت عناصر من الحزب إلى مناطق جبلية على طول الحدود العراقية، فيما شن الحزب هجمات على تركيا انطلاقا من المناطق الحدودية المشتركة ما دفع أنقرة إلى تنفيذ غارات حدودية. وتقول تركيا إن هذه العمليات تأتي في إطار الدفاع عن النفس وتنفي استهداف المدنيين في العراق حيث تتهم حزب العمال الكردستاني باستخدامهم كدروع بشرية.
بيد أنه بمرور الوقت، طرأ على النهج التركي تغيرات بداية من قصف معسكرات حزب العمال الكردستاني وحتى إنشاء قواعد عسكرية بلغ عددها حتى الآن خمس قواعد على طول الحدود العراقية فضلا عن أكثر من 50 نقطة تفتيش. ويُقدر عدد القوات التركية المتمركزة في هذه المنطقة في الوقت الراهن ما بين أربعة إلى عشرة آلاف مقاتل. ولم يقتصر التغيير على أسلوب التكتيكات التركية، وإنما شمل ذلك أيضا تغيير مناطق الصراع التي انتقلت من مناطق جبلية ذات تعداد سكاني أقل إلى مناطق مأهولة بالسكان بشكل أكبر.
تهديد بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا
وكان أردوغان قد أعلن في مايو /أيار الماضي أنه قرر شن هجوم عسكري جديد ضد المقاتلين الأكراد في الجوار السوري حيث ترى أنقرة أن كلا من سوريا والعراق ضمن مسرح العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني.
بيد ان الوضع في شمال شرق سوريا حيث يهدد أردوغان بشن عملية عسكرية يبدو مختلفا إذ تسيطر حدات "حماية الشعب الكردي" على مساحات شاسعة من مناطق شمال وشمال شرق سوريا، غير أن أنقرة ترى بأن هذه القوات ليست سوى امتداد لحزب العمال الكردستاني. ويدير الأكراد إلى جانب مقاتلين عرب المنطقة في إطار "قوات سوريا الديمقراطية" أو "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية. وتعتبر الأخيرة "قسد" حليفا مهما في القتال ضد داعش فيما يعود الوجود العسكري التركي في هذه المنطقة إلى عام 2016.
وفي ذلك، ﻛﺘﺐ ســـﻠﻴﻢ ﺟﻴﻔﻴﻚ، الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، في مايو/ أيار الماضي بأن "جميع العمليات التركية في سوريا مشروطة ومحدودة وتحظى بموافقة الروس والأمريكيين". وفي مقابلة مع DW، قالت رانشيسكو سيكاردي، كبير مديري البرامج والخبيرة في الشأن التركي في مؤسسة "كارنيغي أوروبا"، إنه لا يزال ممكنا أن تُقدم تركيا على "شن هجوم جديد في شمال سوريا، لكن الأمر يعتمد على (حصول أردوغان) على الضوء الأخضر من الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين".
وأشار الباحثان إلى أن تركيا قامت مؤخرا بخطوتين ذات ارتباط بمخطط أردوغان في سوريا، الأولى إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية والثانية التلويح باستخدام حق النقض ضد انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال سيفيك إن الأمر برمته مرتبط بمدى نجاح الضغوط التركية على الولايات المتحدة وروسيا لمنح الإذن للعملية العسكرية الجديدة في شمال سوريا.
تركيا..أهدافها؟
وأضاف سيفيك أن تركيا ترغب في إنشاء "منطقة عازلة" على طول الحدود العراقية والسورية المشتركة وإلحاق هزيمة بحزب العمال الكردستاني أو إرباكه على أقل تقدير، قائلا إن "الهدف الأول يتمثل في إبعاد الحزب عن الداخل التركي." بدورها، قالت سيكاردي إن الأمر يرتبط بقضايا سياسية داخلية في تركيا إذ ترى أن التصعيد قد يصب في صالح تعزيز فرص إعادة انتخاب أردوغان مجددا رغم الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا.
وأضافت أنه "سيُجرى استغلال أي عملية تركية في شمال سوريا لحصول اردوغان على أكبر دعم ممكن قبل الانتخابات العامة التي ستشهدها تركيا في يونيو / حزيران العام المقبل".
وقالت إن الأمر لن يتوقف على ذلك بل سيرغب أردوغان من خلال "التدخل في سوريا بتقديم دليل ملموس على جدية مساعيه لحل المشاكل المرتبطة باللاجئين والتي تؤثر على بلاده". ويرى مراقبون أن أردوغان قد يسعى للاستفادة من المشاعر اليمينية المناهضة للاجئين في تركيا خاصة وأنه قال إن العملية العسكرية تعد جزءا من محاولة لإنشاء منطقة آمنة لتوطين ملايين اللاجئين السوريين ممن يعيشون في تركيا.
ولفت جيفيك إلى بعد سياسي جديد يتمثل في أن التصعيد التركي في العراق وسوريا من شأنه أن يخلق مناخا معاديا للأكراد مما يسمح لأردوغان بمزيد من التضييق على "حزب الشعوب الديمقراطي" المعارض والموالي للأكراد والذي يعد واحدا من أقوى خصومه السياسيين. وأضاف أن العمليات العسكرية التي قد تشنها تركيا العام المقبل "ستكون أكثر إثارة وحاسمة بسبب الانتخابات التركية".
بدوره، قال الباحث السياسي أيدن سيلسن والذي عمل في السابق كدبلوماسي تركي في شمال العراق، إن أطرافا إقليمية تعارض توسيع العمليات التركية في شمال سوريا. وفي مقابلة مع DW، قال: "لهذه الأسباب فإنه يًصعب القول بأن (العملية العسكرية التركية) وشيكة في سوريا، وحتى استمرار العمليات التركية في العراق أضحى موضع شك بعد الحادث الأخير"، في إشارة إلى الضربات التي استهدفت زاخو.
مزيد من المراقبة
وقالت سيكاردي إنه رغم عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أنه سيمهد الطريق أمام مزيد من التدقيق لما تقوم به تركيا في العراق وسوريا "ما سيعقد الموقف التركي". بدوره، يرى حمزة حداد، المحلل السياسي في بغداد والزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الهجوم سوف يزيد الضغوط على الحكومة العراقية.
وفي مقابلة مع DW، قال: "الغضب في الشارع العراقي يضغط على الحكومة للرد. وأنا لا أعتقد أن الحملة [التركية] سوف تتوقف، لكن الضغط الشعبي سوف يدفع الأتراك لتوخي المزيد من الحذر حيال أهداف عملياتهم مستقبلا".
من جانبه، قال سيلسن إنه "من الطبيعي أن ترد كل من دمشق وبغداد ولو على شكل تصريحات عندما تشن مثل هذه العمليات على أراضيهما"، لكنه قلل من إمكانية أن يؤثر الهجوم على العلاقات الدبلوماسية والتجارية التي وصفها بالقوية بين تركيا والعراق. وأضاف "ليس بالضرورة أن يشير ذلك إلى أي تغيير في السياسات التركية في سوريا والعراق".
كاثرين شير وسينم أوزدمير / م ع