بعد سنوات من الكدح - الشيخوخة والفقر كابوس متقاعدي ألمانيا
٦ ديسمبر ٢٠١٢عندما تقوم إدراة دار المُسنين بتوزيع زينة أعياد الميلاد وإشعال الشموع المُعطرة، وعندما تعم رائحة قطع الحلوى في البيت، ينتاب الكثير من النزلاء الشعور بالحزن لعدم قدرتهم على شراء الهدايا لأولادهم وأحفادهم بمناسبة أعياد الميلاد. وتقول إيرينا زوخان "يصعب على الكثير القول: "لا استطيع شراء الهدايا لأولادي وأحفادي لأني لا أملك النقود".
وتترأس إيرينا زوخان إدارة الخدمات الاجتماعية في دار للمسنين في ضواحي مدينة بون الألمانية، حيث يعيش ثلث نزلائها، البالغ عددهم 78، من معونات الدولة. ويحصل كل فرد منهم على معونة مالية قدرها 100 يورو شهريا من أجل قضاء حاجاته كشراء أدوية أو الترفيه عن النفس. وإذا ما أراد أحدهم شراء ملابس أو أغراض أخرى، فيتعين تقديم طلب آخر للحصول على مساعدات مالية إضافية. وتُساعد زوخان نزلاء دار المسنين على تقديم هذه الطلبات. وتقول إنها تلاحظ أنه يصعب على العديد منهم طلب المساعدات المالية، لافتة إلى أنهم يتساءلون دائما عن سبب اعتمادهم على معونات الدولة بعد عملهم لسنوات طويلة.
الخجل من طلب المعونة من الدولة
ويرى كريستوف بوتيرفيغه، وهو بروفسور بجامعة كولونيا يجري أبحاثا حول ظاهرة انتشار ظاهرة الفقر في المجتمع الألماني، أن العديد من المُسنين في ألمانيا يعيشون تحت خط الفقر. ويوضح أن عدد الناس، الذين يعيشون من معونات الدولة، يتجاوز في الواقع 436.000، لافتا إلى الكثيرين منهم يتجنبون طلب المساعدة من مكتب الرعاية الاجتماعية. كما تحدث أيضا عن "ازدياد الحاجة المادية بعد التقدم في السن".
من جانبها، تتولى زوخان مهام تقديم الطلبات لدى مصلحة الشؤون الاجتماعية بهدف تغطية تكاليف دار المسنين الذي تعمل فيه، الذي قد تصل تكاليف الرعاية فيه إلى نحو 120 يورو لليوم الواحد. ويبلغ متوسط معاش التقاعد في ألمانيا في الوقت الحالي 1100 يورو شهريا تقريبا.
النساء هن الأكثر تعرضا للفقر في سن الشيخوخة
وتبلغ نسبة الرجال المقيمين في دار المُسنين ما يُقارب 20 بالمائة فقط، أما الأغلبية فهي من من النساء. وحسب بيانات المكتب الاتحادي للإحصاءات، فإن النساء يُشكلن الأغلبية العظمى من المتقاعدين فوق السن 65 والذين تبلغ نسبتهم 1.3 بالمائة، والذين هم في حاجة للمساعدات المالية التي تقدمها الدولة.
وتشير زوخان إلى أن النساء هن من يلجأن إلى صندوق المعاشات الاجتماعية بعد عقد قران الزواج من أجل تمويل حفل الزفاف، لافتة إلى أن ذلك كان "أمرا معتادا في الخمسينات والستينات". وتوضح أن العديد من النساء من الأجيال السابقة لم يحرصن على تأمين أنفسهن ووقعن الآن في فخ الشيخوخة.
وتفتح إيرينا زوخان إحدى الغرف وتشاهد وسائد الرأس وغطاء السرير المطلي باللون البنفسجي وصورا لأناس يضحكون باللون الأبيض والأسود. إنها غرفة سيدة عملت في عيادة زوجها وعاشت معه لقترة طويلة في دمشق. ولم تدفع أبدا أي مبالغ لصندوق المعاشات الاجتماعية. وتشير زوخان إلى إحدى نزيلات دار المسنين، التي كانت ترتدي اللون البنفسجي أيضا، الذي رأيناه في الغرفة. وعندما رأت هذه المرأة الميكروفون، بدأت بالابتعاد ببطء. وتفسر زوخان ذلك أن أغلبية النساء يرفضن إجراء حديث صحافي بسبب الخجل و خشية أن يعلم الآخرون بفقرهن.
ارتفاع نسبة المسنين الفقراء - تحد لألمانيا
من جهتها، تقول زابينا غراف، نائبة رئيس الاتحاد النقابي الألماني في ولاية شمال الراين فيستفاليا، إنه وعلى الرغم من انخفاض نسبة النساء، اللواتي يرغبن في البقاء في المنزل والاهتمام برعاية أطفالهن، إلا أنهن سيبقين عرضة للفقر في المُستقبل. وتعزو غراف هذا الأمر إلى الفجوة الموجودة في المرتبات التي يتقاضها الرجال والنساء والتي تصل إلى نسبة 20 بالمائة. وهذا يعني أن النساء، اللواتي يتقاضين أجور أقل، سيضطررن إلى دفع مبالغ قليلة لصندوق الضمان الاجتماعي، "ولذلك فهن معرضات أكثر للفقر".
وتقول غراف أيضا إن العمال المُستقلين، الذين ينتقلون من مشروع لآخر، والعاملين بدوام جزئي، والذين يُعانون من تذبذب في الدخل، معرضون لخطر الفقر. كما تتوقع أيضا أن ثلث المتقاعدين سيعيش تحت خط الفقر، مشددة على أن ذلك: "يشكل تحد كبير بالنسبة لدولة كألمانيا".
أما إيرينا زوخان فتتوقع أنه حين تتقدم بها السن وتبلغ سن التقاعد، فإنها قد تعجز عن تمويل تكاليف الإقامة في دار للمسنين. وتقول إن عددا من أصدقائها يعملون دور للمسنين في منطقة الرور، شمال غربي ألمانيا، حيث تبلغ نسبة المسنين المقيمين فيها والذين يعيشون على المعونات الاجتماعية، ما يقرب 60 بالمائة وأحيانا 70 بالمائة.