بعد دسترة "الأردنيات" ـ ناشطات يطالبن بتمكين المرأة عملياً
٣ فبراير ٢٠٢٢
في ديسمبر / كانون الأول، وقع عراك بالأيدي وسادت حالة فوضوية تحت قبة البرلمان الأردني في جلسة خصصت لإقرار تعديلات دستورية، بيد أن ما أثار المشادات كان كلمة "الأردنيات".
فمع بدء النقاش حيال طرح إضافة كلمة "الأردنيات" إلى جانب "الأردنيون" في المادة الأولى من الدستور الأردني، وقعتمشادات كلامية مع احتدام النقاش ليتفاقم الأمر ويصل إلى اشتباكات بالأيدي استدعت رفع الجلسة لمدة نصف ساعة.
ورغم اعتراض بعض النواب بأن ليست هناك حاجة لإدراج كلمة "الاردنيات" في دستور البلاد، إلا أن الحكومة ونواب خاصة أعضاء اللجنة القانونية التي أقرت التعديلات، شددوا خلال هذه الجلسة الصاخبة على أهمية الأمر.
ورغم الصخب والجدل في جلسات ماراثونية، أقر البرلمان في مطلع يناير / كانون الثاني التعديلات بموافقة 104 نواب ورفض 8 نواب من أصل 112 نائبا حضروا جلسة التصويت لتدخل التعديلات حيز التنفيذ بعد مصادقة العاهل الأردني ونشرها في الجريدة الرسمية قبل أيام قليلة، حسبما ذكرت وسائل إعلام أردنية.
واعتبرت الحكومة التعديلات الدستورية بمثابة "خارطة طريق" لتدشين مرحلة سياسية جديدة في الأردن فيما انتقدت بعض الأصوات المعارضة التعديلات بوصفها تمثل "تراجعا ديمقراطيا" في البلاد وتوسيع صلاحيات الملك ومنحه سلطات منفردة بالتعيين والإقالة لمناصب دينية وأمنية.
"مهمة لكن غير كافية"
وتضمنت التعديلات إضافة كلمة "الأردنيات" إلى الدستور فضلا عن إضافة نصوص ترمي إلى تمكين المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
بدورها أشادت وزيرة الدولة للشؤون القانونية في الأردن وفاء بني مصطفى بالخطة واعتبرها "تاريخية" رغم الانقسام والاختلاف في الرأي حيال إضافة كلمة "الأردنيات".
وكرست الحكومة الأردنية الكثير من الجهد للدفاع عن إدراج كلمة "الأردنيات" إلى الدستور، فحتى خلال الجلسة البرلمانية التي شهدت عراكا ومشادات كلامية، خرج عبد المنعم العودات الذي يترأس اللجنة القانونية، ليؤكد أن "إضافة كلمة الأردنيات إلى جانب كلمة الأردنيون في المادة الأولى من مشروع تعديل الدستور الأردني يهدف إلى المساواة في الحقوق والواجبات لكلا الطرفين".
بدورها، أرجعت المخرجة الأردنية والناشطة الحقوقية غادة سابا هذا الصخب الذي وقع في البرلمان الأردني من مشادات وعراك إلى "المفاهيم المتضاربة" حيال تمكين المرأة وتحقيق المساواة. وفي مقابلة مع DW، قالت "هناك بعض التدخلات من أشخاص لا يعرفون لماذا نطالب بوجود المرأة في مراكز صنع القرار ولماذا من المهم أن تكون المرأة صانعة أمن وسلام وتعزيز تواجد المرأة أكثر وأكثر في المجالس البلدية".
وأضافت "هؤلاء الأشخاص لا يفهمون لماذا نتحرك بهذه الطريقة. للأسف شئنا أم أبينا لا نزال نعيش في مجتمع ذكوري وهذا المجتمع الذكوري يعتقد أن أي تقدم ولو ربع خطوة للأمام للمرأة يهدد وجوده ككيان وكفرصة".
"التحديات كبيرة"
وتواجه المرأة الأردنية الكثير من العقبات إزاء الانخراط في الحياة السياسية أو حتى سوق العمل نظرا للتقاليد والأعراف المحافظة في هذا البلد حيث لا يزال في كثير من الأحيان ينظر للمرأة بأنها قليلة الأهلية للانخراط في غمار العمل السياسي والعمل العام.
ومنذ سبعينات القرن الماضي، نالت المرأة حقوقا قد تكون سابقة في هذه الحقبة بالمنطقة إذ حصلت على حقها في التصويت والترشح في الانتخابات عام 1974 وبعد ذلك بأعوام تولت أول سيدة حقيبة وزارية.
ورغم أن دخول النساء في البرلمان الأردني بدأ في سبعينات القرن الماضي، إلا أن انخراط المرأة في السياسية في الأردن لا يزال حديثا نسبيا، حسبما ذكرت وفاء بني مصطفى - وزيرة الدولة للشؤون القانونية والنائبة السابقة في البرلمان الأردني.
وفي مقابلة مع DW، قالت "العمل السياسي في الأردن نشأ بتاريخه ليكون ذكورياً لأنه اعتمد بصورة كبيرة جداً على المجتمعات العشائرية، ولذلك كان دخول المرأة الحقيقي بإقرار ووضع الكوتا النسائية في القوانين التي تحكم الانتخابات بدءاً من الكوتا في البلديات، ومجالس المحافظات ومجالس النواب."
وأضافت "التحديات كثيرة أعتقد أن أهمها التحدي المرتبط بقدرة النساء على أن يأخذن مكانهن الحقيقي في الأحزاب والائتلافات السياسية الحقيقية. وهذا يجب العمل عليه بصورة مكثفة في الفترة القادمة."
نقاش افتراضي
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، احتدم النقاش حيال هل التعديلات الجديدة بشأن تمكين المرأة ستؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز دور المرأة في الأردن. ورأى البعض أن الأمر سيصب في صالح نيل المرأة الأردنية المزيد من الحقوق فيما شددت أردنيات على منصات التواصل أن المحك الرئيسي يتمثل في تطبيق مثل هذه التعديلات على أرض الواقع.
"أردنيات"... ليست مجرد كلمة
بيد أن الصخب والجدل حيال كلمة "الاردنيات" في الدستور ربما كان مرجعه المخاوف مما قد تحمله من تبعات في المستقبل من توسيع في تجنيس أبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين أو اتخاذ خطوات لتعديل قانون الأحوال الشخصية وأحكام الميراث والزواج في هذا البلد المحافظ.
ورغم أن التعديل لم يتطرق مباشرة عن قضايا التجنيس، إلا أن الأمر أثار جدلا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي حيث رفض كثيرون مبدأ التجنيس وانتشرت أوسمة (هاشتاغ) عديدة ضد الأمر مثل #لا_لتجنيس_ابناء_المجنسات و #الأردن_للاردنيين.
في المقابل، دافعت أردنيات عن قضية التجنيس باعتبارها حقا من حقوق المراة ورفضن محاولات تشويه الأمر تحت فزاعة "التوطين" عبر هاشتاغ #الجنسية_حق_لا_مكرمة
وبعيدا عن تفسيرات البعض لمدلول كلمة "الأردنيات" في الدستور والمخاوف من تبعاتها فيما يتعلق بالقوانين الشخصية، يبدو أن ثمة إجماع من الناشطات والحقوقيات على ضرورة تطبيق التعديلات على أرض الواقع في كافة مناحي الحياة في الأردن.
وفي هذا السياق، أكدت الإعلامية الأردنية روان جيوسي على ضرورة اتخاذ خطوات جادة في مسار المساواة بين الجنسين خاصة من قبل الحكومة ليس فقط لتمكين المرأة وإنما أيضا لحمايتها من العنف.
وأضافت يتعين "على الحكومة أن تكون جادة بملف الإصلاح وملف التنمية لتحقيق المساواة بين الجنسين، وهذا يتطلب النظر بشمولية تنعكس على التنشئة والثقافة والتشريع والتطبيق وبرامج الحماية من العنف والتحرش وتحقيق التمكين الاقتصادي، لنصل إلى حالة حقيقية من التوازنات الصحية في مجتمعات تسيطر عليها الأبوية في صناعة القرار على كافة المستويات."
استمرار النضال!
وتتفق في ضرورة تنفيذ مثل هذه التعديلات المخرجة الأردنية والناشطة الحقوقية غادة سابا.
وفي حديثها مع DW، قالت "إن التطبيق هو الجزء المهم في تنفيذ أي تعديل قانوني، ولكن هذا ما نتأخر فيه دائما لذا يجب أن نتحدث بطريقة مختلفة وهنا يجب أن يكون شركاؤنا المجتمع ككل".
وقالت "هذا التطبيق يجب أن يكون في كل مكان وبكل أرجاء الأردن من تطبيق عملي وتفعيل القوانين وتغيير الرأي العام وتغيير طريقة التفكير وتغيير النمطية والتي تكون مميتة أحيانا وتغير المصطلحات الجندرية التي أصبح الحديث عنها تابو (شيء محظور) لأنها غير مفهومة ولا أحد يرغب في فهمها أو يتحدث عنها".
وشددت على أن تطبيق مثل هذه التعديلات يلزم استمرار العمل من أجل كسب تأييد المجتمع، مضيفا "اليوم وكما نضالنا من أجل كلمة الأردنيات، يجب أن يكون النضال من أجل كلمة مساواة".
محمد فرحان